حلّ اليوم الموعود بين لبنان واسرائيل منهيًا حقبة من النزاع استمرت عقودًا حول ترسيم الحدود البحرية المشتركة. الإنجاز الكبير، على أهميته، لا يضمن للبنان الحصول على النفط، بعدما قضى الاتفاق على تنازل الأخير عن حقل كاريش، الذي يحتوي على الغاز وفق دراسات أعدتها تل أبيب، لصالح إسرائيل، واكتفائه بحقل قانا غير المستكشف حتى الآن.
وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق قبل الإعلان عنه رسميًا لم يخلُ من قلق شعبي في لبنان حول مصير عائدات النفط والغاز، إن وُجدا، كما لم يبدد الشكوك حول الصندوق السيادي المزمع إنشاؤه لإدارة ثروتي الغاز والنفط وقدرته على مواجهة كارتيلات الفساد المتحكّمة بمفاصل البلد وخيراته.
وفيما أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد أن “اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان تلبّي مطالب إسرائيل الاقتصادية والسياسية” أكد الجانب اللبناني الأمر عينه، إذ أشارت رئاسة الجمهورية اللبنانية عبر حسابها على منصّة تويتر أن “الصيغة النهائية للعرض مرضية للبنان وتلبي مطالبه وحافظت على حقوقه في ثروته الطبيعية”.
تعريف الصندوق السيادي
ولمعرفة المزيد حول الصندوق السيادي وأهميته في إدارة ملفي النفط والغاز واستثمارهما، تواصلت “جسور” مع الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني، الذي قدّم شرحًا مفصلاً عن الموضوع.
انطلق مارديني بالتعريف عن الصندوق السيادي “تعود ملكيته لدول تضع فيه أموالاً معينة تستخدم للاستثمار عبر أسهم أو سندات خارج البلد ويضمن عدم اعتماد اقتصاد البلد على مصدر دخل وحيد”.
وقدّم مارديني مثالاً على ذلك “أي بلد لديه مداخيل من مواد أولية يصدرها كالنفط أو الغاز ولا يرغب في صرف هذه المداخيل خلال سنة واحدة، يعمد إلى استثمارها في الخارج لتأمين مصادر إضافية للدخل في حال انخفضت مداخيل النفط والغاز عقب انخفاض أسعارها عالميًا “لافتًا إلى أن الاستثمارات تتم عادة في سندات خزينة أوروبية أو عبر أسهم في شركات معروفة لما تملك من مصداقية”.
حلّ صادم
وانتقل مارديني إلى الواقع اللبناني طارحًا طريقة أخرى، قد تكون صادمة، كحل مثالي لإدارة ملفي الغاز والنفط اللبناني “توزيع حقوق الملكية على الشعب اللبناني”.
سببان أساسيان وراء انعدام ثقة مارديني بالحكومة اللبنانية وبقدرتها على إدارة مداخيل النفط كما يشرح “أولاً عدم امتلاكها معرفة وافية في الملف، ثانيًا، التجاذبات السياسية وما ستفرضه من صفقات فساد في الملف كما جرت العادة”.
وقدّم مارديني شرحًا حول كيفية توزيع ملكية هذه الثروة على اللبنانيين “يحصل كل مواطن على سهم كسند ملكية في النفط والغاز ويقرّر إن كان يرغب بالمحافظة عليه أو بيعه لشركات أو أفراد فينال بالتالي حقه، ولا يضطر لانتظار الحكومة كي تتم عملية البيع مع الشك في حصوله على حصته من الأرباح منها”.
وأعطى مثالاً على ذلك “في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميريكية يوجد نفط تحت الأرض، لكنه ليس ملك الدولة بل صاحب الأرض، غير أن حقوق الملكية الخاصة بالأرض أعطت صاحب الأرض ملكية ما فوق الأرض على أن يحصل على سند ملكية بالنفط الموجود تحت الأرض”.
بالتالي اعتبر مارديني أن قرار تسليم الملف النفطي للصندوق السيادي خاطئ جدًا في بلد لم يتم اكتشاف النفط فيه حتى الآن وعُرف عن مسؤوليه “سعيهم الدائم إلى استحداث مؤسسات فارغة للتوظيف السياسي وتوزيع المناصب” معلنًا أن الأساس بالنسبة إليه “إيجاد النفط والغاز ثم البدء بالتنقيب”.
دور الشركات الوهمية
وإذ كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن لجوء أحزاب لبنانية إضافة إلى بعض السياسيين إلى إنشاء مؤسسات وهمية تتعلّق بالملف النفطي، أكد مارديني “أن شبهات الفساد حامت دومًا حول الصفقات العمومية” لذلك لم يستبعد “أن يحصل ذلك في قطاع النفط والغاز” معيدًا التشديد على ضرورة “إخراج الملف من يد الوصاية الحكومية والصندوق السيادي وإعطائها مباشرة للمواطنين”.
وشرح كيفية عمل الشركات الوهمية “عندما تقدّم أي شركة أجنبية عرضًا إلى لبنان في أي قطاع كان، يُفرض عليها تأمين شريك لبناني وهنا يبدأ التلاعب” كما يقول مارديني مضيفًا “الشركة اللبنانية تستخدم اسم الشركة الأجنبية وتقدّم العروض نيابة عنها وتنفذ على الأرض بدلاً منها فيأتي التنفيذ بطريقة غير مهنية بسبب قيام الشركة اللبنانية بعقد صفقات بالتراضي تحوم حولها شبهات فساد وذلك بالاتفاق مع مسؤولين لبنانيين”.