لم يكن الاول من آذار يوما عاديا في مسلسل مآسي اللبنانيين ونكباتهم المتتالية، فما بين دولار يشمخ صعودا من دون ضوابط أو مبررات علمية ساحقا بطريقه مداخيل اللبنانيين وبقايا رواتبهم، وما بين تمريرة جمركية مفاجئة ضاعفت #الدولار الجمركي ثلاث مرات من 15 ألف ليرة الى 45 ألف ليرة، وصولا الى السير بتطبيق “دولرة” أسعار السوبرماركت، ما عاد أمام اللبناني غير الافق المسدود والآمال شبه المستحيلة بالهروب من خطر كرة ثلج التضخم التي تهدد بسحقه، فيما لم تتحرك العجلة السياسية لإعادة الانتظام الى عمل الدولة ومؤسساتها وكبح جماح الانهيار والسقوط المريع لليرة في الاسبوعين الاخيرين.
وإذا كانت مصادر وزارة المال تعوّل على مضاعفة ايرادات الخزينة ثلاثة أضعاف من رفع الدولار الجمركي الى 45 ألف ليرة، خصوصا أن دولار الـ15 ألفا كان يرفد الخزينة بما بين 1500 و1600 مليار ليرة شهريا، فإنها في المقابل تطمئن الى أن هذا الاجراء لن يصيب المواطن العادي بمقتل، بدليل أن غالبية المواد الغذائية لا تشملها الضريبة، في حين ان 65% من كل السلع المستوردة معفاة من الرسوم الجمركية، وخصوصا المواد الغذائية. وهذا الامر يؤكده أيضا رئيس نقابة اصحاب السوبرماركت الدكتور نبيل فهد لـ”النهار”، إذ يشير الى ان “غالبية السلع الغذائية معفاة مثل السكر والرز والزيت والمعكرونة وغيرها، أما السلع التي ستتأثر برفع الدولار الجمركي فهي الخضر المعلبة والمثلجة التي اصلا عليها رسوم مرتفعة (35%)، اضافة الى الأجبان (في حال كانت من دول لم يوقّع معها لبنان اتفاقات تجارية مثل تركيا)”. واستند الى بعض الدراسات التي بينت أن رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى 15 ألف ليرة ومن ثم الى 45 الفا لم يؤثر على معدل ارتفاع السلة الاستهلاكية إلا بنسبة 1% تقريبا، على عكس تأثر السلة الاستهلاكية بارتفاع #سعر صرف الدولار أكثر من مرة يوميا.
توازياً، أكد فهد أن قطاع السوبرماركت بدأ أمس اعتماد التسعير بالدولار “لكل البضائع التي نتسلمها من المورد بالدولار وهي تناهز الـ 90% من بضائعنا، في ما عدا الخبز والخضر والفواكه والغاز والسجائر، اضافة الى سلع نتسلمها من شركات محلية وعالمية بالليرة كونها، أي الشركات، لا تزال تصر على التسعير بالليرة لأن القانون الذي تعتمده لا يتيح لها التسعير إلا بعملة البلد”.
“النهار” سألت مدير “مركز إشراق للدراسات” الباحث الاقتصادي الدكتور أيمن عمر عن تأثير الدولار الجمركي الجديد على أسعار السلع المستوردة وكيفية احتسابها، فأجرى مقارنة بالارقام بين تطبيق الدولار الجمركي 15 ألف ليرة والدولار الجديد على 45 الف ليرة. فمثلاً: سلعة خاضعة لرسوم جمركية ذات معدل منخفض (5% كالاجهزة الخليوية)، وسلعة اخرى بكلفة الاستيراد نفسها لكنها خاضعة لرسوم جمركية ذات معدل مرتفع (50%). على افتراض أن كلفة استيراد السلعة الاولى هي 100 دولار (ما يعادل 9,000,000 ليرة، على أساس سعر الصرف 90,000 ليرة للدولار الواحد)، وبما أنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 5%، أي 5 دولارات (ما يعادل 75,000 ليرة، وفق الدولار الجمركي 15,000 ليرة)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 998,250 ليرة ( 9,075,000 × 11%) فإن سعر الكلفة على السعر 15,000 هو 10,073,250 ليرة. وبعد تطبيق الدولار الجمركي 45,000 ليرة، وبما أن سعر الاستيراد هو 100 دولار (ما يعادل 9,000,000 ليرة، على أساس سعر الصرف 90,000 ليرة للدولار الواحد)، وبما أنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 5% أي 5 دولارات (ما يعادل 225,000 ليرة وفق سعر الدولار الجمركي 45,000)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 1,014,750 ليرة
( 9,225,000 × 11%) فإن سعر الكلفة على السعر الجديد هو 10,239,750 ليرة، وتاليا فإن الزيادة المرتقبة هي 166,500 ليرة، أي بمعدل 1.6%.
