خاص LIMSLB: وزارة الطاقة تفشل خمس مرات في إجراء مناقصة لترحيل مواد كيميائية قد تهدد السلامة العامة

مواد كيميائية

أطلقت وزارة الطاقة والمياه مطلع هذا العام مناقصة عمومية لترحيل مواد كيميائية من حرم منشآت النفط في طرابلس والزهراني. إلا ان فشل هذه المناقصة، لأسباب لم يعلن عنها صراحة كما يفرض القانون، دفع الوزارة لإطلاقها مراراً وتكراراً، حتى وصل العدد التراكمي للمناقصات خمسة في فترة أقل من خمسة أشهر.


يحار المراقب في كيفية تعاطي وزارة الطاقة والمياه، مع قانون الشراء العام. فالاستنسابية “الفاضحة” في تحديد ماهية الصفقات التي تخضع للمناقصات أو لا تخضع وتفصيل دفاتر شروط على قياس شركات محددة وغياب الشفافية وتقصير مهل الإعلان عن العروض ومحاولة فرض عارضين محددين تحت حجج واهية تتعلق بضغط المهل… تدفعنا إلى ثلاثة استنتاجات لا رابع لها:

  • إما أن تكون وزارة الطاقة والمياه تواجه مشكلة في فقه قانون الشراء العام ويعاني كوادرها ممن يعدون المناقصات قصورا في فهم مواده “البسيطة” المفسرة بطريقة واضحة لكل من يقرأها.
  • إما أن تكون ثمة مشكلة في القانون بحد ذاته وأن يكون عصيّاً على الفهم والتطبيق.
  • وإما أن يكون ثمة سوء نية وتعمُّد في خرق القانون وعدم الالتزام به استجداء للمنفعة الشخصية بدلا من تحقيق الصالح العام.


“خمّست” وزارة الطاقة المناقصات منذ بداية العام الحالي دون أن تنجح حتى الساعة في استقطاب عروض لا تشوبها عيوب لنقل مواد كيميائية بالغة الحساسية. فقد أطلقت خمس مناقصات ووجِهَت بالرفض في كل مرة لعيوب جوهرية تشوبها أو لإحجام العارضين عن التقدم أو لنقص في الملفات. وعلى الرغم من لفت هيئة الشراء العام نظر وزارة الطاقة إلى أن بإمكانها التعاقد بالتراضي لترحيل المواد الخطرة وفقا للمادة 46 من قانون الشراء العام، إلا أن الوزارة ما زالت تصر على فتح مناقصات قد لا تنجح في عقدها، قبل وقوع المحظور.

 

ولعلّ المشكلة التي تتكرر باستمرار في مخالفة وزارة الطاقة لقانون الشراء العام في فتح المناقصات لا تتعلق بتحول الوزير إلى “ملك” على وزارته في ظل البيروقراطية المدعومة بغطاء سياسي وغياب الهيئات الناظمة فحسب، بل كذلك بـ “تعدي” الوزارة على ما ليس لها شأن به. فليخبرنا أحد ما حاجة إدارة وزارة الطاقة “منشآت نفطية” لا تستورد نقطة فيول، وفي حال استوردت تكون الصفقات مشوبة بالفساد والمحاباة ولا تخدم بأي شكل من الأشكال مصلحة المواطن. أما تخزين المواد في هذه المنشآت، فعادة ما يعرضها للسرقة من أهل البيت والمتطاولين على الملك العام. وقد شاهدنا قبل فترة ابتداع اللصوص طرقاً عجيبة في سرقة المواد من المنشآت النفطية في الشمال. ولحل هذه المشكلة إلى غير رجعة، يتوجب على الدولة عرض المنشآت النفطية للتلزيم مقابل بدل على طريقة التلزيم لشركات مهتمة أو حتى عبر عقود (الهندسة والشراء والبناء –  EPC) أو من خلال خصخصتها. إذ يكمن دور وزارة الطاقة في إنشاء الهيئة الناظمة للقطاع، أما دور الأخير فهو الإشراف على تطويره الشركات وحسن عملها والترخيص لها لتقوم بالاستثمار في شتى المجالات بما يعود بالفائدة على الاقتصاد. ولا يخدم تدخل وزارة الطاقة واحتكارها منشآت نفطية وتسلطها على صفقات فيول معامل الكهرباء وتدخلها بالمناقصات الهدف من وجود وزارة طاقة ولا يعود بأي منفعة تُذكَر على الاقتصاد ولا على المواطن.

