أسبوع حاسم لإقرار الصندوق السيادي… وكنعان لـ”النهار”: مجلس إدارة مستقل عن السلطة والعائدات للأجيال المقبلة

أسبوع حاسم لإقرار الصندوق السيادي… وكنعان لـ”النهار”: مجلس إدارة مستقل عن السلطة والعائدات للأجيال المقبلة

يكتسب الكلام عن الصندوق السيادي واستئناف البحث الجدي في مشروع قانون يرعى عمله، وهو ما تحاول لجنة المال والموازنة النيابية إستيلاده منذ مدة، أهمية قصوى لدى العامة من الناس والخائفين من الآتي الذي يمكن ان يترجَم بتفكك ما تبقّى من الدولة والإقتصاد. فالمرحلة دقيقة جدا، وتطغى فيها أخبار الإنهيار المالي والنقدي المتوقع، بعد مغادرة حاكم مصرف لبنان مركزه آخر الشهر الجاري، على أي أخبار تفاؤلية في السياسة والإقتصاد والنقد إنْ وُجدت.يحاول نواب لجنة المال، الموازنة بين إظهار القانون العتيد، كخطة مشروع إنقاذ وطني، ليس للوضع الإقتصادي المتردي فحسب، بل لمستقبل الأجيال القادمة التي يخصص لها القانون المقترح النسبة الأكبر من الإيرادات أيضا، وبين إخراجه بصيغة قانونية، علمية، قابلة للتطبيق، وقادرة على تحقيق الأهداف التي وُضِعَت من أجلها. وفي هذا يلمس المراقبون محاولة النواب التشبّه بالدول التي سبقت لبنان منذ عشرات السنين، في السير بمثل هذه القوانين، والإفادة من تجاربها، ورصد عثراتها. وليس خافيا القول إن في هذا الامر تحدياً كبيراً، كون تلك الدول المتشبَّه بها، هي نقيض ما هو عليه لبنان اليوم. فهناك تسود القوانين لا المحاصصات، والشفافية لا الصفقات، ويحكم رجال ونساء، كلُّ مبتغاهم بناء دولة تليق بشعوبهم، لا قصور واقطاعيات، كما عندنا، لأولادهم وأزلامهم.
السباق مع الوقت يحشر المجلس النيابي، فالتنقيب سيبدأ في منتصف آب، والدولة تحتاج إلى إظهار جديتها ومواكبتها الحثيثة أمام هذا الحدث التاريخي والمفصلي في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية للبنانيين، ولا يملك أحد من الأفرقاء السياسيين ترف الوقت والمساحات المفتوحة للتأجيل أو التأخير في إقرار هذ القانون. وجُل ما يمكن القبول به، هو تكثيف المناقشات حول كل بند من بنوده، وتمحيصه بما يكفي لإخراجه من دون شوائب، أو فِخاخ، تعرقل تطبيقه مستقبلا، أو تضعه تحت رحمة نكد السياسيين اللبنانيين، والطمع، والجشع، والجوع المزمن لديهم لابتلاع المال العام.
فكرة إنشاء الصندوق السيادي ليست بجديدة، إذ تعتمده جميع الدول التي وجدت الغاز والبترول وأصبحت دولا نفطية، والهدف منه منع صرف الأموال وترجمتها بمشاريع لأجيال المستقبل، على أن تكون النسبة الأكبر من العائدات محفوظة داخل صندوق له ضوابط ومعايير محددة.
وعلى مسافة أسابيع قليلة للمباشرة بالتنقيب عن النفط والغاز في لبنان، كثفت لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابرهيم كنعان اجتماعاتها، وآخرها الاسبوع الماضي، للبحث في قانون الصندوق السيادي للنفط والغاز وإقراره، بعدما ناقشت اللجنة تقرير اللجنة الفرعية للصندوق، وأكدت على ما تضمّن من التزام باستقلالية إدارته وشفافية حساباته واستثماراته الخارجية.
القانون أُنجِز في اللجنة الفرعية، بعد دمج 4 اقتراحات من تكتل “لبنان القوي” و”اللقاء الديموقراطي” و”التنمية والتحرير” و”الجمهورية القوية” ليخلص الى صيغة واحدة. وهذا العمل وفق كنعان “مهم جدا، ويحدد في المرحلة المقبلة عمليا قدرة لبنان على المستوى التشريعي والقانوني بمعايير دولية وبشفافية مطلقة وباستقلالية وحيادية لا يحدّها سوى مسألة الملك العام وعلاقة هذا الصندوق بالدولة، والتي لها طابع الملكية”. فبعد نقاشات طويلة حرص كنعان على اخراجه بما يراعي المعايير الدولية ويؤمّن الشفافية، يحضر اقتراح قانون الصندوق السيادي اليوم على طاولة لجنة المال والموازنة، في اسبوع حاسم، ليسلك طريقه الى الاقرار تمهيدا لوضعه على جدول أعمال أول جلسة تشريعية.
