الكلفة الصحية ارتفعت 282% في سنة

الكلفة الصحية ارتفعت 282% في سنة

حلّقت الكلفة الصحيّة في 9 اشهر (كانون الثاني-ايلول 2022) بنسبة 282,56% على اساس سنوي، كما بيّن تقرير صادر عن إدارة الإحصاء المركزي الذي يصدر عن مجلس الوزراء.

وهذه الزيادة جاءت كنتيجة مباشرة لتحقيق الليرة اللبنانية مزيداً من الإنهيار بين العامين 2021 و 2022، وارتفاع كلفة الشحن من الخارج بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي زيادة أسعار المستلزمات الطبّية التي يتمّ تقاضيها بالدولار الأميركي والأدوية غير المدعومة.

زيادة الكلفة الإستشفائية

ومن المتوقّع أن تسجّل التكلفة الصحيّة على المواطن مزيداً من الإرتفاعات خلال العام المقبل اذا حقّق سعر صرف الدولار مزيداً من المكاسب أمام الليرة اللبنانية، وزادت أسعار الوقود، وتحقّقت زيادة الكلفة الإستشفائية بالدولار المرتقبة في بداية العام 2023، ما سيزيد الأكلاف على المواطن الذي يتكبّد عبء تسديد فارق تغطية الجهات الضامنة (ضمان، وتعاونية…) التي توسّعت رقعتها، ومعها كلفة أقساط التغطية التأمينية بالدولار للمؤمّن لدى شركة تأمين خاصة، المتوقّع ان تزيد بدورها تدريجياً لتصل الى المستويات التي كانت تبلغها قبل اندلاع أكبر أزمة مالية واقتصادية ونقدية بتاريخ لبنان.

التغطية باتت هزيلة

إن نسبة الزيادة تلك في الكلفة الصحيّة، أصابت وزارة الصحّة وموظفي القطاع العام والجهات الضامنة لهم. فالتغطية التي كانت متوفّرة للمستفيدين من الضمان والتعاونية ووزارة الصحّة بنسبة تتراوح بين 90 و 95%، باتت تشكّل بعد انفجار الوضع في البلاد في العام 2019 نسبة 5 و 10%. ورغم التعديلات التي طرأت على قيمة التعرفات الإستشفائية التي تسدّد من الجهات الضامنة وزيادتها مرتين ونصف للضمان وبين 4 أو 6 مرات لجهات ضامنة اخرى مثل التعاونية والبلديات.(مع عدم وجود تغطية شاملة للأدوية)، إلا أن ذلك لم يحل دون بقاء الكلفة الصحّية مرتفعة جداً وتفوق قدرات المواطنين الشرائية شبه المنعدمة.


تفاوت تعرفات المستشفى

وحول زيادة تلك الكلفة يوضح عضو مجلس الضمان التحكيمي في وزارة الإقتصاد والتجارة ومدير قسم الإستشفاء في شركة المشرق لـ»التأمين» سعيد حديفة لـ»نداء الوطن» ان تسعيرة تكلفة الغرفة في المستشفى لمريض الضمان كانت بقيمة 90 ألف ليرة أي 60 دولاراً وفق سعر صرف 1515 ليرة، تمّ خفضها في مرحلة الإنهيار الى نحو 40 دولاراً أي ما يعادل 1,600 مليون ليرة (وفق سعر صرف السوق السوداء أي 40 ألف ليرة). ومع رفع الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي تعرفته مرتين ونصف لتصبح التسعيرة بقيمة 270 ألف ليرة، إلا أن الفارق يبقى كبيراً وهو بقيمة 1,330 مليون ليرة، ما يعني أن الضمان بات يشكّل نسبة 7% من الفاتورة الإستشفائية فقط، وكذلك الأمر بالنسبة الى التعاونية ووزارة الصحّة التي باتت نسبة رعايتهما الصحية تتراوح بين 7 و10% في أحسن الأحوال.

أما في حال تمّ رفع قيمة تلك التسعيرة كما هو مرتقب، وحدّدتها المستشفيات بـ50 دولاراً بدلاً من 40 دولاراً، فستكون الفروقات هائلة على المواطن.