وفيما يلي دليل على خطورة استمرار تحكم وزارة الطاقة في منشآت النفط. وليست الخطورة مادية هذه المرة، بل قد تمتد لتتسبب في أضرار صحية وجسدية بحق المواطنين، فهل من يعتبر؟!

بتاريخ ١٥-٠١-٢٠٢٤ أعلنت وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط – عن مناقصة عمومية لترحيل مواد كيميائية من حرم منشآت النفط في طرابلس والزهراني وحُدِّد موعد التلزيم بتاريخ ٠٥-٠٢-٢٠٢٤ في مكاتب وزارة الطاقة والمياه- المديرية العامة للنفط- منشآت النفط في طرابلس والزهراني وبيروت، كورنيش النهر. ولم يُنشَر الإعلان على الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام حيث نشر الإعلان بالرقم ٥١/ ٢٠٢٤، أي إشارة إلى نتيجة هذا التلزيم. ويبدو أن هذا التلزيم لم ينجح، إلا أن الوزارة لم تكلف نفسها نشر أسباب ذلك، مخالِفةً مرة أخرى قانون الشراء العام وحق الوصول إلى المعلومات.

بتاريخ ١٦-٠٢-٢٠٢٤ أعلنت وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط – مجددا عن مناقصة عمومية لترحيل مواد كيميائية من حرم منشآت النفط في طرابلس والزهراني. وقد نُشِر الإعلان برقم ١٦٨/٢٠٢٤ وحدد موعد التلزيم بتاريخ ٢٦-٠٢-٢٠٢٤.

بتاريخ ٢٢/٢/٢٠٢٤، طلبت هيئة الشراء العام بموجب كتابها رقم ٩٨/هـ.ش.ع./٢٠٢٤ إلى وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط -تصحيح الخلل في إجراءات المناقصة المتعلقة بترحيل مواد كيميائية المعلن عنها على موقع هيئة الشراء العام الإلكتروني بالرقم ١٦٨/٢٠٢٤. وقد ورد في كتاب هيئة الشراء العام   ما يلي: «على أنه في حال كانت المواد موضوع هذه المناقصة من الخطورة بمكان بحيث لا يحتمل ترحيلها التأجيل، وذلك على مسؤولية الجهة الشارية دون سواها وفقاً لقواعد الاختصاص، فإنه بإمكان هذه الجهة اللجوء إلى التعاقد المباشر وفقاً لأحكام المادة ٤٦ من قانون الشراء العام….». فقد تبين لهيئة الشراء العام وجود إجراءات فسخ لعقد وإقصاء لأحد الملتزمين دون اتباع المسار القانوني الصحيح.

ألغت وزارة الطاقة والمياه -المديرية العامة للنفط- بناءً على الأسباب الواردة في كتاب هيئة الشراء العام رقم ٩٨/هـ.ش.ع./٢٠٢٤ تاريخ ٢٢/٢/٢٠٢٤ مناقصة ٢٦-٠٢-٢٠٢٤، وقررت الوزارة على كامل مسؤوليتها أن وضع المواد يسمح بإجراء مناقصة، فعادت وأعلنت عن المناقصة مجددا على موقع هيئة الشراء العام الإلكتروني بالرقم ٢٠٠/٢٠٢٤ بتاريخ ٢٦/٢/٢٠٢٤ وحددت موعد فض العروض بتاريخ ١٢/٣/٢٠٢٤. ولكن عملية التلزيم لم تحصل بسبب عيوب جوهرية أصابت عملية التلزيم، لعلّ أهمها وضع العارض التأمين المؤقت نقدا في ظرف ضمن عرضه بدل إيداعه صندوق الخزينة أو تقديم تأمين مصرفي، ما جعل لجنة التلزيم تلجأ إلى إلغاء المناقصة. وقد أكد مندوب هيئة الشراء العام الذي حضر الجلسة على إمكانية التعاقد المباشر لترحيل المواد فوراً ودون انتظار إجراء مناقصة في حال خطورتها وفقاً لما ورد في كتاب هيئة الشراء العام تاريخ ٢٢/٢/٢٠٢٤المذكور أعلاه.

