خاص www.limslb.com :هل يستعمل الصندوق السيادي للسطو على ثروة الغاز؟

خاص www.limslb.com :هل يستعمل الصندوق السيادي للسطو على ثروة الغاز؟

بعد إعلان لبنان الموافقة على ترسيم الحدود البحرية، انتشرت شعارات تدعي أنّ لبنان أصبح بلداً نفطياً، وكثر الحديث عن أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز. أمّا الحقيقة، فهي أن لبنان ليس بلداً نفطيا لأنه لم يكتشف الغاز المزعوم بعد بكميات تسمح بالاستخراج وتغطي التكلفة. وحتى لو بدأ لبنان بالتنقيب فورا وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فهو لن يستطيع تصدير الغاز قبل 8 سنوات، ولكننا حينها يمكننا على الأقل البحث في جدوى إنشاء صندوق سيادي.

وتمتلك بعض الدول صناديق سيادية وتستعملها لإنفاق عائداتها النفطية لاحقا أو لاستثمارها. وتفضل بعض الدول المصدرة للنفط والغاز حماية نفسها من تقلبات الأسعار العالمية، فتبقي المال في الصندوق السيادي عندما تكون أسعار النفط والغاز مرتفعة وتنفق منه حينما تنخفض الأسعار العالمية، وهو ما يؤمن عنصر الاستمرارية للنفقات العامة. بينما تفضل دول أخرى استثمار أموال الصندوق خارج حدودها ما يسمح بتنويع المخاطر وتلافي تضارب المصالح وإغراءات الفساد. وتشتري هذه الصناديق وسندات آمنة وأسهم شركات عالمية، كما يفعل صندوق النرويج السيادي الذي يمتلك حصة 1.4% من جميع الشركات المدرجة في العالم.

ولعل أقرب مثال على الصندوق السيادي في حال لبنان هو احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، والذي ظن الشعب اللبناني أن إدارته رشيدة وأن حاكمه مستقل عن السلطات السياسية وأن أمواله يتم توظيفها على شكل أوراق مالية آمنة خارج لبنان؛ فإذا به يكتشف خلال الأزمة أن المصرف المركزي أعطى دولارات الاحتياطي للحكومة بطريقة ملتوية. فهو أقرض الحكومة بالليرة عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29% في العام 2012 إلى 58% قبيل أزمة العام 2019 كما يظهر في الرسم البياني؛ ثم عاد وحول لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة الى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ حوالي 1500 ليرة لكل دولار. وبهذه الطريقة الملتوية استحوذت الحكومة على 62.7 مليار دولار فريش من المركزي، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليار دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف. ورغم الفجوة في صندوق المركزي، تستمر الحكومة اليوم، في صرف دولارات مصرف لبنان على الدعم مثلا رغم تسبب ذلك في انقطاع الخبز والدواء المدعوم.

أما في ظل الصندوق السيادي، فيمكن للحكومة الاستحواذ على الدولارات “الفريش” بشكل مباشر دون اللجوء إلى الطرق الملتوية. فإدارة الصندوق ستعينها الحكومة وعائداته ستمول النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لإنفاق هذه الأموال. وقد جرت العادة أن تشوب جميع هذه النفقات شبهات فساد وصفقات بالتراضي، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياطي مصرف لبنان. عندها ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة، فيضيع “الشنكاش” ومعه مقدرات البلاد.

أما البديل المقترح عن الصندوق السيادي، أي إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المالية أو مجلس الوزراء، فيفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية ويزيد من شبهات الفساد وهدر الأموال. وفي حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلا، فالهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. فقد تفرض الحكومة اللبنانية شريكاً لبنانيّاً على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءاً يسيراً من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي. من هنا ينبغي العمل على حلول من “خارج الصندوق” تسمح بإعطاء ملكية المقدرات الطبيعية للشعب اللبناني مباشرة، لا للحكومة اللبنانية أو صناديق تنتدبها الحكومة.