بمعزل عن الشقّ السياسي، وعن السجالات السياسية التي تحوم حول هبة المليار يورو الأوروبية للبنان، مقابل ضبط الشواطىء اللبنانية ومنع تدفّق اللاجئين السوريين وغير السوريين منها الى دول أوروبا، فإنه لا بدّ لتلك المبالغ التي ستدخل بلدنا تدريجياً حتى عام 2027، من أن تتحوّل الى مسألة سيادية، وذلك فور خروجها من الأيدي الأوروبية.
لبنان… حرّ التصرّف…
وبالتالي، يجب أن يُصبح لبنان حرّ التصرّف بها وباستعمالها وباستثمارها كما يحلو له، وبحسب مصالحه ومصلحة شعبه أولاً، وحتى لو تمّ ذلك بما يتناقض مع المصالح الأوروبية في بعض الأحيان، أي بما هو أبْعَد من دعم المجتمع اللبناني كمجتمع مُستضيف للنازحين السوريين فقط. فهل هذا ممكن؟ وهل ستفعل الدولة اللبنانية ذلك؟ وهل تتوفّر الإرادة لديها في أن تقوم أحياناً بما قد يؤدي الى تقليص أعداد النازحين السوريين بلبنان في مدى بعيد، بمعزل عن موافقة أو رفض أوروبا؟
وهل يجوز للأوروبيين مستقبلاً أن يتصرّفوا وكأن المليار يورو لم يخرج من أيديهم؟
تُبقيهم هنا؟
أشار مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة، والخبير في مجال مكافحة الفساد، والخبير لدى المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون الى أنه “ليس معلوماً تماماً بَعْد الوجهة التي حدّدها الأوروبيون لهبة المليار يورو، سواء على صعيد تخفيفها أعباء النازحين السوريين عن الدولة اللبنانية، أو على مستوى الى أي مدى ستكون لديهم رقابة على طريقة إنفاقها. فيما تدلّنا التجارب السابقة على أن الحكومات اللبنانية تتجاوز عادةً الأهداف والقيود على استخدام المساعدات”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “أعباء النازحين السوريين غير المباشرة كبيرة، أي النفايات التي تنتج عنهم، والصرف الصحي، والمياه والكهرباء التي يستهلكونها، وغيرها من الأمور. ولا يجب أن يتمّ إنفاق الهبة الأوروبية بطريقة تُبقيهم في لبنان، وتسهّل ذلك. ولكن ليس معلوماً بعد الغاية من تلك الهبة، ولا كيف سيتمّ إنفاقها”.
غير عادلة
ورأى بيضون أنه “من المُفتَرَض أن يكون لدى من يقدّم هبة القدرة على ممارسة رقابة معيّنة في شأنها. ولكن في حالة المليار يورو، هي مساعدة ناتجة عن طبيعة حاجاتنا. ويجب أن يكون لدينا قدرة أساسية على كيفية إنفاقها. فنحن الجهة المتضرّرة، ودولتنا هي التي تتحمّل أعباء النزوح السوري. وإذا أخذنا الكهرباء كمثل، فسنجد أن ما يستهلكه النازحون منها من دون أن يدفعوا الفواتير مسألة مخيفة”.
وأضاف:”لا أعتقد أن المانحين يحدّدون وجهة لاستعمال الهبة تساهم بتخفيف أعباء النزوح عن الدولة بشكل جدّي. وبالتالي، الطريقة التي تقدَّم فيها الهبات والمساعدات غير عادلة في مكان ما. والدولة اللبنانية تقوم بدور أسوأ من المانحين، لأن الهدر فيها مستمرّ، وهو ما يزيد الحاجة الى وجود رقابة”.
اللامركزية الإدارية
ودعا بيضون الى “العمل لاعتماد اللامركزية الإدارية في لبنان، ولتنمية المناطق. فبمعزل عن وجود النازحين السوريين في البلد أو لا، لدينا مشاكل كثيرة أصلاً، سواء على صعيد الطاقة، أو المياه، أو الصرف الصحي، أو غيرها من الأمور. ولم يَعُد بإمكاننا أن نعود كما كنّا سابقاً، أي دولة مُنهارة ومُفلسة، ولا قدرة لديها على تمويل أي مشروع عام. ومن هنا، يجب علينا أن نعتمد اللامركزية الإدارية في المرحلة القادمة، وتفعيل دور البلديات في تنمية المناطق، إذ لديها صلاحيات كثيرة”.
وختم:”أنا خبير لدى المعهد اللبناني لدراسات السوق، وأعمل الآن على مشروع تعاون وحوار وتواصل مع البلديات، يجمع الإحصاءات بشأن أوضاعها، ويتقصّى عن الظروف والعوامل القادرة على أن تساهم في تفعيل دورها لكونها مثل الحكومات المحلية. وبالتالي، يتوجب تمكينها من تولّي مشاريع المياه والنفايات وإنتاج الطاقة ضمن نطاقها في المرحلة القادمة، وهو مشروع يحتاج الى تفعيل قوانين اللامركزية الإدارية، والى تطبيق مقدمة الدستور التي تتحدث عن الإنماء المتوازن. وإذا تكاملت تلك المرحلة مع مساعدات من الخارج، فهذا سيكون ممتازاً للبنان، وسننهض بشكل أسرع”.