تُعَدُّ الانتخابات البلدية في لبنان محطة أساسية لإعادة تنشيط العجلة الاقتصادية، حيث يتوجب على البلديات تفعيل اللامركزية عمليًا بدلا من إبقائها مجرد شعار. يتحتم على السلطات المحلية تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع تنموية، لا سيما في قطاعات الكهرباء والمياه والنفايات والصرف الصحي. تواجه البلديات تحديات جسيمة نتيجة تراجع إيراداتها من الرسوم والقيم التأجيرية، فضلاً عن تقلص مخصصاتها من الصندوق البلدي المستقل، مما أدى إلى عجزها عن تأمين الخدمات الأساسية.
تبرز الحاجة إلى إصدار تشريعات إضافة إلى تطبيق التشريعات الحالية التي تتيح إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية للأغراض العامة، وليس فقط للاستهلاك الشخصي. يمكّن ذلك البلديات من التعاون مع القطاع الخاص لتوفير الطاقة لمواطنيها بأسعار معقولة. أثبتت بعض المناطق نجاحها في هذا المجال، حيث تمكنت من خفض التكاليف وتحقيق وفورات كبيرة.
أما فيما يخص قطاع المياه، فقد أدت المركزية في إدارة الخدمة وحصر تأمينها بأربع مؤسسات للمياه على صعيد كل لبنان إلى بيروقراطية معقدة حالت دون تحسين الخدمات. لذا يجب السماح للبلديات بلعب دور أكثر فاعلية من خلال الشراكة مع القطاع الخاص واعتماد أنظمة جديدة للتحصيل تعتمد تسعيرة تصاعدية، الأمر الذي يحسّن الخدمة ويضمن تطويرها، كما يعود بفائدة كبيرة على إيرادات البلديات من خلال تعاونها مع القطاع الخاص، كما يضمن عودة المشاريع الاستثمارية إلى مختلف المناطق اللبنانية بعد تأمين البنية التحتية المطلوبة. ينطبق الأمر ذاته على معالجة النفايات والصرف الصحي، إذ ينبغي الانتقال من الاعتماد على الرسوم التقليدية إلى آليات تحصيل عادلة تحقق الاستدامة البيئية وتضمن تحسين جودة الخدمة واستمراريتها.
على صعيد آخر، يواجه القطاع السياحي في لبنان تحديات كبيرة، أبرزها الارتفاع الحاد في أسعار تذاكر الطيران نتيجة الاحتكار العام لهذا القطاع. بالمقارنة مع الدول المجاورة مثل قبرص وتركيا، تُعتبر تكاليف السفر إلى لبنان ضعف المعدل، مما يثني المغتربين والسياح عن القدوم. يتطلب الأمر إعادة النظر في سياسات الطيران، والسماح لشركات الطيران منخفض التكلفة بالعمل في لبنان، كما هو الحال في معظم الوجهات السياحية العالمية.
إضافةً إلى ذلك، تعاني البنية التحتية في لبنان من تدهور مستمر، مما يحدّ من قدرة البلاد على جذب السياح والاستثمارات السياحية. غياب الكهرباء والمياه النظيفة، وازدحام الطرقات، وارتفاع الضرائب المفروضة على المؤسسات السياحية، كلها عوامل تعرقل القطاع الفندقي وتزيد الأعباء التشغيلية. تُعتبر الضرائب العشوائية مشكلة أساسية، حيث تدفع بعض المؤسسات رسومًا مرتفعة تفوق عائداتها السنوية، مما يدفع العديد منها إلى الإغلاق أو تقليص عملياتها.
من الحلول المطروحة لتحفيز النمو السياحي إعادة هيكلة القوانين المنظمة للقطاعات الحيوية، وإنشاء هيئات ناظمة للطاقة والاتصالات والطيران، ما يضمن تقديم الخدمات بجودة أعلى وتكلفة أقل. كما يتوجب تشجيع الاستثمارات في البنية التحتية من خلال إعادة النظر في السياسات الاحتكارية، والسماح بالتنافسية في مجالات مثل الطيران والكازينوهات والخدمات الأساسية. من شأن هذه الإصلاحات تعزيز ثقة المستثمرين، واستقطاب رؤوس الأموال، ورفع الناتج المحلي الإجمالي، ما يساهم في إنعاش الاقتصاد اللبناني.
يبقى تحسين العلاقات مع الدول العربية عاملاً حاسماً في جذب السياح الخليجيين الذين كانوا يشكلون رافدًا أساسياً للاقتصاد اللبناني. يتطلب الأمر جهودًا دبلوماسية متواصلة لاستعادة هذه السوق الحيوية، والتي من شأنها أن تسهم في تنشيط الحركة التجارية، وزيادة الإيرادات السياحية، وتحفيز مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد.