تتصدر أزمة الكهرباء في لبنان المشهد العام، مثيرةً تساؤلات حادة حول الأسباب الكامنة وراء الاعتماد المستمر على الحلول الترقيعية المؤقتة، والتأخر الدائم في مواجهة خطر العتمة الشاملة حتى اللحظات الأخيرة. يعزى السبب الجوهري لهذه الأزمة المستعصية إلى سوء الإدارة المزمن والنهج المعوج الذي يهيمن على قطاع الطاقة والكهرباء منذ عقود طويلة.
تتفاقم المشكلة وتتكرر بصورة دورية نتيجة الإخفاق المستمر في معالجة الأسباب الجذرية وتجاهل الحقائق الصارخة للأزمة. تواجه مؤسسة كهرباء لبنان معضلة خطيرة تتمثل في فقدان ما يزيد عن 60% من إنتاجها في ظل الظروف الراهنة، مما يقوض قدرتها على استرداد أكثر من 40% من قيمة الإنتاج، بغض النظر عن حجم التمويل المتاح.
استمر التباطؤ في رفع تعرفة الكهرباء لفترة طويلة، ليتم في النهاية تنفيذ زيادة وصفت بالجائرة وغير المدروسة. أدى هذا الارتفاع الحاد في التعرفة إلى اختناق اقتصادي شامل، طال المواطنين والمؤسسات العامة وموازنة الدولة على حد سواء. يفرض هذا الوضع المتردي عبئاً مضاعفاً على المواطن الملتزم بالقانون، إذ يجد نفسه مضطراً لتحمل تكاليف استهلاك أولئك الذين يستجرون الكهرباء بطرق غير مشروعة.
يسود القطاع اتفاق ضمني بين الحكومة ومؤسسة كهرباء لبنان، يقضي بتحمل الحكومة لتكاليف النفط العراقي. يثير هذا الترتيب تساؤلات جدية حول مصير الأموال التي تحصلها المؤسسة، والتي يرجح أنها تتبدد في أوجه الهدر ومسارب الفساد المستشري في القطاع.
ينخر الفساد والهدر جسد القطاع، خاصة في مجالات التلزيمات والعقود. طُرحت هذه القضايا مراراً، لكن الوزارة دأبت على حماية المؤسسة ورفض إجراء التحقيقات اللازمة أو الخوض في تفاصيل هذه الممارسات. تبرز الحاجة الملحة إلى تقديم تقرير مالي شامل ودقيق يوضح النتائج المترتبة على رفع التعرفة.
تتضارب المعلومات حول حجم الأموال المتوفرة في مصرف لبنان، حيث تدعي المؤسسة امتلاكها لأرصدة ضخمة، بينما يؤكد المصرف أن جميع الأموال متاحة للاستخدام دون قيود. تكمن جذور المشكلة في سوء التنفيذ وضعف الإدارة والنهج المعيب الذي يحكم القطاع والمؤسسة، إضافة إلى التدخل المفرط للوزارة في الشؤون التشغيلية.
يثير الدهشة والاستغراب إشادة الحكومة بأداء الوزارة وإدارة المؤسسة رغم المشاكل الجلية والمتفاقمة. يستدعي هذا الوضع المتردي إجراء مراجعة شاملة وجذرية لآليات إدارة قطاع الكهرباء وأساليب عمله، مع ضرورة تبني نهج يتسم بالشفافية والكفاءة لمعالجة هذه الأزمة المستعصية التي طال أمدها.