كلفة المحروقات من الفاتورة

وحول ما يحكى عن مساهمة كلفة المحروقات في رفع الفاتورة الإستشفائية بالدولار النقدي كما تقول المستشفيات الى ما كانت عليه سابقاً، قال حديفة «صحيح أن سعر طن المازوت تضاعف من 600 دولار الى 1200 دولار وبالتالي تفاقمت الكلفة على المستشفيات، ولكن نسبة كلفة المحروقات من الفاتورة الإستشفائية ضئيلة وقد ترفعها بنسبة نحو 5%، لذا لا يشكّل ذلك عذراً لرفع الفاتورة الإستشفائية الى ما كانت عليه سابقاً.



ضرورة توحيد التعرفات

ولفت حديفة الى ضرورة «تفعيل المجلس الأعلى للصحة لتوحيد التعرفة الإستشفائية التي تسدّدها الجهات الضامنة عن موظفي القطاع العام بدلاً من أن تكون تسعيرة الضمان 90 ألف ليرة، وفي البلدية 75 ألف ليرة على سبيل المثال، والجيش 60 ألف ليرة. تلك التعرفات والتي تسدّدها الدولة يجب أن تكون تسعيرتها موحّدة مع ضرورة الإلتزام بالشروط نفسها، وهذا الإجراء نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى. فنتفادى بذلك شراء مستلزم طبّي كالـ Broche على سبيل المثال الموجود في الـ protèse بقيمة 500 ألف ليرة من الجيش، و مليون ليرة من الضمان و650 ألف ليرة من الدرك».

نقابة المستشفيات

وبالنسبة الى القطاع الإستشفائي اوضح رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ»نداء الوطن» أن ارتفاع التكلفة الصحيّة، وبالتالي الإستشفائية على المواطن، سببها رفع الدعم عن المستلزمات الطبيّة ما عدا تلك المستعملة لغسيل الكلى وجزء مستخدم لقسطلة شرايين القلب والـ»روسورات»، ورفع الدعم عن جزء من الأدوية،وارتفاع سعر صرف الدولار». مشيراً الى أن «المستلزمات الطبية تفاقم سعرها حتى بالدولار من المصدر، فالمستلزم الذي كان سعره على سبيل المثال 10 دولارات بات بقيمة 12 دولاراً بسبب تضخّم الأسعار في الخارج».
 


المستلزمات الطبّية

وللمستلزمات الطبّية حصّة كبيرة من زيادة الفاتورة الإستشفائية، اذ تمّ رفع الدعم عنها ما عدا تلك التي تتعلق بأمراض القلب وغسيل الكلى. وحول زيادة أسعارها عدّدت رئيسة نقابة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي لـ»نداء الوطن» أسباب ارتفاع فاتورتها والتي تسعّر بالدولار كما يلي:

«المستلزم الذي كان بقيمة 100 دولار أي 150 الف ليرة لبنانية بات اليوم يعادل 4 ملايين ليرة. والتغطية التي كانت توفرها الجهات الضامنة مثل الضمان الإجتماعي أو تعاونية الموظفين أو وزارة الصحة غير متوفّرة، وإن توفّرت فهي وفق سعر الـ1515 ليرة لبنانية ما يشكّل نسبة ضئيلة من سعرها».

من هنا بات المريض الذي يحتاج الى مستلزم طبّي ملزم بتسديد سعره بالدولار النقدي او ما يعادله وفق سعر صرف دولار السوق السوداء. أما شركات التأمين التي تتقاضى الدولار النقدي من المؤمّنين لديها فباتت تسدّد 100% التغطية الإستشفائية بما فيها قيمة المستلزمات.

في وضعنا الراهن لم تعد التغطية الصحيّة متوفّرة من الجهات الضامنة بنسبة 100% سوى للجيش والمضمونين لدى شركات التأمين الخاصة. وما عدا ذلك، يترتب على المريض أن يغطي كلفة المستلزم الطبّي بالدولار، ويسدّد أتعاب الطبيب التي لا تذكر حصة تغطيتها من الجهة الضامنة لأنها تحتسب وفق سعر صرف متدن جداً إن لم يكن وفق السعر الرسمي.