عادت وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط- لتعلن مجددا عن المناقصة للمرة الرابعة بتاريخ ٢٨-٣-٢٠٢٤ على موقع هيئة الشراء العام الإلكتروني بالرقم ٣٢٩/٢٠٢٤، وحددت موعد جلسة التلزيم بتاريخ ١٨/٤/٢٠٢٤، ثم مددته في ما بعد إلى تاريخ ٢٣/٤/٢٠٢٤ كما تفعل دائما في كل تلزيماتها (تحدد مهلا قصيرة ثم تمددها بعد تقديم العروض)، إتاحةً للعارضين المحتملين مهل استيضاح كافية كما قالت.

لم تلتزم الجهة الشارية بكامل إرشادات هيئة الشراء العام بخصوص شروط المناقصة. وقد تقدم تحالف شركتين لهذه المناقصة، لكن الجهة الشارية عمدت إلى إلغاء التلزيم. وبحسب نتيجة الإلغاء، لم يستوفِ العارضان المشاركان الشروط الإدارية. كما أدلت الجهة الشارية أن أحد أسباب عدم استيفاء العارضين لهذه الشروط هو الشرط الذي أدرج في دفتر الشروط بخصوص تقديم العارض شهادة تأسيس للشركة (التي تتعاطى أعمال المناقصة) تبين أنه قد تم تأسيسها منذ أكثر من ٥ سنوات من تاريخ جلسة التلزيم.

 

عادت وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط- لتعلن مجددا عن المناقصة للمرة الخامسة بتاريخ ٠٩-٠٥-٢٠٢٤ على موقع هيئة الشراء العام الإلكتروني بالرقم ٤٩٢/٢٠٢٤، وحددت موعد جلسة التلزيم بتاريخ ٢٤-٠٥- ٢٠٢٤. وقد تقدم ٣ عارضين للمناقصة واستُبعد أحدهم لنقص جوهري في المستندات الإدارية فيما أُمهل العارضَين الآخرَين لغاية نهار الاثنين في ٣/٦/٢٠٢٤ عند الساعة ١١ صباحاً لاستكمال مستندات ناقصة أو غير مصدقة وفقاً لأحكام دفتر الشروط.

وفي انتظار البت في الاستكمال و”البت في البت” أي تدقيق الملف من قبل هيئة الشراء العام عملا بموجباتها المنصوص عليها في المادة ٧٦ من قانون الشراء العام، نرى أنّ المهم أن تفوز بهذه المناقصة شركة قادرة على التنفيذ وترحيل المواد. فهل سيكون ذلك ممكنا في ظل دفتر شروط يفتقر إلى الدقة والوضوح من الناحية الفنية لا يحدد الكميات المطلوب ترحيلها وطبيعتها ويشترط الحصول على موافقات مبدئية على الترحيل؟

تجدر الإشارة إلى أن هيئة الشراء العام قد أكدت في بيان عبر الوكالة الوطنية للإعلام بتاريخ ٠١-٠٥-٢٠٢٤ على ضرورة احترام قانون الشراء العام في أي خيار تعتمده وزارة الطاقة والمياه وأي جهة أخرى خاضعة لأحكامه. كما أكدت أن هذا القانون يسمح لوزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان، عند الاقتضاء، بإزالة أي مواد خطرة أو سامة بالتعاقد المباشر عند توفر الشروط الاستثنائية. وقد أشارت الهيئة أيضاً إلى أن الوزارة ومؤسسة كهرباء لبنان، في ما يتعلق بمعمل الذوق الحراري ومنشآت النفط في طرابلس والزهراني أو أي مكان آخر يقع ضمن اختصاصهما قد توجد فيه مثل هذه المواد، هما المسؤولتان عن اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب وفقاً لطبيعة هذه المواد ودرجة خطورتها. وكما أوضحت الهيئة مراراً وتكراراً لكل من وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان، لا يحول قانون الشراء العام دون تمتعهما باتخاذ القرار المناسب، كما أعلمتهما أنّ التأخير والمماطلة والإعادة دون إفادة كلّها أمور على مسؤوليتهما الخاصة.

فريق المعهد اللبناني لدراسات السوق