خاص www.limslb.com: “المحفظة الإلكترونية” خدمة جديدة “تُلَوَّث” بالتلزيم بالتراضي بعيدا عن المنافسة الشفافة

المحفظة الإلكترونية

يخرق السياسيون في لبنان القوانين النافذة ويسارعون إلى الشكوى في مجلس الوزراء لتغطية المخالفات جرياً على المثل الشعبي المعروف: “ضربني وبكى سبقني واشتكى”. هذا ما جرى عقب رفض كل من ديوان المحاسبة وهيئة الشراء صفقة تلزيم البريد للعارض الوحيد، وهذا ما يُخشى تكراره في تلزيم خدمة المحفظة الإلكترونية  e-wallet في شركة “ألفا” للاتصالات الخلوية من دون منافسة، وتكريس التجاوز “درباً” تسير عليه “تاتش” في تلزيماتها القادمة. وتُعتبَر e- Wallet أو “المحفظة الإلكترونية” نوعا من أنواع البطاقات الإلكترونية التي يتم استخدامها في معاملات الشراء، وتتطلب الربط بالحساب المصرفي للفرد لإجراء المدفوعات.

ولعلّ ما يعزز الشكوك في وجود نية لخرق قانون الشراء العام التي تلتزم شركتا الخلوي بتطبيقه هو استئثار الوزير بالقرار وجنوحه الواضح لاختزال مجلسي الإدارة المستقلين بشخصه عوضا عن الالتزام بدور وزارته باعتبارها سلطة وصاية على القطاع. ولعل الدليل الأبرز هو اتجاه شركة “ألفا” للتعاقد مع شركة “سيول” لتأمين خدمة e- Wallet  بالتراضي بحجة أنها الشركة الوحيدة القادرة على تأمين الخدمة. ويأتي ذلك بعد أن نالت “ألفا” الاستحسان والثناء على تلزيم خدمة A2P قبل مدة وجيزة بطريقة احترافية، على عكس قرينتها “تاتش”، لتعود للاستنساب في خضوعها لقانون الشراء العام في صفقة e- Wallet متذرعة بعدم وجود العارضين. ومن البديهي الاعتقاد بأن المجاهرة زوراً بعدم توفر العارضين لم تكن لتتم لولا تغطيتها بقرار سياسي أكبر، خصوصا مع ظهور شركات أخرى ضليعة في المجال حفزت “تاتش” لإعداد دفتر شروط وفقا للأصول لتلزيم تقديم خدمة e- Wallet عبر شبكتها.

 وكأننا لم نكن ننتظر إلا أن تستحصل الشركتان على ترخيص من مصرف لبنان، فهل أجمل من  المزيد من الاحتكارات في يد الشركات التي تديرها الدولة؟! تقتضي مصلحة لبنان توسيع مروحة المنافسة. ولا يتم ذلك من خلال تعاقد شركتي الخلوي مع عارضين وحيدين، بل يتم ذلك بتشريع أبواب السوق على مصراعيها والسماح لشركات الخلوي بالتعاقد مع كل الشركات المؤهلة لتقديم هذه الخدمة، لا حصرها بشركة واحدة. وهذا ما ينبغي اعتماده في مختلف الخدمات والقطاعات تجنبا للاحتكار وتكرار تكريس الموارد العامة لقلة تغتني على حساب مصلحة المواطن والخزينة.ولكن أضعف الإيمان هو فتح مجال المنافسة بكل حرية وشفافية لكل من يريد أن يقدم هذه الخدمة في لبنان. فعدا عن كون المنافسة تخفض الأسعار وتحسن الخدمات، يُعتبَر اعتماد المحفظة الإلكترونية حاجة لا ترفاً في لبنان، خصوصا في ظل تفشي الاقتصاد النقدي ومخاطر وضع لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وعلى الرغم من حاجة لبنان إلى تعزيز التنافسية، لا ننفك نرى أن كلاً من “ألفا” وـ “تاتش”، أو من يديرهما فعليا لا نظريا، لا يحترمان شروط تلزيم الخدمات التي تقدم عبرهما. فهي تحاك على قياس قلة لضمان درّ ملايين الدولارات على المحسوبيات، الأمر الذي يقوّض ثقة المستثمرين بالعمل في لبنان. ويعود ذلك إلى كون التلزيمات تتم بالمحاباة من أعلى الهرم ومن دون المرور بالهيئات الرقابية وبطريقة تفتح المجال للشك في مؤسسات الدولة التحكيمية وحكمها بالعدل في حال وقوع أي إشكال مع الجهة الشارية. ويحدث ذلك خصوصا إن كانت هذه الأخيرة لا تحترم ما تضعه أو توافق عليه من قوانين إصلاحية لتكريس المنافسة الحرة بوصفها مبدأً أساسيّاً من مبادئ تطوير الأعمال وتقديم أفضل الخدمات.