كنعان حدد لـ”النهار” الاسبوع الجاري كموعد يُفترض ان يكون حاسماً ومهماً لاقرار الصندوق السيادي، فيذهب لبنان محصّنا به الى الجولة الأولى من التنقيب.
ويكتسب القانون أهمية اضافية، عشية بدء لبنان التنقيب عن النفط والغاز في البلوك الرقم 9، فيدخل بذلك عمليا نادي الدول النفطية، في مرحلة هو بأمسّ الحاجة فيها الى الاستثمارات واستعادة الثقة الدولية به، لينطلق، مع الاصلاحات المطلوبة، على طريق التعافي.
منذ اللحظة الأولى، حرص رئيس لجنة المال والموازنة، إنْ في اللجنة الأمّ، أو الفرعية التي ترأسها، على التعاطي مع القانون بخلفية ما يمثله من حاجة وأمل للبنان، بعيدا من الخلفيات السياسية او التحاصصية المعهودة. فانطلق عمل اللجنة الفرعية على توحيد ودمج الإقتراحات الأربعة التي قُدمت من 4 تكتلات نيابية هي “لبنان القوي” “التنمية والتحرير”، “الجمهورية القوية” و”اللقاء الديموقراطي”.
ووفق كنعان فقد تركز العمل على التوصل إلى نظرة واحدة من قِبل الكتل الأربع التي تقدمت بالإقتراحات، وفق الآتي:
– إعطاء الإستقلالية لهذا الصندوق عبر مجلس إدارة كفوء وسنوات خبرة من 10 إلى 15 سنة.
– استقدام طاقات لبنانية من الخارج تتوافر فيها مؤهلات ستدقق فيها شركات توظيف دولية متخصصة.
– قيام مجلس الإدارة بعمليات الإستثمار وإدارة المحافظ وكل الأعمال وفق استراتيجية عامة وتفويض استثمار من دون العودة إلى السلطة السياسية.
وقد انطلقت مقاربة عائدات الصندوق السيادي من ضرورة حفظها للأجيال المقبلة. وتبعاً لذلك، يؤكد كنعان: “أُقِر ذهاب 80% للإدخار والإستثمار، والأخذ بالـ20% المتبقية لمحفظة التنمية ومنها لموازنة الدولة على مشاريع منتجة يتم توظيفها لتنمية الإقتصاد اللبناني والوضع الإجتماعي وفق مردود لا هبات يجري توزيعها بالسياسة. من هنا، يذهب المردود إلى الصندوق السيادي، ومنه توزع الأموال على محفظتي الإستثمار والإدخار والتنمية ولا يصرف أي مبلغ من محفظة التنمية إلا بمشاريع منتجة ومن خلال موازنة مقرَّة. ولا يلحظ هذا المسار أي تغطية للدين كي لا يتكرر ما حصل في مصرف لبنان وموجوداته والإحتياط الإلزامي وغيره من ودائع اللبنانيين”.
تنطلق اللجنة من أن لا تعارض بين سيادة الصندوق ومراعاة المعايير الدولية، إذ يقول كنعان إنه “يجب ألّا يكون ثمة تعارض بين الرأي القائل بالسيادة الوطنية وملكية الداتا، وضرورة الربط معها، وبين استقلالية الصندوق وادارته، فالاستقلالية لا تعني تجيير الملكية لأحد”، مشددا على “ضرورة الخروج من النماذج التي كانت سائدة في الماضي القريب، لاكتساب ثقة الدول والمستثمرين اللبنانيين وغير اللبنانيين. فالصندوق يتوجه إلى الخارج للإستثمار وكسب الثقة وجذب الشركات الدولية للتعامل معها. وقد انطلق ذلك مما هو معتمد حول العالم، ووفق تجربة خبراء أجانب استُمع اليهم، وخلصوا الى تأكيد التكامل بين المعايير الدولية وممارسة اللبنانيين حقهم في الإدارة”.
بعد نقاشات مستفيضة حول المرجعية، برز خلالها تعدد في الآراء، يرتقب ان يحسم هذا الاسبوع، بعدما خلصت اللجنة حتى الآن الى تكريس الإستقلالية والإدارة وتفويض الإستثمار، فضلاً عن استراتيجية وطنية يعدّها مجلس الإدارة وبمرجعية تتمثل في مجلس الوزراء، على أن تكون صلاحياته مقيدة بفعل المعايير التي وُضعت لتعيين مجلس الإدارة، وفق ما يؤكد كنعان.
يتألف مجلس الادارة من 8 أعضاء من اللبنانيين لولاية من 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. ويعهد مجلس الوزراء إلى مؤسسة دولية للتوظيف متخصصة في القطاع العام بما لا يقل عن خبرة عشر سنوات في القضايا المالية والإقتصادية والإستثمارية، فيما أمر اختيار عدد من المرشحين المقبولين لا يقل عن 15 مرشحا يعيّن منهم مجلس الوزراء 8 مرشحين.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار