فيما انتهى مؤتمر باريس إلى إعلان حزمة مساعدات للبنان بقيمة مليار دولار أميركي، 200 مليون دولار منها إلى الجيش اللبناني من أجل تمكينه من نشر 8 آلاف عنصر إضافي في الجنوب، حسبما جاء في مداخلة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، و800 مليون دولار كـ مساعدات إنسانية ستذهب مباشرة إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من أجل “الوصول إلى النازحين داخليًا وضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسي في لبنان”، تدور تساؤلات على الساحة اللبنانية عن احتمال أن تكون هذه المساعدات مشروطة بمطالب سياسيّة تتعلّق بالحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، ودور الحكومة اللبنانية في إنهاء هذا الصراع.
المحلل السياسي رامي نعيم، يقول في حديث لموقع “الحرة”، إنّ أهمية مؤتمر باريس تكمن في أنّ الهبات التي ستعطى بموجبه للبنان ليست مشروطة سياسيًا ولم يتم وضع شروط سياسية مقابل دعم لبنان، وهذا الدعم هو للجيش اللبناني وللدولة اللبنانية، ولا يرتبط هذا الدعم بالحرب، لذلك هذه الأموال ستدفع بعد الانتهاء من هذه الحرب”.
وتابع نعيم “أنّ هذا يدل على أنّ القرار 1701 سيتمّ تنفيذه وقد اتّخذ القرار على مستوى دولي كبير، لذلك سيعطى لبنان هذا الدعم الكبير للجيش اللبناني وللمؤسسات الرسميّة بعد تطبيق الـ 1701، والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا تصران على أن لا مستقبل للبنان إلا من خلال الشرعية، من هذا المنطلق هناك 800 آلاف عنصر للجيش اللبناني سينتشرون في الجنوب وسيبتعد حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.
وأكّد نعيم في حديثه “للحرة”، أنّه “سيكون هناك مؤتمر لاحق لإعمار ما يتقف على إعماره في لبنان، إذ قد لا يكون هناك إعادة إعمار في بلدات متاخمة للحدود في الجنوب ولكن بحسب المعطيات سيتم إعادة إعمار مناطق في البقاع وفي الضاحية وبعض المناطق في الجنوب وهذا يتطلب مؤتمرا آخر مختلفا عن هذا المؤتمر لأنّ كلفة ما تمّ تدميره في لبنان تتراوح بين 20 و 30 مليار دولار، فلا يكفي مبلغ المليار دولار للشروع في البناء والإعمار”.
من جانبه، الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين، قال في حديثه لموقع “الحرة”، إنّ “مؤتمر باريس يشكّل ضوءا في النفق المظلم الذي يمر به لبنان ويفترض أن يستكمل بمؤتمر آخر لدعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية ولعلّ ذلك مرتبط بالترتيبات التي يسعى المجتمع الدولي بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية لوضعها في إطار تنفيذ القرار 1701 والذي كان يُفترض أن ينفّذ منذ عام 2006 إلا أنّه لم ينفذ لغاية اليوم، ويعوّل اليوم على تنفيذه من خلال الجيش اللبناني والتوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار”.
وتابع يمين أنّ “مؤتمر باريس يشكّل محطة بارزة في ظل الحرب الدائرة بين لبنان وإسرائيل ويعني أنّ لبنان غير متروك وأنّ هناك أصدقاء له أبرزهم فرنسا التي لا تزال تهتم بلبنان وتحاول تخفيف الأضرار عنه، علمًا أنّ الحرب، قدّر كلفتها وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام بعشرين مليار دولار، الأمر الذي يعني أنّ لبنان يتحمّل أعباء هائلة من جراء هذه الحرب، وهي خسائر مباشرة نتجت عن تدمير المباني والمنشآت والمؤسسات، والخسائر غير المباشرة المتمثلة بتعطيل حركة الاقتصاد وتعطيل دورة الإنتاج، والشلل الذي يصيب البلاد والمؤسّسات الخاصّة والرسميّة على السواء، وهو ما أدى إلى انخفاض في الناتج القومي وتراجعا في حجم المبالغ التي كان يجمعها مصرف لبنان من العملات الصعبة”.
أما مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، فقال في حديث لموقع “الحرة”، إنّ لبنان الرسمي ذهب إلى مؤتمر باريس بعدة مطالب أبرزها وقف الحرب والمساعدة في الأزمة الإنسانية وطبعًا إعادة الإعمار. في موضوع وقف الحرب هناك دعم للجيش اللبناني بقيمة 200 مليون دولار لتعزيز القدرات التقنية ولزيادة عدد العناصر، ونأمل أن يسهم الأمر في تحقيق ذلك، وفي موضوع المساعدات الإنسانية هناك مبلغ 800 مليون دولار وهو مبلغ لا بأس به رغم أنّه لا يغطي جميع الحاجات. وفي موضوع إعادة الإعمار فلا يزال من المبكر الحديث عن الأمر لكن يمكن القول إنّه يتم التحضير لهذه الغاية”.
وأضاف مارديني “أنّ المبالغ الأكبر يجب أن تذهب كمبالغ نقدية للنازحين لأنّهم في أمسّ الحاجة إلى هذه المساعدات المادية المباشرة، لأنهّ حصل هدر في الفترة السابقة عندما أعطيت المساعدات للجمعيات التي لم يحسن بعضها توزيع هذه الأموال. وأيضًا يجب إعطاء المدارس لدعم التعليم في المدارس الرسمية والمدارس الخاصة لكي تتمكّن من القيام بدورها وقد استخدمت أعداد كبيرة منها كمراكز إيواء للنازحين”.