وللتوضيح، يقول عمر: “على افتراض أن كلفة استيراد السلعة الاولى هي 100 دولار (ما يعادل 9,000,000 ليرة على أساس سعر الصرف 90,000 ليرة للدولار الواحد)، وبما أنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 50%، أي 50 دولارا (ما يعادل 750,000 ليرة وفق الدولار الجمركي 15,000)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 1,072,500 ليرة
( 9,750,000 × 11%) فإن سعر الكلفة على سعر 15,000 هو 10,822,500 ليرة. وبعد تطبيق الدولار الجمركي 45,000 ليرة، وبما أن سعر الاستيراد هو 100 دولار (ما يعادل 9,000,000 ليرة على أساس سعر الصرف 90,000 ليرة للدولار الواحد)، وحيث إنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 50%، أي 50 دولارا (ما يعادل 2,250,000 ليرة وفق سعر الدولار الجمركي 45,000)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 1,237,500 ليرة ( 11,250,000 × 11%) فإن سعر الكلفة على السعر الجديد هو 12,487,500 ليرة، وتاليا فإن الزيادة المرتقبة هي 1,665,000 ليرة، أي بمعدل 15.3%”. لكن عمر يجدد التأكيد أنه “مع غياب السلطات الرقابية وانقسام السلطة القضائية وجشع المستوردين والتجار يصبح ارتفاع الأسعار لا حدّ له”.
ويستند عمر الى ارقام إدارة الإحصاء المركزي، ليشير الى أن الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك (وهو المؤشر الذي يظهر نسبة تغير الأسعار) بين نهاية شهري تشرين الثاني وكانون الاول من العام الماضي تاريخ بدء تطبيق الدولار الجمركي وفق سعر 15,000 ليرة، قد ارتفع بنسبة 16.52%، وارتفع بين كانون الأول 2022 وكانون الثاني 2023 بنسبة 8.43%. هذا الرقم القياسي الذي بلغ تغيره الشهري بين تشرين الأول وتشرين الثاني 10.63% قبل تطبيق الدولار الجمركي 15,000.
ويلاحظ أنه في الفترة الزمنية نفسها من نهاية تشرين الثاني إلى نهاية كانون الأول 2022، فإن أكبر نسبة ارتفاع لمؤشر أسعار الاستهلاك كانت للمحروقات والغاز والكهرباء والماء 44.84%، يليها النقل 31.84%، ويعود أسبابها إلى ارتفاع أسعار المحروقات بالدرجة الأولى. أما مؤشر أسعار استهلاك المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية فقد ارتفعت بنسبة 20.15%، والألبسة والأحذية بنسبة 15.05%. لكن هذه النسب تغيرت أيضا في الفترة ما بين كانون الأول 2022 وكانون الثاني 2023، حيث أصبحت كالآتي: المحروقات والغاز والكهرباء والماء 10.55%، النقل 10.57%، المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية 11.29% والألبسة والأحذية 11.38%. وهذا يعني، برأي عمر، أن “التأثير الأساسي على الأسعار ومعيشة الناس هو التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، لكنه لا يعني أن قرار رفع سعر الدولار الجمركي هو قرار صائب بل على العكس تماما لأنه يجب أن يندرج ضمن خطة اقتصادية ومالية متكاملة تعالج أسباب الانهيار من جذوره. أما التعليل أن هذه الزيادة ستتسبّب بزيادة الإيرادات الجمركية، فهذا يصحّ في حالة الرخاء والازدهار الاقتصادي وليس عند الأزمات الكبرى”.
ماذا عن قانونية القرار؟ المحامي الدكتور باسكال ضاهر اعتبر أن “هذا القرار يتناقض مع الاحكام القانونية الناظمة، والسبب في ذلك يعود إلى ناحيتين: الاولى أنه لا يوجد ضمن القانون ما يسمى دولارا جمركيا أو دولار مودعين او سواه من التسميات الغريبة عن احكام القوانين لان الدولار هو دولار، ويجب أن يكون له سعر صرف رسمي وواحد في الجمهورية اللبنانية. اما ما تسعى الحكومة اليه الآن بمنح نفسها الحقّ بالتشريع بمواضيع مالية، فهو خرق للقانون مجددا، لا سيما ان هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل أصدرت رأيا منذ العام 1985 أشارت فيه الى ان تحديد المواضيع المالية للدولة اللبنانية بسعر صرف او سواه يستوجب تدخل المشرّع وهو تشريع مالي لا يتصل بصلاحيات الحكومة”.
ولفت ضاهر الى أن “نص المادة 64 الفقرة 2 من الدستور اللبناني الزمت حكومة تصريف الأعمال بعدم اتخاذ اي اعمال تصرفية، وضمن هذا الإطار كان مجلس شورى الدولة قد اصدر قرارا حدد بموجبه الأعمال التي يجوز لحكومة تصريف الأعمال ان تقوم بها، وفرّق بين الأعمال الادارية اليومية التي يحق لحكومة تصريف الأعمال ان تقوم بها وحصرها بالنواحي اليومية البريدية غير التصرفية، او ان تتصرف باعتمادات او ان تُدخل تغييرا جوهريا على أوضاع البلاد الاقتصادية، وهذا ما يفيد ويؤكد ان هذه الحكومة كما وزير المال مجردان من اي صلاحية لتحديد سعر صرف إن كان جمركيا او سواه”.