ووزارة الصحّة القيّمة على تسعير وإدارة قطاع الدواء والمستلزمات الطبيّة، استناداً الى عاصي «كانت تلزم الشركات المستوردة بتسعيرة محدّدة للفترة التي سبقت بدء الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع اسعار المحروقات ومعها تفاقم كلفة الشحن عالمياً. على سبيل المثال شحنة الإبر كانت تكلّف من الصين الى لبنان 3000 دولار، اليوم باتت تكلّف 18 ألف دولار. والتسعيرة في وزارة الصحّة تمّ تحديدها على أساس كلفة شحن 3000 دولار، لذلك هناك شركات تلتزم حسب تحرّك تكلفة الشحن. فإذا تغيّرت يزيدون التكلفة نسبة الى ارتفاعها عالمياً، وهذا الأمر كان له الأثر الكبير في زيادة أسعار المستلزمات التي لم تعد مشمولة بدعم مصرف لبنان بنسبة 99% منها على أساس سعر الـ1515 ليرة لبنانية ما عدا غسيل الكلى وبطاريات وصمامات وروسورات القلب التي تتمّ تغطيتها بنسبة 50% على أساس الـ1515 ليرة و 50% بالدولار النقدي».

 

انخفاض استيراد الدواء 50%


أما قطاع الأدوية، ففاتورته ليست ضخمة نسبة الى مجمل الكلفة الإستشفائية، اذ يجب من حيث المبدأ ألا يشكّل أكثر من نسبة 20% من كلفة الفاتورة. واعتبر رئيس نقابة مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة خلال حديثه الى «نداء الوطن» أنه «قبل بدء الأزمة في البلاد كانت نسبة 30% من الأدوية المستوردة تنفق في المستشفيات و 70% خارجها. وبالتالي، فإن سوق الدواء في لبنان كان يمثّل نسبة تتراوح بين 80 و 90 مليون دولار شهرياً وفق سعر الإستيراد. اليوم انخفض الى النصف وبات يمثّل بين 45 و 50 مليون دولار شهرياً، منها 25 مليون دولار شهرياً مدعومة أي ان نصف قيمة الأدوية التي تدخل لبنان هي مدعومة من المصرف المركزي عبر وزارة الصحة، والنصف الآخر رفع الدعم عنه كلياً واصبح وفق سعر صرف دولار السوق السوداء».

واشار الى ان «الأدوية التي لم يرفع عنها الدعم تعتبر الأخطر على صحة الإنسان مثل أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية، بغض النظر عما اذا تمّ تناول الدواء في المستشفى أو في المنزل». من هنا، فمعظم أدوية الأمراض المستعصية لا تزال مدعومة وبعض ادوية الأمراض المزمنة، أما الأدوية غير المدعومة والتي تبلغ قيمتها بين 20 و 25 مليون دولار، فقسم منها أدوية تسمّى OTC (أوجاع رأس معدة رشح…) وجزء هي أدوية الأمراض المزمنة التي كانت «رخيصة» وتمّ رفع الدعم عنها تدريجياً. تلك الأدوية الأخيرة تواجه منافسة بسبب وجود بدائل عنها وماركات عدة ونحو 7 أدوية جينيريك. والمفارقة أنه يمكن للمريض بالتعاون مع الطبيب والصيدلي إيجاد الدواء الجيد بسعر يناسب إمكانياته المادية في الأدوية غير المدعومة، بينما بالنسبة الى أدوية الأمراض المستعصية فلا يوجد بدائل عنها لأنها أدوية حديثة تتمتّع بحماية براءة الإختراع عالمياً».

في الخلاصة انخفض سوق الدواء الى النصف، نصف النص لا يزال مدعوماً والنصف الثاني للنص أصبح بالإجمال يحتسب وفق سعر صرف دولار السوق السوداء.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن