منصوري يخلف سلامة ويؤكّد خلافه واختلافه مع سياسته: لن نوقّع على الصرف من الاحتياطي خلافاً للقانون

منصوري يخلف سلامة ويؤكّد خلافه واختلافه مع سياسته: لن نوقّع على الصرف من الاحتياطي خلافاً للقانون

لم تكن الإطلالة الأولى لنائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، الذي آلت إليه صلاحيات حاكم مصرف لبنان، خارجة عن سياق الأجواء التي شاعت في نهاية الأسبوع. فالحاكم الموقت أعاد في بيانه تكرار الكثير ممّا سمعه اللبنانيون منه، ومن زملائه نواب الحاكم الثلاثة الآخرين.

لم يعلن استقالة، أو اعتكافاً، بل أكد تحمّل المسؤولية، وتمسّكه بالقوانين. لم يبشّر بوقف منصّة صيرفة، كما كان يشاع، مبرّداً قلوب 400 ألف موظف ومتقاعد يستفيدون منها دعماً لرواتبهم، لكنه ربط استمرارها بضرورة إقرار قوانين ترعى مجمل عمليات تدخل مصرف لبنان في السوق، ودوره في تمويل الدولة.
المطالعة التبريرية عن عدم موافقته مع زملائه منذ تعيينهم في مراكزهم، على سياسات مصرف لبنان، كانت تمهيداً مسهباً منه، للوصول إلى الأمر الأساسي الذي يريدون البحث فيه وهو: ماذا سيحصل في العلاقة بين الحكومة ومصرف لبنان من الآن وصاعداً؟ ليجيب مباشرة “إن خيار تمويل الدولة من دون قوانين، بات من الماضي، ولا مخالفة للقوانين بعد اليوم، ولا توقيع على صرف دولار واحد من الاحتياطات خلافاً للقناعة والقوانين”.
تكراره المطالبة بقوانين “الكابيتال كونترول” وهيكلة المصارف، والتوازن المالي، وإقرار الموازنة، جعله في موقع الناصح للدولة والحكومة، حول السبل الممكن سريعاً اعتمادها بعد تأخر طويل، لإنقاذ البلد، ومعالجة الأوضاع والبدء بالتعافي الاقتصادي والمالي والمصرفي.
بيان منصوري في معظمه كان يدور حول تمسّكه بتطبيق القوانين، ومطالبته بإقرار المطلوب والضروري منها، لتسيير الأمور المالية والنقدية، وتمويل الدولة، من جهة، وحماية موجودات واحتياطات مصرف لبنان من جهة أخرى. ولكن ثمة إشارة إيجابية مهمة وردت في بيانه، وهي إعلانه – خلافاً للكثير من المتداول على لسان خبراء اقتصاديين وناشطين سياسيين – أن الكتلة النقدية المتداولة في السوق تقلصت نحو 25%، بعدما كانت نحو 80 تريليون ليرة، وأن التقلص سيزيد، بعدما ارتفعت عائدات الدولة إلى 20 تريليون ليرة شهرياً.
عهد جديد في مصرف لبنان، أم استمرار بشراء الوقت؟ الجواب في عهدة الدولة، والقيّمين عليها، وفي قدرة وإرادة نواب الحاكم، الذين تلقفوا كرة النار بأيديهم، على إبعاد أنفسهم وقراراتهم والمصرف المركزي عن نار التسييس والتبعية، والتحصّن من لوثات الفساد ومخالفة القوانين.
برّأ منصوري نفسه وزملاءه من نواب الحاكم، من كل القرارات التي اتخذها الحاكم رياض سلامة، خصوصاً في ما يتعلق بإقراض الدولة اللبنانية من أموال مصرف لبنان “أرسلنا كتابنا الأول في 10 آب 2020، أوضحنا بموجبه أن سياسة الدعم التي تصرف 800 مليون دولار شهرياً من احتياطات المصرف المركزي، لا يمكن أن تكون سياسة صحيحة، ولا يمكن أن تكون سياسة مستدامة. ونتيجة لكل ما سيق حول سوء إدارة ملفات الدعم والهدر الناتج عنه، اتخذنا قراراً في المجلس المركزي في شهر شباط 2021 بطلب رفع السرية المصرفية عن كافة ملفات الدعم تسهيلاً لإجراء التحقيقات اللازمة وملاحقة أي متورطين. وأتى القانون رقم 240 لاحقاً في 22 تموز 2021 الذي يتعلق بإجراء التدقيق في ملفات الدعم، إلا أنه للأسف لم يطبق أبداً! رغم طلبنا الرسمي من الوزراء المعنيين القيام بذلك”.
