لا شك ان قرار النائب العام التمييزي بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة قبل ثلاثة أيام، شكل سابقة لا يمكن حصرها فقط بالملف القضائي، المتعلق بالمخالفات والاتهامات المالية بحقه، ولا يندرج كذلك ضمن حملة مكافحة الفساد التي لم تبدأ بعد، ويرجح انها لن تبدأ في المدى المنظور رغم الضغوطات الدولية والطلبات الملحة لصندوق النقد الدولي دون جدوى، وذلك بسبب استئثار زعماء الطوائف في لبنان بالسلطة ومنافعها، وعدم رغبتهم بالتنازل عنها تحت أي ظرف، حتى لو استمر البلد في مسار الانحدار الاقتصادي حتى الانهيار الكامل.
خطر اللائحة الرمادية
ورأت مصادر مطلعة ل”جنوبية”، ان “خطر إدراج لبنان على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي الدولية، قد يكون هو الدافع الاول الذي دفع السلطة السياسية في لبنان للايعاز الى القضاء بتوقيف سلامة، بوصفها اشارة اولية يمكن البناء عليها من اجل استعادة الثقة وبدء التعاون مع صندوق النقد الدولي”. ولفتت الى انه “لا بد من الالتزام بالتوصيات الاخرى لصندوق النقد، من اجل العمل على خروج لبنان من ازمته المالية الاقتصادية وهي، تطبيق الحوكمة في مصرف لبنان بالبيانات المالية، القيام بملاحقات جديّة بموضوع مكافحة تبييض الأموال والجرائم المالية، كذلك الالتزام بالتعديلات التي حصلت بموضوع رفع السريّة المصرفية كلها، قد تكون متطلبات جديّة لعدم تخفيض تصنيف لبنان ووضعه على اللائحة الرمادية”.
وكان منصوري قال في “الملتقى السنوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إن “قرار مجموعة العمل المالي FATF سوف يقرّ في الخريف المقبل، ونحن لانزال نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على القائمة الرمادية. ويظهر تقرير التقييم المنجز من المجموعة الإقليمية، وجوب مبادرة السلطات المحلية إلى إجراء تحسينات جوهرية في حزمة من التوصيات الأساسية وهذا يتطلب إجراء بعض التعديلات في القوانين والتدابير النافذة، بما يتناسب مع مقتضيات الامتثال لكامل المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال”.
“اللائحة الرمادية”
ما هي اللائحة الرمادية؟ يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني، عبر “جنوبية”، “ان اللائحة الرمادية تصدرها “مجموعة العمل المالي” الحكومية الدولية، التي تهتم بتقييم المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووضع بلدان من قبل تلك المجموعة باللائحة الرمادية، يعني أن تلك البلدان تحتوي على مخاطر حقيقية لتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب”.
ومن مخاطر وضع لبنان على تلك اللائحة حسب الدكتور مارديني انه “يؤدي إلى أن تصبح التعاملات المالية مع لبنان أصعب، ويعيق التحويلات المالية، وبالتالي فإن دخول الرساميل إلى لبنان يصبح صعباً، والاستثمارات وحتى الاستيراد والتصدير تصبح عملياتها صعبة، لأن المصارف الأجنبية المراسلة التي تجري التحويلات عبرها، سوف تبذل جهوداً مضاعفة من أجل التأكد من صحة التحويلات، وبراءة أصحابها من تبييض الأموال والارتباط بالإرهاب، وبالتالي فان من شأن ذلك، ان يزيد الكلفة على البنوك المراسلة وسوف يتحملها الزبائن تبعاً لذلك”.
وأشار مارديني الى سبب رئيسي جعل لبنان بمواجهة مجموعة العمل الدولية وهو “سيطرة الاقتصاد النقدي بعد أزمة المصارف اللبنانية والمقدر حجمه بـ50% من السوق اللبناني، وسبق أن وُضع لبنان سابقاً في اللائحة الرمادية قبل سنوات من الازمة، فقامت المصارف بإجراءات صائبة وسريعة أدت إلى خروج لبنان من هذه اللائحة”.
وأردف”: فهناك حوالى 23 بندا يجب أن يلتزم بها لبنان كي يخرج من اللائحة الرمادية في حال وضعه بها من قبل مجموعة العمل المالي الدولية، ولكن البلد اليوم في ظل الأزمة وانهيار النظام المصرفي، وفي ظل اقتصاد “الكاش”، والعمليات المالية التي أصبحت تجري خارج المصارف، فان من شأنه ان يعقّد عملية الالتزام بالمعايير الدولية”.
واضاف”: وبالتالي يمكن أن تشمل هذه المرة أية إجراءات تقوم بها الدولة اللبنانية لتصحيح الخلل، أن تشمل تجار الاسواق كتجار الذهب مثلا، وأن يكون لبنان ملتزما بالقرارات المالية والقضائية الدولية، فلا يمكن ان لا يلتزم لبنان، بالعقوبات التي تفرضها الجهات الدولية على افراد ومؤسسات، بتهم غسيل الاموال او مكافحة الارهاب، كما جرى في كثير من الاحيان بالماضي”.
وخلص مارديني تبعا لذلك “ان الحركة التجارية في لبنان سوف تتأثر سلباً في حال وضع لبنان على اللائحة الرمادية، فيضعفها وتصبح السلع أكثر كلفة وغلاء، مما يزيد من الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها لبنان”.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع جنوبية