يجتمع مجلس الوزراء لمناقشة قانون الفجوة المالية بعد توزيعه منذ يومين، على أن يستكمل بجلسة غداً الثلاثاء للانتهاء منه وسط اعتراضات بدت واضحة حتى من داخل الحكومة عبر عنها بعض وزراء القوات اللبنانية وحتى وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي.
يشكل هذا القانون خطوة جريئة من رئيس الحكومة الذي أخذ على عاتقه إنهاء هذا الملف قبل نهاية العام، بعد أن عرفت جميع الحكومات السابقة أهميته وضرورته لكنها تجرأت على المضي قدماً خوفاً من الضغوط. يمثل هذا القرار خطوة مفصلية على طريق الإصلاح، خاصة بعد ست سنوات من الهدر حيث انهار الناتج المحلي من حوالي 54 مليار دولار قبل الأزمة إلى حوالي 20 مليار دولار، أي خسارة سنوية تقدر بـ 34 مليار دولار، ما يعني خسائر إجمالية بلغت حوالي 150 مليار دولار.
تسبب هذا الهدر في فقدان القدرة على تمويل الاقتصاد وتقديم القروض، مما أدى إلى فجوتين رئيسيتين في القطاع المالي. يهدف القانون الحالي إلى معالجة هذه الفجوات من خلال توزيع الخسائر بشكل أكثر عدالة، حيث سيستعيد المودعون الصغار تقريباً كل ودائعهم، بينما سيحصل المودعون الذين أخذوا فوائد استثنائية من الهندسات المالية على خصم من هذه الفوائد، وسيستعيد المودعون رأس المال المحفوظ لديهم في المصارف بفائدة سنوية 2%.
يتميز قانون الفجوة المالية بمعالجته للأصول غير المنتظمة واستخدام الذهب لتسديد الودائع. تبلغ قيمة الذهب حالياً حوالي 38 مليار دولار، وتقترح الحكومة استخدام جزء منه على مدى أربع سنوات لرد مبالغ للمودعين تصل إلى 100,000 دولار، بمعدل حوالي 25,000 دولار سنوياً أو 2000 دولار شهرياً. تضمن السندات المدعومة بالذهب قيمة هذه الأصول، حيث تتوقع الدراسات أن قيمة الذهب ستظل مرتفعة في المستقبل القريب.
يسعى هذا القانون إلى إعادة الانتظام المالي وتمكين القطاع المصرفي من العودة لتقديم القروض، مما سيسمح بإطلاق الحركة الاقتصادية وتشغيل الشركات وتوظيف العمال. يحتاج القانون إلى بعض التعديلات الشكلية، لكن جوهره يبقى سليماً ويمثل أفضل طرح متاح لمعالجة الأزمة الحالية.
يواجه قانون الفجوة المالية معارضة من بعض المصارف التي تخشى تحمل جزء من الخسائر، لكن الخبراء يؤكدون أن المصارف التي تحولت أموالها إلى الخارج بعد 2019 يجب أن تتحمل مسؤوليتها. يجب أن يكون هناك نوع من العدالة بين المصارف والمودعين من خلال معالجة الأرباح الاستثنائية التي حققتها بعض المصارف من الهندسات المالية.
يتطلب نجاح القانون استكماله بإصلاحات أخرى، أهمها إنشاء مجلس نقد يحد من قدرة السلطة النقدية على طباعة ليرة غير مغطاة بالدولار. سيؤدي هذا النظام إلى استعادة الثقة بالليرة اللبنانية وتشجيع المستثمرين على ضخ رؤوس أموال في القطاع المصرفي، مما يمكن المصارف من العودة لتقديم القروض وإعادة إطلاق الحركة الاقتصادية.
تشمل التحديات الرئيسية ضرورة معالجة موضوع اليوروبوند من خلال التفاوض مع حملة السندات للتوصل إلى تسوية تراعي قدرة الدولة على التحمل. يجب أن يتزامن ذلك مع عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتقليل عدد المصارف العاملة مع الحفاظ على انفتاح القطاع أمام مستثمرين جدد.
يمثل قانون الفجوة المالية فرصة تاريخية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني ووضعه على السكة الصحيحة نحو التعافي والنمو المستدام.