يُفتَح مراراً ملفّ إيصال النفط العراقي إلى لبنان بهدف إعادة تصديره. وتُكرّر وزارة النفط العراقية أنّها “تدرس إمكان تصدير النفط عبر مرفأ طرابلس“. ولإضفاء الجديّة على هذا الطرح، تؤكّد الوزارة أنّها “ستدرس تجديد الأنبوب الخاص بتصدير النفط بين العراق وسوريا”. وعلى المستوى اللبناني، كان هذا الملفّ محطّ نقاش مع وزارة النفط العراقية في أيار الماضي عبر وفد لبناني ضمّ وزيري المالية ياسين جابر والطاقة والمياه جو صدي. لكن على المستوى التنفيذي، ليس من السهل حالياً إعداد الأرضية المناسبة لاستقبال النفط العراقي في لبنان، فهل أضاعت الطبقة السياسية بفسادها فرصة تساهم في إنعاش لبنان اقتصادياً؟
[…]
أوهام ووعود
الحاجة كبيرة والوعود كثيرة والفساد هائل. بهذه الصفات يمكن تلخيص الواقع المرتبط بتوريد النفط العراقي إلى لبنان. فالطبقة السياسية دأبت منذ عقود على “بيع الأوهام والأحلام وإطلاق الوعود الوردية” على حدّ توصيف المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، الذي كان في عداد الوفد اللبناني الذي بحث ملف توريد النفط العراقي إلى لبنان بوصفه مستشاراً لوزير المالية.
ويرى بيضون في حديث إلى “المدن” أنّ مشروع توريد النفط العراقي إلى لبنان وإعادة تصديره عبر مرفأ طرابلس “هو حاجة للبنان، لكنه مشروع طويل الأمد، ولا شيء على المدى القريب يدعو للاعتقاد أنّ المشروع يحلّ مشكلتنا الاقتصادية”.
لكن لو أنّ الحكومات المتعاقبة أهّلَت على مدى سنوات، أنابيبَ منشآت النفط في طرابلس وخزاناتها “لكانت وفَّرَت الكثير اليوم؛ إذ تزداد قدرة لبنان على تخزين النفط وإعادة تصديره. فضلاً عن أنّ التخزين بكميات كبيرة، يتيح للبنان شراء النفط عند انخفاض أسعاره عالمياً، وتخزينه لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان على سبيل المثال، وهو ما يتيح زيادة إنتاج الكهرباء وتخفيف الأعباء المالية على المؤسسة”. لكن برأي بيضون “لا يوجد عقلانية في إدارة هذ الملف؛ بل هناك مناقصات سريعة لتحقيق المنافع الخاصة”.
لا إجراءات جدية وعملية حتى الآن في ملفّ توريد النفط العراقي إلى لبنان. لكن استمرار الطرح من الجانب العراقي واستمرار التقاعس اللبناني، يشي بأنّ إتمام العملية ليس يسيراً، فالمسألة لا تتعلّق فقط بالإجراءات التقنية وتأهيل المنشآت والرغبة العراقية؛ بل أيضاً تنسحب إلى سلطة شبكة تدير حركة استيراد النفط في لبنان، فهل سيرضى النافذون إيصال نفط عراقي قد تؤدّي معالجته في مصفاة طرابلس وإمكان توفير كميات خاصة للسوق المحلّي، إلى التأثير على أرباحهم الحالية من استيراد النفط؟
ولذلك، إنّ الحديث عن تحويل لبنان إلى محطّة لتصدير النفط العراقي، محفوف بالمخاطر التي قد “تؤذي” تجارة النافذين في هذا القطاع، وهو الأمر الذي ينذر باحتمال إخفاق المشروع مستقبلاً، ليس على نحوٍ صريح؛ إنما بالكثير من التسويف والمماطلة والعراقيل التي لا تحتاج إلى جهد لابتداعها في ظل الظروف الراهنة التي تولِّد الأزمات سريعاً.