منصوري الذي تعهّد بعدم الاستمرار بالسياسة السابقة قال “لن أوقع على أي صرف، لن أوقع على صرف دولار واحد من احتياطات المصرف المركزي خلافاً لقناعاتي وخلافاً للقانون، وكما تعلمون هذا موقف مبدئي لنا الأربعة”. ولكن المعضلة برأيه تكمن في أن “وقف تمويل فورياً سيؤدّي الى نتائج خطيرة. فالدولة لغاية اليوم تعتمد على احتياطيات المصرف المركزي بالعملة الأجنبية لدفع رواتب الموظفين وتمويل القوى الأمنية وتأمين الأدوية المستعصية، وتأمين المستلزمات للإدارة، مسلتزمات لا يمكن تفعيل الجباية من دونها”. ليعود ويسأل عن الحل لهذه المعضلة؟ فكان الجواب “الحل في ما كنا قد طلبناه منذ سنوات، أي إصدار قوانين تؤمن الانتظام المالي، ومنها فترة انتقالية قصيرة، تسمح بتمويل الدولة بموجب قانون صادر عن المجلس النيابي وتحت رقابته، يكون من ضمن سلة متكاملة تسمح بالبدء بورشة إصلاح حقيقية، من خلال نقاط ثلاث: إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة: قانون موازنة عام 2023، وقانون إعادة هيكلة المصارف، وإعادة الانتظام المالي، والكابيتال كونترول. النقطة الثانية تتعلق بإقرار قانون يجيز تمويل الحكومة من خلال نص تشريعي من أجل تمويل التوظيفات الإلزامية، على أن يكون مشروطاً برد الأموال إلى المصرف المركزي. أما النقطة الثالثة فتتعلق بتحديد آلية توحيد وتحرير سعر الصرف والعمل على استقراره”. وتحرير سعر الصرف يعني وفق ما يقول أن “سعر الدولار الأميركي المقوّم على الليرة اللبنانية، يُحدَّد بحسب عمليات السوق دون تدخل المصرف المركزي، أي دون كلفة على المصرف ويجب أن يتم ذلك أيضاً بالتدرج، حفاظاً على الاستقرار. وهذا الإقرار يُتخذ بالتوافق مع الحكومة اللبنانية وفقاً للقانون كما أن تطوير منصة صيرفة، التي تُدفع رواتب الموظفين عليها، سيكون تدريجياً، وفقاً لقواعد الشفافية والحوكمة الرشيدة”.
منصوري يرى أن قرار تحرير سعر الصرف اليوم، مؤاتٍ لأسباب عدة أولها يتعلق بالكتلة النقدية التي انخفضت من نحو 80 تريليون ليرة لبنانية في حزيران الماضي إلى نحو 60 تريليوناً اليوم، أي بحدود 25%، وهذا ما يعني برأيه أن “من المنطقي أن تشهد استقراراً في سعر الصرف”. وثمة عامل آخر يتعلق بحركة المغتربين والوافدين القادمين خلال فصل الصيف، يضاف إليهما أن “الحكومة، بالتدابير المتخذة أخيراً، أصبحت قدرتها على الجباية بحدود 20 تريليون ليرة لبنانية، بما يعني أنه من الناحية النقدية، لن يكون لتحرير سعر الصرف تأثير سلبي على الاستقرار النقدي الذي نشهده حالياً”.
ووفق منصوري فإن “ما يعزز هذا الاستقرار، هو القانون المقترح الذي ستطلب الحكومة إقراره، والذي يعزز قدرات المصرف المركزي على التدخل في سوق القطع في حال محاولة أي من المضاربين التلاعب، مع التأكيد أن القضاء والقوى الأمنية تراقب عن كتب أي محاولات للتلاعب في سوق القطع، سواء أكان اليوم أم في الغد أم في الفترات المقبلة”.
