فشلت منظومة الدعم الاجتماعي في سوريا في تحقيق العدالة الاجتماعية، لتتحول إلى عبء اقتصادي ثقيل يُستنَزَف في غير مواضعه الصحيحة. إذ لم يصل الدعم إلى الفئات الأشد فقرا، بل استفادت منه الطبقات الأعلى دخلا بشكل غير متناسب. فعلى سبيل المثال، استحوذ العُشر الأغنى من السكان على ما قيمته 16 مليار ليرة سورية من دعم المازوت في العام 2014 مقابل 216 مليون ليرة فقط للعُشر الأفقر. كما فاقمت المحسوبيات والفساد المستشري مساوئ الدعم فتم هدر مبالغ كانت كافية من الناحية النظرية لانتشال ملايين السوريين من براثن الفقر. وقد استنزف الدعم الموازنة العامة للدولة، حيث بلغت قيمته 9,339 مليار ليرة في العام 2024، وهو ما زاحم التمويل المخصص لقطاعات أخرى. وإضافة إلى ذلك، فقد أدى تمويل الدعم عبر العجز إلى تفاقم معدلات التضخم وإضعاف القوة الشرائية للمواطنين. أما الفارق الهائل بين الأسعار داخل سوريا وخارجها، الناتج عن الدعم، فقد حفّز شبكات التهريب. وقد أفضى هذا التهريب إلى شحّ السلع في السوق المحلية وظهور طوابير الخبز والوقود، ما أّجّج السخط الشعبي وأنعش السوق السوداء.
وتستعرض الورقة التجارب التي حاولت معالجة المشكلة دون أن تحقق نجاحا يذكر، مثل اللجوء إلى “البطاقة الذكية” أو طرح فكرة “الدعم النقدي” بديل. فالبطاقة الذكية، على الرغم من نواياها التنظيمية، أفرزت ممارسات استبعاد عشوائي وغير منصف، حيث تم استبعاد أكثر من 800 ألف أسرة دون معايير واضحة أو مبررات مقنعة. أما التحول إلى الدعم النقدي، والذي يُعد حلًا ناجعًا في سياقات دولية أخرى، فيبدو غير ملئم للبيئة السورية الراهنة لعدة أسباب؛ أبرزها غياب شبكة مصرفية قوية وواسعة الانتشار وافتقار غالبية المواطنين لحسابات مصرفية وضعف البنية التحتية لشبكة الإنترنت، خصوصا في المناطق الريفية، فضلا عن أن الفساد الإداري المتجذر قد يفرغ أي مشروع من هذا النوع من مضمونه. هذا بالإضافة الى الأعباء المالية المرتبطة بالمساعدات الاجتماعية والتي لا يمكن للخزينة تحملها .
وفي مقابل ذلك، تطرح الورقة مسارا بديلا جذريا يحرر الدولة من دائرة تقديم الدعم المباشر ويمنح الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني دورا قياديًا في منظومة الحماية الاجتماعية. وتستند هذه الرؤية إلى التحول الذي جرى في 8 كانون الأول 2024 حين ألغت الحكومة رسميًا كافة أشكال الدعم العيني وحررت الأسعار، في خطوة جريئة نحو إصلاح اقتصادي شامل. وتقترح الورقة أن يتولى القطاع الأهلي (بما في ذلك الجمعيات والأوقاف والمبادرات الخيرية والمغتربون والقطاع الخاص) مهمة تنظيم المساعدات وتقديمها للمحتاجين، وذلك لتميزه بكونه أكثر مرونة واستجابة للاحتياجات المتغيرة وأقل عرضة للفساد مقارنة بالجهاز البيروقراطي الحكومي وأقدر على الوصول إلى المناطق المحرومة والنائية. وتتضمن آليات تفعيل هذا النموذج إنشاء صناديق وقفية تُموّل خدمات الصحة والتعليم والإيواء وتنظيم الزكاة والصدقات وتوجيهها عبر شبكات مؤسسية شفافة، إلى جانب إشراك الوقف الإسلامي والمسيحي في مشاريع تنموية طويلة الأجل. ومع ذلك، تقر الورقة بأن الاعتماد على القطاع الأهلي لا يخلو من تحديات، وهي تعرض أبرز العقبات التي قد تحد من فاعليته دون أن تقلل من إمكانية تجاوزها عبر التشريعات المناسبة والتعاون البنّاء.
د. جمعة حجازي – باحث في مبادرة سراج – المعهد اللبناني لدراسات السوق
حمل الملف لقراءة الورقة البحثية كاملة
