المصارف تستعجل “المركزي” إقرار اجراءات تنظّم التحاويل وتساوي بين المودعين: أن تأتي متأخّراً خير من ألّا تأتي أبداً

المصارف تستعجل “المركزي” إقرار اجراءات تنظّم التحاويل وتساوي بين المودعين: أن تأتي متأخّراً خير من ألّا تأتي أبداً

ليس جديدا القول إن المراوحة في إقرار مشروع القانون الخاص بـ”الكابيتال كونترول

” في مجلس النواب ادت الى ضياع المليارات من الدولارات من احتياط مصرف لبنان ما بين تمويل التهريب واستنسابية التحويل الى الخارج وما الى ذلك من إجراءات تضبط التفلت المالي والنقدي، بعدما كان الدعم “المشؤوم” استنزف وحده أكثر من 12 مليار دولار من الاحتياط.وما بين ذلك وذاك، وفي ظل المزايدات والشعبويات التي مارسها أهل السلطة مع المودعين، وبيعهم أوهام استعادة ودائعهم من مصارف اصبحت بحكم الواقع تمارس سيولة مقنّنة، دفعت بها إلى حافة خطر الإفلاس والهاوية النقدية، استفاقت الدولة، ولو متأخرة، على إقرار “ميني كابيتال كونترول”، بعدما تعذّر اقرار المشروع “الأم” في مجلس النواب وإحالته الى الهيئة العامة. حكومة تصريف الاعمال أقرت في 18 نيسان الماضي، بناء على اقتراح وزير المال يوسف الخليل “الطلب من مصرف لبنان اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحبا أو تحويلا) وفقا للتعاميم ذات الصلة، وإلا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى أو على أي التزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه ومصدره، والاستمرار بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة (فريش)”. وطلبت الحكومة من “المركزي” تطبيق القرار فورا بغية “عدم استنزاف قدرات المصارف ومخزونها من العملات الأجنبية (الدولار)”، حماية لما تبقى من عملات صعبة في مصرف لبنان ولوضع ضوابط قانونية تستند إليها المصارف وتلتزم مضامينها للحد من الاستنسابية التي مارسها عدد منها تجاه مودعيه… فـ”أن تصل متأخرا خير من ألّا تصل أبدا..”.ولكنْ، شهران مرّا على القرار الاستثنائي، ولم يصدر حتى اليوم اي تعميم يحدد آلية تطبيق القرار الذي من شأنه

تحديد الآلية التنفيذية وتنظيم العلاقة بين المودِع والمصرف، ويجمد الدعاوى على المصارف في لبنان والخارج، وينظم التحاويل… وغيرها من الاجراءات التي تخفف الضغوط على المصارف، والتي تُرجمت الاسبوع الماضي باعتداءات على “بنك بيروت” و”بنك عوده”، بما اعاد الى الاذهان حقبة من الاضطرابات واعمال العنف التي كانت تحصل دوريا امام المصارف، ولعل ابرزها “غزوة بدارو”، كما سمّاها محامي جمعية مصارف لبنان أكرم عازوري، وإنْ ربط هذه الاعتداءات بـ”العامل السياسي البحت”.

القرار كان قد أثار اعتراضات عدة، بينها لرئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان الذي أكد لـ”النهار” أنه “يشكل هرطقة قانونية واضحة كونه يضرب التراتبية القانونية التي تتجلى بالدستور أولا، ومن ثم القانون، ومن بعده المرسوم، وأخيرا القرار”. بَيد أن عازوري كان قد اكد لـ”النهار” أنه “من حيث المبدأ، إن وضع ضوابط على السحوبات يجب أن يصدر بقانون”، إلا أنه في المقابل استند الى وقائع عدة لتبرير قرار الحكومة لتمكين مصرف لبنان من اللجوء الى هذه الضوابط الموقتة في انتظار أن يعود مجلس النواب الى صفته التشريعية. هذه الوقائع، حددها عازوري “بالظروف الاستثنائية التي نمر بها، والمجلس النيابي حاليا هو هيئة ناخبة، والحاجة ملحّة الى وضع تنظيم لأزمة السيولة في القطاع المصرفي، وضرورة مراعاة مبدأ المساواة بين المودعين حيال التحويلات بالعملات الاجنبية، واستمرارية المرفق العام النقدي”.
أما وقد تأخر إقرار مشروع “الكابيتال كونترول”، فليس مستغربا أن تتسع الفجوة بين المودعين والمصارف توازياً مع إرباكات سحب السيولة وتقنينها للمودعين، والإدعاءات القضائية، مع ما يصاحبها من قرارات الحجز، والختم بالشمع الأحمر، وما الى ذلك من قرارات قضائية بمنع سفر مديري واصحاب المصارف بما زاد من الفوضى في الشؤون المالية، فأين أصبح القرار في مصرف لبنان؟

