أزمة الكهرباء: حدثان “طاقويّان” ظاهرهما مشعشع وباطنهما موضع تساؤل!

الكهرباء

… وأخيراً سلّم المسؤولون اللبنانيون بأنّه من المستحيل حلّ أزمة الكهرباء من دون نزع القابس من المعامل الحرارية المركزية، ووضعه في مقبس الطاقة المتجددة المنتجة مناطقياً. إذ عدا مراعاة الطريقة الأخيرة مع “الحياد الصفري المناخي” على الصعيد العالمي، فقد أصبحت على الصعيد المحلّي ملزِمة نتيجة عجز لبنان عن شراء الوقود الأحفوري مهما رُفعت التعرفة. ولعلّ هذه الطريقة تحقّق الإصلاح المنشود لقطاع الطاقة الذي كلّف الاقتصاد 40 مليار دولار، بسلاسة، ومن دون ضغط الخطط التقليدية العصيّة عن التطبيق لعشرات الأسباب والمعوّقات.

من خارج “نغمة” بناء المزيد من المعامل الحرارية الجديدة، أو العودة إلى “الحلّ المؤقّت”، الذي يسمح بوضع المزيد من الميغاواط على الشبكة إلى حين تحقيق الأهداف، أعاد وزير الطاقة السابق، النائب سيزار أبي خليل المناداة بلامركزية الإنتاج. وقد اعتبر أبي خليل في تصريح من المجلس النيابي أنّ “التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي سبق أن تقدّما باقتراح قانون بشأن لامركزية انتاج الطاقة الكهربائية قبل ثلاث سنوات. وهو اقتراح مدروس ومفصّل ويسمح للبلديات واتحادات البلديات بالتعاقد مع القطاع الخاص لإنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها في نطاقهم وجباية العائدات وبيع فائض الطاقة إلى مؤسسة كهرباء لبنان لتوزعها على القرى الصغيرة الأخرى”. ووقت كان يصدح صوت أبي خليل من البرلمان، كانت وزارة الطاقة والمياه تعلن عن إطلاق مناقصة عمومية، عبر هيئة الشراء العام، لبناء محطّة طاقة شمسية بقدرة 8 ميغاواط. واختارت الوزارة بناء المحطة فوق نهر بيروت، استكمالاً للمحطة الأولى على مجرى النهر، والتي تولّد طاقة بقدرة 1 ميغاواط.


أسئلة المراقبين

الحدثان الطاقويان، على أهمّيتهما، دفعا المراقبين إلى التوقّف مليّاً عند خلفيتهما. فـ”الطرح المهم للنائب أبي خليل لم يأت من اقتناع عميق بجدوى الفكرة”، بحسب مصادر متابعة، إنّما على خلفية “الإيقاف المتعمّد للمعامل الكبيرة لخطّة الكهرباء الأساسية بعد الإفشال المتعمد لمقدّمي خدمات التوزيع”، على حدّ تعبيره. في حين أنّ مشروع وزارة الطاقة بقدرة 8 ميغاواط يضاف إلى 1 ميغا المنتج سابقاً، سيوضع على شبكة الكهرباء العامة، وسيذهب نصفه إهداراً. ذلك أنّ نسبة الهدر الفني (تقادم الشبكة، والفوترة) وغير الفني (السرقة) تشكّل أكثر من 50 في المئة. هذا عدا أنّ هذه الكمية الصغيرة المنتجة 24/24، تتطلب استقراراً ثابتاً على الشبكة، للاستفادة منها. وهذا أمر مستحيل في ظلّ عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين أكثر من 4 ساعات تغذية في اليوم في أحسن الأحوال. واستغرب المتابعون قول وزير الطاقة والمياه وليد فياض إنّ “الكمّية المنتجة فردياً من الطاقة الشمسية والبالغة 1500 ميغاواط تشكّل 20 في المئة من استهلاك الطاقة في لبنان”. وهذا يعني بناء على هذه الحسابات أنّ حاجة لبنان هي 7500 ميغاواط، في حين أنّ جميع الأرقام عن حاجة لبنان إلى الطاقة لا تتجاوز 4000 ميغاواط في أيام الذروة. فهل أخطاً فياض حسابياً أم أنّ هناك غاية ما من تعظيم حاجة لبنان إلى الكهرباء؟ كأن نقول مثلًا إنّه مهما انتجنا من مصادر الطاقة المتجددة فسيبقى هناك حاجة إلى بناء المعامل الجديدة، ومنها “سلعاتا” الذي لا تزال أوراقه في أدراج الوزارة؟

التعاون بين البلديات والقطاع الخاص في إنتاج الكهرباء

في جميع الحالات، فإنّ “التعمّق في طرح النائب سيزار أبي خليل، يبيّن أنّ انتاج القطاع الخاص الكهرباء بالتعاون مع البلديات وتوزيعها على المواطنين. ومن ثم بيع الفائض، إذا تحقّق للدولة، يمكن تحقيقه بالاعتماد على شبكة كهرباء خاصة، الأرجح والأوفر أن تكون تلك التابعة إلى المولّدات الخاصة المنتشرة في كلّ قرية ومنطقة”، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني. وبالتالي فإنْ كان جوهر الطرح هو تحويل أصحاب المولدات الخاصة إلى موزعين، ووضع الكمية المنتجة من مصادر الطاقة النظيفة على شبكة خاصة بعيداً عن تدخل الدولة من حيث التسعير وتحديد الكمية المنتجة، فهو طرح ممتاز، ويعتبر 3 بـ 1، فهو:

– يؤمّن الكهرباء 24/24 بكلفة متدنية جداً قياساً إلى تعرفتي مؤسسة الكهرباء والمولّدات.

– يحوّل أصحاب المولدات إلى شركاء في الحلّ. خصوصاً أنّ هذا القطاع أصبح امراً واقعاً.

– يشجّع الاستثمارات ويستولد فرص عمل ويقضي على الاحتكار في القطاع الذي لم يولّد إلّا المشكلات.

العبرة في التطبيق

إلّا أنّ المشكلة، برأي مارديني الذي يعمل معهده منذ سنوات طويلة على ترسيخ فكرة لامركزية الإنتاج بالتعاون مع البلديات، تكمن “في التعارض مع جوهر الخطط التي تطرحها وزارة الطاقة، وطريقة عملها”، والتي، للمناسبة، ينتمي الوزير أبي خليل إلى تيارها السياسي نفسه. وهذا ما يتطلّب من وجهة نظره “مراجعة مقترح القانون الذي تحدث عنه أبي خليل، لأنّ “الشيطان يكمن في التفاصيل”، كما يقال. بمعنى أنّه قد تكون هناك قطبة مخفية لا تصبّ في المصلحة العامة في نهاية المطاف. “إذ غالباً ما يسوّق للقوانين على أساس أنّها الأفضل، ثم نصطدم بالتفاصيل التي قد تحمل ثُغراً معيّنة ضررها أكبر من فائدتها”.

تعظيم الاستفادة من القروض الدولية

خلافاً لطرح أبي خليل الجيد في الشكل، والذي يحتاج إلى توضيح أكبر بالمضمون، فإنّ المشروع الجديد لإنشاء مزرعة للطاقة الشمسية بتمويل من البنك الدولي وبقيمة تصل إلى نحو 250 مليون دولار، يحمل مشكلتين في الشكل والمضمون.

ففي الشكل، هناك شكوك دائماً في المشاريع التي تنفذها وزارة الطاقة. لأنها لا تصل إلى خواتيم سعيدة غالباً. وإذا سلّمنا جدلاً بقدرة “الطاقة” على إطلاق مناقصة شفافة تراعي أصول المنافسة، وتضع دفتر شروط غير مفصّل على قياس عارضين محددين، فإنّ المشاريع التي تسلّمتها “الطاقة” بتمويل من البنك الدولي تحديداً لم تكن ناجحة، والسدود خير مثال على ذلك. هذا عدا بقية المشاريع المتّصلة بـ “هوا عكار”، ومقدّمي الخدمات…

أمّا في المضمون فإنّ “تأمين قرض دولي للطاقة المتجدّدة أمر يمكن البناء عليه”، بحسب مارديني. “في حال توظيفه مع مؤسسات مالية تموّل تنفيذ أكثر من مشروع على الصعيد المحلّي بالتعاون مع البلديات. وتكون هذه الخطوة اللبنة الأولى لطرح زميل فياض الوزير أبي خليل المذكور أعلاه”. وهذه الطريقة أفضل بما لا يقاس من أن تعطى وزارة الطاقة الأموال ونعود إلى مشكلة التلزيمات التي تشوبها شبهات الفساد ومشكلات الصفقات العمومية.

بشكل عام، فإن مختلف القوى السياسية أصبحت على اقتناع تامّ بضرورة تغيير نهج التعاطي مع ملف الطاقة. ومع انضمام التيار الوطني الحر يصبح هناك إجماع على ضرورة الانتقال من مركزية الإنتاج والتوزيع إلى اللامركزية بالاعتماد على الطاقة النظيفة. وهو حلّ جوهري. إلّا أنّ العبرة تبقى في التنفيذ. 

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الصفا نيوز