وفيما يلي نستعرض تفصيليا محاولة “ألفا” الالتفاف على قانون الشراء العام مع ما يستتبع مثل هذا التجاوز من نتائج.

 

فعالية تطبيق قانون الشراء العام على شركتي الهاتف الخليوي في ظل خضوعهما لسلطة الوزير بدل وصايته

لعلّ من ضمن إيجابيات قانون الشراء العام شمول أحكامه الشركات المملوكة من الدولة، والتي تتولى إدارة مرافق عامة، ومنها شركتا الهاتف الخليوي وفقا لأحكام المادة الثانية منه في عمليات الشراء التي تقوم بها للوازم والأشغال والخدمات بالاستناد إلى أحكام المادة الثالثة من هذا القانون. كما تخضع عمليات تلزيم الإيرادات التي تقوم بها الشركتان إلى رقابة هيئة الشراء العام، وتطبق على هذه العمليات القواعد الإجرائية التي تطبق على عمليات شراء اللوازم والأشغال والخدمات، عملاً بأحكام مذكرات هيئة الشراء العام ذات الصلة والمسندة إلى قانون المحاسبة العمومية.

وتُعتبَر الغاية من الرقابة التي تقوم بها هيئة الشراء العام على عمليات الشراء التي تقوم بها الشركتان وفقا لأحكام المادة ٧٦ من قانون الشراء العام هي تحقيق جدوى من الإنفاق وصولا إلى تحقيق القيمة مقابل المال.

ولا تبدو الرقابة على الشركتين سلسة. إذ يُفترَض أن يتم اتخاذ القرار على مستوى مجلسي إدارتهما باعتبارهما شركتين مستقلتين، وإن كانتا خاضعتين لوصاية وزير الاتصالات فيتخذه هذا الأخير في حلول غير مشروع محل هذين المجلسين. وفي موضوع تلزيم الـ A2P  المتعلق باستثمار مساحات لأرسال رسائل نصية من قبل شركات عبر الشبكتين، والمعروف بنظام الرسائل الصوتية، رفض وزير الاتصالات إلغاء المزايدة المجراة من تاتش خارج إطار قانون الشراء العام. وقد جاء ذلك الرفض رغم أن إيراداتها تقل بحوالي سبعة ملايين يورو عن إيرادات المزايدة المجراة من ألفا من ضمن قواعد قانون الشراء العام.  وفي موضوع الـ e- Wallet يريد الوزير أن يبدأ من ألفا بتلزيم شركة محددة بالتراضي دون إجراء منافسة.

وتتوفر خدمة الـ e- Wallet    او المحفظة الإلكترونية في العديد من الدول وتدخل معظمها ضمن مهمات شركات الاتصال، وهي في الغالب شركات عامة أي شركات تجارية مملوكة من القطاع العام.

وتتمثل تفاصيل الخدمة في أن يقوم المشترك بفتح حساب له عبر مقدمها يغذيه بالأموال مباشرة أو من خلال التحويل من حساب مصرفي له ويؤدي نفقاته من هذا الحساب حيث وجد أو يحول منه إلى حسابات أخرى عبر تطبيق موجود على هاتفه الخليوي.

