هل مجلس النقد هو المفتاح لإنهاء أزمة الودائع وتصغير الفجوة المصرفية؟

تمثلت السمة الأبرز لقانون الانتظام المالي الذي تسربت مسودته في تعريفه للعمليات غير النظامية ضمن فئتين. تتعلق الفئة الأولى بالعمليات التي أجرتها المصارف، وتشمل الأرباح المرتفعة التي حققتها المصارف من الهندسات المالية وفائض الأرباح، إضافة إلى التحويلات التي تمت إلى الخارج في الفترة التي كان فيها بقية اللبنانيين غير قادرين على تحويل أموالهم إلى الخارج في عام 2019. كما تشمل هذه الفئة الأرباح التي وزعتها المصارف على أصحابها والتي تم تحويلها إلى الخارج في فترات معينة.
أما الفئة الثانية فتتعلق بالمودعين، حيث يُعتبر فائض الفوائد التي قبضها المودعون والفوائد المرتفعة بمثابة عمليات غير نظامية، إضافة إلى تجارة الشيكات وبعض عمليات تبييض الأموال.

يمكن بموجب التعريف الجديد البدء بشطب العمليات غير النظامية الخاصة بالمودعين، والتي تُقدر حسب التعريف الوارد في القانون بحوالي 35 مليار دولار من فجوة إجمالية قدرها 70 مليار دولار، مما يخفض الفجوة من 70 إلى 35 مليار دولار. وفي حال إعادة تقييم الذهب بقيمته الحقيقية البالغة 38 مليار دولار، يمكن القول إن الأزمة قد انتهت ويصبح هناك ملاءة في القطاع المصرفي. يبدو أن هذا هو التوجه الذي يميل إليه مصرف لبنان، والذي يحمي المصارف من المساس برأس مالها والتحويلات التي أجرتها إلى الخارج.
أما الترتيبية الأخرى فتبدأ برأس مال المصارف البالغ حوالي 5 مليار دولار، ثم تنتقل إلى الودائع والعمليات غير النظامية. نظراً لتغيير التعريف من توزيع الخسائر إلى العمليات غير النظامية، تغيرت طريقة التعاطي مع الموضوع وأصبحت هناك استنسابية كبيرة ممكنة. يشكل هذا الأمر لب الصراع في المعركة القادمة حول كيفية توزيع العمليات غير النظامية.

بالنسبة لقانون أو مشروع قانون الفجوة المالية الذي ناقشه رئيس الحكومة مع المبعوث الفرنسي، واعتبر أنه يشكل إطاراً شفافاً وعادلاً لتوزيع الخسائر، يظهر أن النقاش برمته يدور حول 5 مليارات دولار وهي رأس مال المصارف. تتعلق المسألة بشطب هذه الـ 5 مليارات دولار أو عدم شطبها، وهو ما أوقف موضوع إعادة هيكلة القطاع المصرفي لست سنوات. تمثل هذه الـ 5 مليارات دولار فقط 7% من حجم الفجوة، وبالتالي أوقف 7% من حجم الفجوة عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي التي كانت كلفتها على الاقتصاد كبيرة جداً.

لا ينمو الاقتصاد اليوم بسبب عدم وجود أموال قادرة على تمويله وإعطاء القروض، وبالتالي فإن جميع الشركات متعطشة للأموال لتتمكن من الاستثمار والتوظيف لكنها لا تجد هذه الأموال. تُقدر كلفة هذا الوضع بحوالي 25 إلى 30 مليار دولار سنوياً، أي أنه خلال ست سنوات تم دفع 150 مليار دولار كلفة لعدم إعادة الهيكلة أو عدم إعادة الانتظام المالي مقابل 5 مليارات دولار.
تتجاوز المسألة في الواقع الـ 5 مليارات دولار، لأن الحديث في القانون المسرب لا يقتصر على رأس مال المصارف فقط، بل يشمل أيضاً التحويلات التي تمت إلى الخارج، والأرباح التي تحققت من الهندسات المالية، وفائض الفوائد التي تم تحويلها إلى الخارج. قد يكون المبلغ أكثر من 5 مليارات، لكنه يظل صغيراً مقارنة بالخسائر الكبيرة التي يتكبدها الاقتصاد نتيجة عدم معالجة هذه المشكلة.

يتطلب الأمر الخروج من هذا المأزق للسماح للاقتصاد بالعودة للوقوف على قدميه والنمو، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تغيير طريقة التعاطي مع هذه المسألة. بدلاً من التعامل مع 70 مليار دولار كخسارة ثابتة والبحث عن كيفية توزيعها، يمكن محاولة تصغير هذه الخسارة. انخفضت الخسارة فعلياً مع الوقت، فبينما كان احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية 8 مليارات دولار، ارتفع إلى 11 مليار دولار وأكثر. كلما زاد احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، انخفضت الفجوة.
يمكن انتهاج نهج لتصغير هذه الفجوة بدلاً من الخلاف حول كيفية توزيعها، ويتحقق ذلك بطريقتين. الطريقة الأولى هي جذب رؤوس الأموال إلى البلد عن طريق إنشاء مجلس نقد (Currency Board)، حيث يوفر مجلس النقد مصدراً حقيقياً للثقة من خلال وجود دولارات التغطية. لا حاجة للثقة بالحكومة عندما تقول إن الليرة ثابتة، بل يكفي وجود دولارات في الصندوق تغطي الليرة. تكون الثقة بالدولار وليس بالحكومة.
تدفع هذه الثقة بالدولار اللبنانيين الذين يحتفظون بأموالهم تحت الفرشة، والمغتربين، والمستثمرين الدوليين إلى تحويل دولاراتهم إلى لبنان ووضعها في المصارف اللبنانية للحصول على عائد مرتفع، لأنهم يعلمون أنهم قادرون على تحويلها مجدداً إلى دولار بسعر صرف مضمون بموجب الدولارات الموجودة في الصندوق. يجلب هذا الأمر دولارات كبيرة إلى البلد.

يتمثل الشق الثاني في أنه لكي تتمكن المصارف من إعطاء عوائد على هذه الدولارات، يجب أن تكون قادرة على إعطاء قروض بالدولار الفريش واسترجاع قروضها بالدولار الفريش عبر النظام القانوني اللبناني. عند تحقيق هذا الأمر، يمكن إعادة تشغيل القطاع المصرفي على أرجله، وجذب مصارف جديدة إلى لبنان قادرة على القيام بهذا العمل إضافة إلى المصارف القديمة. يؤدي ذلك إلى تصغير الفجوة بشكل كبير جداً، لأن الوقت الذي يتم إضاعته، والذي بلغ ست سنوات حتى الآن، كلّف أموالاً أكبر بكثير من الفجوة المراد توزيعها.

اضغط هنا لمشاهدة المقابلة كاملة على قناة الجديد