مصادر “المركزي” أكدت لـ”النهار” أن لا جديد على هذا الصعيد، لافتة الى أنه حتى اليوم “لم يتخذ اي قرار على خلفية رفض بعض اعضاء المجلس المركزي اقرار الاجراءات التي طلبتها الحكومة، فهم يفضلون ان يكون الكابيتال كونترول قانونا مستقلا وليس قرارا يتخذه مصرف لبنان”. وعلى رغم الاعتراضات داخل المجلس المركزي، فإن المصادر عينها لا تشكك في أهمية قرار الحكومة واعتباره خطوة مهمة، وتؤكد أن مصرف لبنان يواظب على درس كيفية تحديد الآلية التنفيذية للقرار، في انتظار ان يتم التوافق عليه داخل “المركزي”، وبعد عودة الانتظام الى عمل المجلس النيابي ليتمكن من اقرار قانون “الكابيتال كونترول”.

في المقلب الآخر، تربط مصادر في جمعية المصارف بين ما يحصل في الشارع من اضطرابات واعتداءات على المصارف وبين التأخر في اتخاذ الاجراءات التي تضبط العلاقة بين المصارف ومودعيها. وتبعاً لذلك، تدعو المصادر المتحفظين عن اقرار ما سمّته “الحد الادنى من التدابير” التي قد تساهم في أن يعرف كل من المودع والمصرف حقوقه وواجباته ضمن تشريعات تلزم الطرفين التقيد بها، حتى لا يكون موقفهم هذا الفتيل الذي قد يشعل دائرة المواجهات بين المودع والمصرف”.

تطالب المصارف بإقرار “الكابيتال كونترول” منذ بدء الازمة عام 2019، وطلبت الجمعية أخيرا من عازوري المشاركة في جلسات اللجان النيابية التي تناقش المشروع، لكنه بعد جلسات متتالية لاحظ عدم وجود رغبة لدى النواب لإقراره، لذا آثر عدم تكرار المشاركة. وبما أن مجلس النواب حاليا هو هيئة ناخبة، يؤكد عازوري أنه يمكن للمجلس المركزي اتخاذ اجراءات موقتة في انتظار أن يستعيد المجلس دوره كهيئة تشريعية، فالمصلحة العامة برأيه، لا تحتمل الفراغ. ويقول: “بالمعنى الضيق للكلمة، فإن البت بموضوع الكابيتال كونترول ليس من صلاحية مصرف لبنان، ولكن بالمعنى الواسع لها وفي حال كان الهدف من المشروع تسيير الامور بصورة موقتة خصوصا في ظل الفراغ التشريعي الدستوري، فإنه يجوز للمجلس المركزي لمصرف لبنان اتخاذ مثل هذا التدبير كون المصلحة العامة لا تحتمل الفراغ. وفور انتخاب رئيس للجمهورية، يمكن لمجلس النواب وضع الامور في نصابها، وإقراره بقانون”.

وفيما يؤكد البعض انتفاء الضرورة لأي اجراءات تنظم التحاويل والحد من خروجها من لبنان بعدما “سبق السيف العذل” مع خروج الايداعات الكبيرة من المصارف، يعتبر عازوري انه “بالحد الادنى لا يزال ثمة جدوى للكابيتال كونترول أقله للحد من الاستنسابية في التحاويل”. الى ذلك، وبعيدا عن الدعاوى المقامة ضد المصارف خارج لبنان، ثمة نحو 3 آلاف دعوى عالقة في لبنان، وهذه الدعاوى سواء كانت مدنية او تجارية أو مستعجلة او جزائية، وفي حال رضخ المصرف لأي ضغط قضائي فهو حتما سيكون على حساب بقية المودعين، وفق عازوري الذي يؤكد أنه “حتى لو تأخر إقرار الكابيتال كونترول 3 سنوات، يبقى ثمة جدوى منه خصوصا حيال المساواة بين المودعين والمحافظة على ما تبقّى لهم من أموال”.

ولا يرى عازوري ان انتهاء فترة ولاية حاكم مصرف لبنان وتسلّم نائبه من بعده يمكن ان يكون سببا لعدم مضي مصرف لبنان بالاجراءات التي طلبتها الحكومة منه، إذ يمكن للمجلس المركزي اتخاذ القرار حتى لو انتهت فترة ولاية الحاكم، مجددا التأكيد أن “الاجراء موقت ومبرر بانعدام السلطة التشريعية”، وموضحا أنه “حتى يكون الكابيتال كونترول دستوريا هو في حاجة الى قانون، ولكن الجهة المخولة إصدار القانون هي بحكم الدستور غير موجودة، وتاليا لا شيء يمنع السلطة النقدية من أن تتخذ تدابير موقتة الى حين التئام السلطة التشريعية”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار