بتغطية وتسهيلات من مصرف لبنان السياسيون جزء أساسي من الفساد المصرفي

بتغطية وتسهيلات من مصرف لبنان  السياسيون جزء أساسي من الفساد المصرفي

* عمليات إنقاذ ودمج مصرفي أثرى منها سياسيون ونافذون وملاّك مصارف

* قروض مدعومة استخدمت… وتسهيلات متعثرة شطبت… وترضيات دفعت

* نواب ووزراء متورطون ولهم ملكيات مصرفية وعضويات في مجالس إدارات

* عقود محاماة واستشارات وهمية تمنحها المصارف لشراء الولاءات والحماية

* هندسات كلفت المال العام 12 مليار دولار… معظمها لمصارف مدعومة سياسياً

* تحويلات وصفقات وتهرّب ضريبي… وفساد سياسي تغطى بالتواطؤ المصرفي

هل السياسيون فعلاً قلقون من الاتهامات الموجهة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في التحقيقات المحلية والاوروبية؟ فتلك الاتهامات تشمل اختلاس المال العام والاثراء غير المشروع وغسل الأموال والتهرب الضريبي والتزوير واستعمال المزور؟
كان سلامة يحظى بهالات كثيرة بينها انه محمي اميركياً، فاذا بهذه الهالة تسقط كما سقطت أخرى تباعاً، ليبقى وحيدا (نظرياً) في مواجهة مصيره مع تمسكه بانه بريء، وان الاتهامات ما هي الا في سبيل جعله كبش محرقة هذه الازمة، لتحميله تبعات يسأل عنها السياسيون ايضاً.
الى جانب التحقيق الاوروبي، مصادر الخزانة الاميركية لا تخفي انها ترى فساداً في القطاع المصرفي اللبناني، وكانت اشارت الى تقاطع مصالح لسياسيين في هذا القطاع وحذرت جمعية المصارف من مغبة ذلك، مع علم الاميركيين ان هذا القطاع يقع تحت سيطرة رياض سلامة بكل تفاصيله.
ملكيات فاقعة تشمل معظم المصارف الكبيرة
وفي دراسة سابقة للباحث جاد شعبان تأكد ان 43% من المصارف «قريبة» من عائلات سياسية، سواء عبر المالكين او عبر مجالس الادارات. وعند النظر في قائمة تلك البنوك نجد انها بين الأكبر، علماً بأن 14 مصرفاً فقط تسيطر على 83% من اجمالي موجودات القطاع. فما هي أبرز التقاطعات الأخرى التي تربط المصارف بعالم السياسة بعلم رياض سلامة وتسهيلاته؟
عشر نقاط فساد ومحسوبيات كل واحدة ورطة
أولاً، هناك قائمة طويلة من السياسيين النواب وغير النواب الذين يملكون مكاتب محاماة واستشارات متعاقدة مع عدد كبير من البنوك، وتتقاضى منها مبالغ طائلة هي غالباً ليست الا أتعاباً بلا أتعاب.
ثانياً، استعانت بنوك بسياسيين وعيّنتهم اعضاء في مجالس اداراتها، ليس لانهم عباقرة في عالم المال والمصارف، بل لانهم من اصحاب النفوذ السياسي والطائفي والمناطقي… وحتى الميليشياوي يؤمنون الحمايات على انواعها، او يسهلون الصفقات عند الضرورة.
ثالثاً، حصلت خلال السنوات الثلاثين الماضية أكثر من 30 عملية انقاذ ودمج مصرفي تخلل بعضها محسوبيات سياسية. وكان للنواب والوزراء والسياسيين المالكين لمصارف تعثرت حظ في انقاذهم (بشكل قانوني!) من قبل مصرف لبنان بهندسات جعلت منهم اثرياء اكثر، بدلاً من وضع اليد على مصارفهم واجبارهم على تحمل خسارتها كما حصل مع المصرفي والسياسي هنري صفير الذي كان مغضوباً عليه ايام الوصاية السورية. عمليات كثيرة كان يجب ان تأتي على الاموال الخاصة لاصحاب المصارف المتعثرة وتحويل اصحابها الى الهيئة المصرفية العليا، فاذا بها تثري أصحابها ويخرجون من تعثر مصارفهم أغنياء أكثر على حساب المال العام، وبين هؤلاء عدة سياسيين (مصرفيين)!
رابعاً، استخدمت القروض الميسرة والمدعومة الفائدة، سواء السكنية والعقارية او الصناعية وحتى التجارية وغيرها، من مصرف لبنان لشراء ولاءات وتنفيع ولإثراء سياسيين وغيرهم على حساب المال العام.
خامساً: الهندسات المالية التي كلفت المال العام 12 مليار دولار في 2016 و2017 كانت مدار جدل بين من استفاد ومن لم يستفد، حتى تعممت الافادة نسبياً آنذاك وفق توازنات سياسية واجندات ملكيات ومحسوبيات هذا وذاك في هذا المصرف او ذاك.