في ختام كلمته، وجّه منصوري رسالتين، الأولى للشعب اللبناني والثانية للمسؤولين اللبنانيين. في الأولى أكد منصوري “لا يمكن للمصرف المركزي رسم السياسة الاقتصادية والنقدية والمالية أيضاً في آن واحد، فمهتمه تنحصر برسم السياسة النقديّة”، وإذا تعاونّا جميعاً ما بين الحكومة والبرلمان يمكن أن نرسم سياسة جديدة، فما يعزز الاستقرار النقدي هو القانون الذي ستطلب الحكومة إقراره. وعاهد اللبنانيين بالشفافيّة الكاملة في عملهم، مع الإصرار على رفع السرّية المصرفية عن نواب الحاكم بشكل كامل حتى عن محاضر المجلس المركزي لمزيد من الشفافية، وإن كان لدى أيّ شخص أدنى شك في أدائنا، فإننا نحضّه على التوجّه الى القضاء”. وتعهّد تزويد اللبنانيين بأرقام مصرف لبنان باستمرار اعتباراً من الأسبوع المقبل، بغية الاطلاع على الحركة الماليّة داخل المصرف المركزي وخارجه.
أما رسالته للسياسيين، فبدأها بالتأكيد أنه لمس تعاوناً كاملاً من الحكومة اللبنانية، لافتاً الى أن آلية اتّخاذ القرار السياسي في لبنان معقدة”، وهو إذ لم يشأ لوم أحد، فكلّ سياسي لبناني وكلّ كتلة نيابيّة تبحث الأفضل من وجهة نظرها للبنان وللبنانيين، تابع: “للأسف وجهات النظر ليست دائماً متآلفة… أحياناً تكون متعارضة تؤدّي إلى عدم تعيين حاكم مصرف مركزي لمصرف لبنان، عدم انتخاب رئيس للجمهورية وعدم إقرار قوانين”. وتمنى منصوري على السياسيين “إخراج كل ما يتعلق بالسياسة النقدية من التجاذبات السياسية، مع التأكيد أن ثمة إمكانية لإقرار القوانين المطلوبة في الوقت المناسب”.
لم يشأ منصوري مواجهة الصحافيين والرد على أسئلتهم الكثيرة ومنها ما يتعلق بمنصة صيرفة وديمومتها، وما التدابير البديلة، إن لم ينجح مجلس النواب بإقرار القوانين التي اشترطوا إقرارها خلال مدة 6 أشهر، وما الضمانات بأن الدولة ستفي بوعودها هذه المرة وتردّ أموال المودعين؟
مصادر متابعة علقت على كلام منصوري وخصوصاً حيال طلب نواب الحاكم تشريع استخدام الاحتياطي، فأوضحت أنه “منذ بداية عام 2023 لغاية اليوم انخفض الاحتياطي لمصرف لبنان نحو 700 مليون دولار رغم تسديد مصرف لبنان حوالي 200 مليون دولار كمصاريف شهرية للدولة اللبنانية، منها الرواتب والأجور ودعم الأدوية وغيرها إضافة الى التدخل اليومي عبر منصة صيرفة، ودفع 200 دولار لكل مودع (نحو 180 ألف مودع) وفق التعميم 158. وتالياً في الأشهر السبعة الاولى بلغ المعدل الشهري للإنفاق نحو 100 مليون دولار أميركي، ذهب بمعظمه لتسديد الودائع وفقاً للتعميم 158 وليس لتمويل الدولة، فيما خطة نواب الحاكم هي حصول الحكومة (عبر قانون) على قرض بـ1.2 مليار دولار للإنفاق بمعدل 200 مليون دولار شهرياً من الاحتياطي الإلزامي أي سينخفض الاحتياطي الى دون 8 مليارات دولار في نهاية السنة الجارية، وهذا أمر خطير، خصوصاً أن لا ضمانات بتاتاً بأن تعيد الحكومة ما استدانته، استناداً إلى التجارب السابقة في هذا السياق.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار