تستمر اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي مع صندوق النقد الدولي من 21 إلى 26 نيسان، حيث توجه وفد لبنان برئاسة وزير المالية وحاكم مصرف لبنان إلى واشنطن. يسعى لبنان لاستكمال المفاوضات التي بدأت منذ سنوات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي يساعد على استعادة ثقة المجتمع الدولي. يحمل لبنان معه إنجازات مهمة منها استقرار سعر الصرف منذ أكثر من سنة على 89500 ليرة للدولار بفضل سياسات مصرفية رشيدة مستوحاة من مجلس النقد، وتحقيق توازن في الموازنة العامة نتيجة عدم تديين الدولة من قبل المصرف المركزي. تم إحراز تقدم في موضوع السرية المصرفية حيث تم إقرارها في اللجان المشتركة وهي تعتبر خطوة متقدمة لتلبية أحد المطالب الأساسية للصندوق. تبرز مشكلة إعادة هيكلة القطاع المصرفي كأكبر تحدٍ يواجه لبنان، حيث يتناقش القانون الذي أقره مجلس الوزراء بكيفية التعامل مع المصارف المتعثرة مستقبلاً، لكنه لا يعالج الأزمة الحالية. يُتوقع أن يبدأ قريباً نقاش قانون الانتظام العام الذي سيحدد مصير الودائع والالتزامات والذي سيشكل الانطلاقة الجدية لمسار التعافي. توجد فجوة مصرفية كبيرة تقدر بين 50 و80 مليار دولار، والسؤال الأساسي هو من سيتحمل هذه الخسائر: هل هو القطاع العام (الدولة ومصرف لبنان) باعتبار أن الأموال أودعت في المصرف المركزي، أم البنوك التي أودع الناس أموالهم فيها؟ يُرجح أن الحل المتوازن يجب أن يشمل تحمل جميع الأطراف جزءاً من المسؤولية. تم تحويل حوالي 13 مليار دولار إلى الخارج بعد أزمة 2019، ويمكن لقانون السرية المصرفية أن يساعد في تحفيز عودة هذه الرؤوس المالية لتتحمل جزءاً من كلفة الأزمة، خاصة أن القانون سيغطي السنوات العشر الأخيرة. يشهد لبنان حالياً رقابة على رأس المال بشكل واقعي، حيث لا يستطيع المودعون سحب ودائعهم القديمة إلا بسقف محدود (400-500 دولار شهرياً)، وإذا أرادوا سحب مبالغ أكبر فيتم ذلك بسعر صرف منخفض يعادل اقتطاع 80% من قيمتها. لو تم تطبيق قانون الرقابة على رأس المال في بداية الأزمة لكان لبنان حافظ على احتياطي الـ35 مليار دولار، لكن غيابه سمح للنافذين بتهريب عشرات المليارات إلى الخارج، وسمح للحكومة باستباحة الاحتياطي لتمويل سياسة الدعم. تعتبر الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي المدخل الوحيد لاستعادة الثقة الدولية ومصداقية لبنان، حيث أثبتت التجارب السابقة أن لبنان أعطي فرصاً للإصلاح قبل 2019 لكنه لم ينفذها، لذلك أصبح هناك قناعة راسخة عند الأطراف الدولية بضرورة وجود “ختم” صندوق النقد للتأكد من سير لبنان بالإصلاح. يحتاج لبنان إلى تلبية شرطين: شرط سياسي وشرط اقتصادي يتمثل بإنجاز الاتفاق مع الصندوق، ليتمكن من الحصول على المساعدات وتمويل إعادة الإعمار. يقترح فتح القطاع المصرفي للمنافسة للسماح لمصارف جديدة بقبول ودائع جديدة وتمويل الاقتصاد اللبناني، بينما يجب الاستمرار في سياسة فائض الموازنة العامة وزيادة الاحتياطي الذي ارتفع من 5 مليارات دولار إلى أكثر من 10 مليارات، مع ضبط النفقات وتجنب الصفقات العمومية والزيادات غير المدروسة للرواتب. إذا استمر المصرف المركزي بسياسته الرشيدة في عدم تديين الحكومة وضبط الكتلة النقدية ووقف طباعة الليرة، سيساعد ذلك في استعادة ثقة المستثمرين والأسواق العالمية بلبنان، خاصة إذا ترافق مع فتح القطاع المصرفي للمنافسة، مما سيضع أسس استعادة النمو الاقتصادي للبلد.