سادساً، استفادت وسائل اعلام محسوبة على سياسيين واحزاب وتيارات من قروض وتسهيلات مصرفية بغطاء من مصرف لبنان، وما كان يتعثر من تلك القروض يُشطب! كما كانت تشطب قروض أخرى في قطاعات أخرى.
سابعاً، لم يعد سراً ان سياسيين ونافذين استفادوا من معلومات داخلية واخرجوا المليارات من القطاع المصرفي قبل 17 تشرين 2019 وبعده. وحصل ذلك في اوقات كان فيه مودعون عاديون محرومين من حق السحب والتحويل.
ثامناً، رد سياسيون الجميل للبنوك لجهة حمايتها من قضايا المودعين التي انهالت بعد 17 تشرين، لكن السواد الاعظم من تلك القضايا المحقة والمشروعة منها أوقف في القضاء المسيّر بالسياسة والنفوذ الطائفي والمصلحي.
تاسعاً، أخّر مصرف لبنان بالتعاون مع سياسيين وبغطاء منهم عمليات هيكلة البنوك المفلسة والمتعثرة بعد 17 تشرين. و يتأجل ذلك منذ اكثر من 3 سنوات لأسباب تقاطع المصالع السياسية المصرفية،على امل ايجاد مخرج على حساب المال العام، كما كان يحصل في عمليات الدمج والانقاذ والهندسات والقروض المدعومة وصفقىات الأسهم وغيرها.
عاشراً: لا يمكن لجمعية المصارف ان تتحدى المجتمع بأسره وتعلن الاضراب وقت تشاء الا لأنها تعرف ان لها ظهراً او سنداً سياسياً ينتصر لها عند الضرورة على حساب المودعين وعموم المواطنين والمال العام.
سابين الكك: فتح «المغارة» لا يطمئن السياسيين حتماً
«كان رياض سلامة حاكم مصرف لبنان لمدة 30 سنة بصلاحيات واسعة»، تقول د. سابين الكك، وهي الرئيسة التنفيذية لشركة Juriscale الاستشارية، «فهناك تداخل مصالح كبيرة بينه وبين السياسيين في لبنان. القطاع المالي في لبنان وتحديداً القطاع المصرفي كان المصب الأخير لكل الحركة المالية والنقدية في البلد، وبالتالي هناك الكثير من الأمور لدى رياض سلامة والتي تقلق السياسيين في لبنان». «ما حدا فوق راسو خيمة»، تقول الكك، «تقنياً نعلم كيف تسيرعملية فتح حسابات مصرف لبنان، لكن المجهول هو مسار هذه العملية. ومعنوياً كان رياض سلامة محمياً دولياً، أما اليوم فلم يعد «فوق راسو خيمة». لهذا السبب، وبالنسبة للسياسيين، البلد مفتوح على كل الاحتمالات. وقد تطول الملاحقة، تتأجل وتتسرّع، ولكن في النهاية هناك مسار واحد: رياض سلامة كان المسؤول الأول تقنياً عن القطاع المصرفي منذ 30 سنة حتى اليوم، ولا يمكنه رفض تحمل هذه المسؤولية».
القصة أكبر وأبعد من مصالح، ففي بلد مثل لبنان حيث كان القطاع المصرفي أساسياً في السياسة، في تمويل الدولة، في الهندسات المالية وفي جلب الاستثمارات… فإن كل المعاملات وكل التحويلات التي كانت تتم عبر المصارف مسجّلة في دفاتر المصارف ومصرف لبنان، وبالتالي فإن فتح هذه «المغارة» أمر لا يطمئن السياسيين في لبنان، فمن منهم لا يمتلك شركات واستثمارات في قطاعات اساسية في البلد؟ إن حلقة الربط المالي في البلد تتمثل «بزواج ماروني» بين السياسة والمصارف مع ما يتضمن ذلك من مصالح متشابكة ومعقدة. وبالمختصر المفيد، هناك فساد مباشر في المال العام وفي الصفقات والمناقصات حيث أنه لا يقل درجة عنه في القطاع الخاص».
شربل نحاس: وجود سلامة في الحاكمية كان حاجة ماسة لهم
إذا أردنا معرفة تمسك السياسيين برياض سلامة، يمكننا البدء بالحديث عن دورهم في لبنان. ويشير امين عام «حركة مواطنون ومواطنات في دولة» شربل نحاس الى «أن دورهم يرتكز بشكل أساسي على المحافظة على تماسك جماعتهم من خلال توزيع المكاسب والمنافع عليهم من دون خلق أي مشاكل أو حرب بين بعضهم البعض، الأمر الذي يدفعهم الى تأمين حاجتهم الحيوية من موارد عن طريق الاستعانة بالخارج. كيف؟ ففي البدء، يحاولون تأمينها عن طريق الدولة أو غيرها، ولكنها لا تكفي. وبالتالي مثلما يحتاج جسم الإنسان الى رئة كي يتنفس ويعيش، هم أيضاً بحاجة لنظام مالي يتمكن من جلب الاموال من الخارج، عن طريق المغتربين الذين تمّ تصديرهم الى الخارج أو من خلال الأموال الموجودة في الخارج. وغياب هذه الوظيفة الحيوية تعطل كل التركيبة. فالمؤدي لهذه الوظيفة منذ 30 سنة حتى اليوم هو رياض سلامة والذي استمرت ولايته بالرغم من الافلاس الحاصل منذ 20 سنة، عن طريق «الهندسات والتركيبات». فلذلك كنا نراهم متمسكيمن بالحاكم رياض سلامة، لأنهم وبكل بساطة بحاجة لهذه الوظيفة الحيوية».
