لم يكن تمرير السلطة السياسية إقرار قانون الهيئة الناظمة للكهرباء عام 2002 في خلفيته وواقعه، إلا إسكاتا وتخديرا موقتا منها للمؤسسات والمنظمات الدولية التي كانت تلح على إقراره، وحجبا مموها لرغبتها في الاستمرار في تحاصص المنافع والمصالح التي “يبيضها” قطاع الكهرباء.
فالمحاولة المتقدمة لإخراج قطاع الكهرباء من الوصاية السياسية ووضعه في عهدة هيئة ناظمة يتولاها 5 من “المجلين” في شؤون الطاقة والإدارة، لم تقع بردا وسلاما على أهل السلطة الذين عملوا جاهدين لعرقلة تطبيق القانون. وامتنعوا عن تعيين أعضاء الهيئة بمسوغات مختلفة، تشي بعدم رغبتهم في إصلاح قطاع الكهرباء، ونزوعهم نحو الإبقاء على التفرد في إدارته والتحكم في مستقبله، حماية لمصالحهم وعائداته غير المنظورة.
وافقت السلطة على مضض، وبعد جدال ونزاع مرير في ما بينها، على إقرار القانون 462 /2002 الذي أنشأ الهيئة الناظمة، تلبية لإلحاح المنظمات والصناديق الدولية، ولضرورات إصلاحية يحتاج إليها قطاع يكبد الدولة أكبر فاتورة سنوية بعد الرواتب. بيد أن الحكومات المتعاقبة أسقطت بعدم تعيينها الهيئة الناظمة، قدرة “كهرباء لبنان” على السير بالإصلاحات، وقطعت الطريق عليها، لبناء شراكة جدية مع القطاع الخاص، ولتطوير معامل الإنتاج والبنية التحتية اللازمة، وفق موجبات القانون 48/2017، الذي أقر لاحقا.
هذا التقاعس، ترجم في خسارة اللبنانيين فرصة الإفادة اقتصاديا وبيئيا، من مشاريع الطاقة المتجددة، التي يشجع القانون على الاستثمار فيها. ففقدوا بذلك إمكان تنويع مصادر الإنتاج من جهة، وتأمين متطلبات دولية من جهة أخرى، تدعم أي توجه نحو استخدام الطاقة المتجددة، وتموله.
يخطئ من يحيل أزمة الكهرباء في لبنان على ضعف الجباية. فها لبنان بكامله مضاء بهمة المولدات، التي تحقق جباية بنسبة 100%. وحتما، ليس بعدم القدرة على بناء معامل إنتاج جديدة وحديثة، فها القطاع الخاص المحلي والدولي جاهز، ولديه ما يكفي من التمويل والخبرات. فما هي المعوقات التي تعرقل تعيين أعضاء الهيئة الناظمة؟
مصادر وزارة الطاقة تؤكد لـ”النهار” أن كل الأطراف السياسية تعرقل تعيين أعضاء الهيئة، إذ ثمة من يريد أن تكون الهيئة مؤلفة من 6 أشخاص وآخرين من 7 ومنهم من 5 أشخاص”. وتشير إلى أن “اختصاص الوزير وليد فياض هو وضع هيكلية واستراتيجية الهيئات الناظمة في دول العالم التي تستعين بخبراته في هذا المجال، إلا في لبنان، فإنه لم يستطع وضعها نظرا إلى التضارب في المصالح السياسية”.
في التاسع من كانون الأول 2022، أطلقت وزارة الطاقة والمياه إجراءات التوظيف لستة أعضاء في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، فيما القانون يقول إنه ينبغي تعيين 5 أعضاء، وهذا يعني وفق المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، الخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون أن “الوزير، في شكل أو آخر، لا يريد إتمام التعيينات، بدليل أنه أبدى رغبته في التعيين خلال حكومة تصريف الاعمال التي لا تستطيع اتخاذ أي قرار بذلك، فيما هو شخصيا لا يحضر جلساتها”.
ويأتي ذلك، في رأي بيضون، “في إطار رفع عتب لكي يقال إن الوزير قام بواجباته، علما أن مشكلة الكهرباء لا تعالج بتعييين الهيئة الناظمة، إذ ثمة تخوف من أن يبادر وزراء الطاقة إلى الاقتناص من صلاحياتها حتى لا تصبح مستقلة كليا أو صاحبة قرار بعيدا من الوزارة”.
إلى ذلك، يذكّر بيضون بأن “الخطورة تكمن في تعيين أعضاء وفق المحاصصة السياسية كما يحصل عادة، بما يعني أن قراراتهم ستصب في النهاية عند وزير المالية والطاقة”، معتبرا أن “المسؤولين في لبنان مهرة في الالتفاف على الشروط الإصلاحية المطلوبة دوليا، وتفريغها من مضمونها”.
ويرى أنه “لو وجدت الهيئة الناظمة قبل اليوم، لم نكن لنقع في أزمة الكهرباء، إذ كانت أعطت تراخيص إنتاج للقطاع الخاص الذي كان بدوره أمن إنتاجا يوازي الطلب وفق تعرفة تدرسها الهيئة وتضع قواعدها. وكذلك، شروط الاستثمار والمشاركة في القطاع مع الضوابط، كانت هيأت ظروفا ملائمة لتطوير القطاع وتأمين استمراريته من دون مشكلات ومعوقات واحتناقات.
المهمات والصلاحيات؟
ما هي المهمات والصلاحيات للهيئة الناظمة المنشأة بموجب قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462/2002؟ تتولى الهيئة مهمات وصلاحيات نوجزها كالآتي:
– إعداد دراسات المخطط التوجيهي العام للقطاع في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع ورفعه إلى الوزير لمناقشته ووضعه بالصيغة النهائية وعرضه على مجلس الوزراء لتصديقه.
– إعداد مشاريع المراسيم والأنظمة المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون وإحالتها إلى الوزير وإبداء الرأي في مشاريع القوانين ومشاريع المراسيم المتعلّقة بقطاع الكهرباء.
– تشجيع الاستثمار في قطاع الكهرباء والعمل على تحسين كفاية التشغيل وضمان جودة الخدمات وحسن تأديتها.
– تأمين المنافسة وتشجيعها في قطاع الكهرباء ومراقبة التعرفات غير التنافسية وضبطها وتأمين شفافية السوق.
– تحديد سقف لأسعار خدمات الإنتاج وللتعرفات المطبقة على مختلف خدمات النقل والتوزيع للكهرباء ولبدلات الاشتراك وبدل الخدمات والغرامات وكيفية تحصيلها.
– وضع المعايير التقنية والفنية والبيئية وقواعد التثبت من التقيد بها ومراقبة وضبط تطبيقها. تأخذ الهيئة الناظمة في الاعتبار عند الاضطلاع بمسؤولياتها، أفضل المعايير العالمية المتعلقة بتنظيم قطاع الكهرباء.
– تحديد قواعد ومعايير للتراخيص والأذونات، على ألا تتعارض مع أحكام هذا القانون.
– إصدار التراخيص والأذونات، وتجديدها وتعليقها وتعديلها وإلغاؤها.
– مراقبة تقيد أصحاب التراخيص والأذونات في مجالي الإنتاج والتوزيع وقطاع النقل بالقوانين والأنظمة والإتفاقيات وشروط التراخيص والأذونات ودفاتر الشروط تأميناً لحسن الخدمة للمشتركين، لا سيما في ما يتعلق بأنظمة التعرفات وبوليصة الاشتراك. وللهيئة، في حال عدم تقيدهم بما ذكر أعلاه، تطبيق القوانين المرعية الإجراء.
– مراقبة حسن سير خدمات الإنتاج والنقل والتوزيع حتى إيصال التيار الكهربائي إلى المستهلك، وذلك بعد التشاور مع الجهات المختصة ومع مراعاة شروط المنافسة الحرة في القطاع وسياسة الحكومة وإستراتيجيتها وشروط الاتفاقيات والتراخيص والأذونات السارية المفعول، وحماية مصلحة المستهلكين وتأمين الاستقرار في قطاع الطاقة الكهربائية وتوازن أسعار الخدمات وفقاً للقوانين النافذة في هذا الإطار.
– دراسة طلبات أصحاب التراخيص والأذونات واقرارها لتعديل الخدمات المرخص لهم بتقديمـها والموافقة عليها عند مواجهة حالات النقص في الإمداد أو العطل في التجهيزات أو في حالة القوة القاهرة.
– العمل كوسيط وكهيئة تحكيمية لبت النزاعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون بين أصحاب التراخيص، وكذلك العمل لحل الخلافات ودياً بين أصحاب تراخيص التوزيع والمستهلكين.
إلى ذلك، يستنتج بيضون من المهمات الملقاة على عاتق الهيئة، أن للأخيرة علاقة بالتحقق من نوعية الفيول من خلال العمل على تحسين كفاية التشغيل وضمان جودة الخدمات، ولا سيما أن كفاية الإنتاج مرتبطة باستخدام الفيول من النوعية والمواصفات المناسبة لمجموعات الإنتاج. إضافة إلى وضع المعايير التقنية والفنية والبيئية وقواعد التثبت من التقيد بها ومراقبة وضبط تطبيقها. وثمة علاقة مباشرة بين هذه المعايير وتحديدا البيئية منها ونوعية المحروقات المستعمل في الإنتاج وملاءمتها الشروط والمعايير البيئية. وكذلك، مراقبة حسن سير خدمات الإنتاج والنقل والتوزيع حتى إيصال التيار الكهربائي إلى المستهلك. والعلاقة مباشرة أيضا بين جودة خدمة الإنتاج ونوعية المحروقات المستخدمة.