وتقدم معظم دول العالم خدمة e- Wallet  عبر مشغلي شركات الخلوي مباشرة، وهذا ما دفع هيئة الشراء العام في لبنان إلى توصية شركتي الهاتف الخليوي  بتقديم الخدمة مباشرة من خلال الحصول على التراخيص اللازمة من مصرف لبنان وتهيئة الهيكل الإداري والتنظيمي اللازم. وبذلك تحصّل الشركتان كل المداخيل الناتجة عن هذه الخدمة بدلاً من الاكتفاء بالحصول على نسبة مئوية منها، كما تحميان قاعدة بيانات المشتركين، وإن احتاجتا استطرادا إلى شراء خبرات للقيام بهذه الخدمة كان ذلك وفقا لقواعد قانون الشراء العام وأحكامه.

وفيما اتجهت شركة ألفا إلى خيار التعاقد مباشرة مع شركة “سيول” لتأمين   خدمة الـ e- Wallet  بذريعة أن الشركة هي الوحيدة القادرة على أداء هذه الخدمة؛ وإن تبين لاحقا وجود شركات أخرى يتم التعاقد معها لهذا الغرض. وقد رفضت هيئة الشراء العام رفضا قاطعا مطلب التعاقد بالتراضي الذي تقدمت به ألفا ودافعت عنه إدارتها وطلبت منها عدم السير في إجراء يخالف قواعد المنافسة والعلنية والشفافية المعتبرة بموجب المادة الأولى من قانون الشراء العام من الانتظام العام. إذ لا يجوز بموجب هذه المادة الاتفاق على مخالفة هذه المبادئ ولا تفسير أي نص في قانون الشراء العام بما يخالفها.

وتقوم شركة تاتش بإعداد دفتر شروط لتلزيم تقديم خدمة الـ e- Wallet  عبر شبكتها، وستكون نسبة العمولة التي تحصل عليها الشركة عنصر المفاضلة الأساسي. وستقوم الشركة بإرسال دراسة سوق إلى هيئة الشراء العام تثبت وجود العديد من الشركات القادرة على تنفيذ هذه الخدمة والمرخص لها من مصرف لبنان بذلك . كما ستقوم الشركة بتقديم دراسة تثبت عدم قدرتها على تقديم الخدمة مباشرة للمشتركين لافتقارها إلى الأداة القانونية (الترخيص من مصرف لبنان) كما المقدرات البشرية والتقنية.

إذن يبقى الخيار الأساسي لهيئة الشراء العام أن تتولى شركتا الخليوي تقديم هذه الخدمة مباشرة باعتبار أن ذلك يرفد الخزينة بأموال إضافية ويحمي المعلومات المتعلقة بالمشتركين، بخلاف تسليم الخدمة لشركات تقوم بتقديمها لمشتركي الشركتين انطلاقا من بياناتهما. ويؤكد وزير الاتصالات صعوبة تنفيذ هذا الخيار لصعوبة حصول الشركتين على ترخيص من مصرف لبنان وضعف كوادرهما الفنية والإدارية لتولي هذه المهمة.

وقد أكّد الرأي الذي أعطته هيئة الشراء العام لشركة تاتش خلال شهر أيلول الماضي على ما يلي: «بما أنه يستحق للشركة عائدات معينة عن كل عملية ناجزة يقوم بها أي مشترك بالتطبيق، وهناك عدة شركات قدمت عروضاً، وهي قادرة على إطلاق هذه الخدمة لصالح مستخدمي الشركة، وبالتالي المشروع على النحو المعروض ينطوي على خدمة لقاء مبلغ يحتسب بنسبة مئوية يدفع للجهة الشارية، فإن موضوع الـ E-WALLET على النحو المعروض، خاضع لقانون الشراء العام.”

فهل سيلتزم الوزير بتوصيات هيئة الشراء العام أم سيذهب إلى مجلس الوزراء للعمل بما يخالف مضمونها؟

فريق المعهد اللبناني لدراسات السوق