حسن خليل: اسئلة عن صفقات الحريري وميقاتي ونفوذ بري؟
يرى رئيس تجمّع استعادة الدولة والمصرفي حسن خليل أن «أسرار المنظومة السياسية كلها محفوظة لدى رياض سلامة، من التمويل الى العقارات والتحويلات وعمليات فوائد الليرة والدولار وكل حسابات السياسيين وتمويلهم من قبل المصارف بأمر منه. ولكن من المهم اليوم طرح بعض الأسئلة: فكيف تمكن الحريري من بيع اسهمه لعلاء الخواجة؟ وكيف تمكن نجيب ميقاتي من بيع اسهمه في بنك عودة؟ ولماذا كل المصارف التابع نفوذها لنبيه بري خضعت لعملية انقاذ bailout مثل بنك الانعاش لعماد الجفال؟ لماذا انقذ كل هذه المصارف؟ هل لأنها تابعة لسياسيين؟ ولماذا موّل فساد وعجز الموازنة في لبنان؟ واليوم، إذا لم يصل التحقيق الأوروبي الى نتيجة مع رياض سلامة، فقد لا يبقى أمل لمعرفة ماذا حصل في القطاع المصرفي. ويبقى الإختبار الأكبر موجوداً في القرار الصادر عن النظام الخارجي بتجميد حساب سياسي رئيسي واحد، ومن بعدها تهتزّ المنظومة السياسية بكاملها، الامر الذي سيوضح لنا أن هناك قراراً «بسحب السجادة» من تحت المنظومة السياسية في لبنان».
باختصار، إن لم يكن السياسيون متورطين مع رياض سلامة بشكل مباشر، فهم بالتأكيد متورطون بشكل غير مباشر. فهو بحكم وجوده في المصرف المركزي لديه اطلاع على كل حركة الحسابات منذ 30 سنة لحد اليوم، وخاصة بعد الأزمة التي بدأت في 2019 من تهريب أموال الى الخارج وتراكم ثروات بطريقة غير مبررة وغير أخلاقية. ولهذا السبب، إن سقوط سلامة أو حتى ازعاجه في التحقيق يؤدي ربما الى سقوط جميع أركان الطبقة السياسية الفاسدة والتي كانت السبب بوصول لبنان الى هذه الحالة من الانهيار والعجز والفساد.
د. محمد فحيلي: الشعب اللبناني انتخبهم… ومهتم الآن بلقمة عيشه
يوضح د. محمد فحيلي، وهو خبير مخاطر مصرفية، «أن القضاء الأوروبي حضر الى لبنان وهو في مرحلة تكوين ملف ضدّ رئيس السلطة النقدية رياض سلامة وشقيقه رجا، والتهمة هي تبييض أموال واثراء غير مشروع، هذه هي حدودها. ممكن أن تكون قد ولدت عن طريق شكاوى بعض المواطنين اللبنانيين الحاملين جنسيات أوروبية في اروقة قضاء هذه الدول، وأصبح هناك من واجب هذه الدول متابعة وملاحقة الموضوع.
ولكن الى جانب هذه البلبلة التي خلقتها التحقيقات الاوروبية مع سلامة، نلاحظ أن الشعب اللبناني اليوم منشغل في تأمين لقمة عيشه، خاصةً بعد الانهيار الأخير الذي سجله سعر الصرف. أما بالنسبة للقطاع المصرفي، فهو يدرك حقيقة رياض سلامة وأعماله. وكذلك حال السلطة السياسية التي وضعته في حاكمية مصرف لبنان وحافظت عليه طوال هذه السنوات معروفة لدى الاسرة الدولية ايضاً».
أما على الصعيد السياسي فتوجه فحيلي بجملة واحدة: «إن نفس المنظومة السياسية التي اتُهمت بالفساد وهدر المال العام، تمّ انتخابها منذ حوالى 90 بالمئة من الشعب اللبناني وشكّلت السلطة في المجلس النيابي، وبالتالي ليس غريباً إذا مرّ شهر تموز وانتهت مدّة حاكم مصرف لبنان ولم يتخذ اي اجراء قضائي جدّي ضد سلامة. ولا يمكننا معرفة الى أي مدى الحصانة التي يتمتع بها كحاكم لمصرف لبنان ستحميه، مقارنةً بمواطن عادي بلا حصانة في حال ترك حاكمية مصرف لبنان في تموز 2023.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن