خاص LIMSLB: وزراء يخضعون التلزيم في الصفقات العمومية لرغباتهم وأهوائهم

لجان

أدى نقل لجان التلزيم من إدارة المناقصات إلى الوزارات والإدارات إلى تفاقم الفساد في الصفقات العمومية. فقد نقل قانون الشراء، بذريعة تعزيز اللامركزية، صلاحيات تشكيل اللجان من إدارة المناقصات (التي أصبحت تعرف بـ: هيئة الشراء العام بعد إصدار القانون 244 في العام 2021) إلى الوزارات والجهات الشارية الأخرى. وقد ظنّ المشرّع بسذاجة أو سوء نية، وبتشجيع من الجهات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، أن هذه اللجان ستتصرف بنزاهة واستقلالية عن الوزراء كما تتصرف مثيلاتها في الدول التي استُنسِخ عنها قانون الشراء العام. إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك تماماً.

فقد شكلت مناقصة شراء الغاز أويل في وزارة الطاقة في كانون الأول 2023 مثالاً صارخاً على خضوع لجان التلزيم وفض العروض للوزراء. فقد تألفت هذه اللجنة من موظفين في وزارة الطاقة يدينون بالولاء المطلق للوزير أو يخشون على مستقبلهم الوظيفي فيما لو عارضوه، حتى بعد خروجه من الوزارة. ذلك أن وزراء الطاقة يُختارون من التيار السياسي نفسه. وعليه يصعب على الموظفين رفض أي طلب للوزير. أما من حيث المضمون، فقد وافقت هذه اللجنة، التي افترض قانون الشراء العام أن “تكون مستقلة وتتصرف بشكل مستقلّ عن الجهة الشارية في كل أعمالها وقراراتها”، على عدم تضمين دفتر شروط المناقصة التصريح عن صاحب الحق الاقتصادي للشركات العارضة، مخالفةً قانون الشراء العام لجهة الشفافية. كما سمحت اللجنة، التي يفترض أن تكون مستقلة ومحايدة، حضور وزير الطاقة وليد فياض جلسة فضّ العروض، وهو ما شكل ضغطاً معنوياً وفعلياً على أعضائها بما فيه من مخالفة لأصول الشراء وأدبياته.  

ولا تقتصر المخالفات على وزارة الطاقة والمياه، بل تتجاوزها إلى وزارات الاتصالات والأشغال والداخلية وغيرها. إذ تلحظ هيئة الشراء العام عدم مراعاة الأصول في الاتصالات والخلوي والمرفأ وغيرها من الجهات وانصياع لجان التلزيم لرغبات الوزراء وأهوائهم. ودائماً ما تتحول هذه اللجان من أداة لتسهيل الشراء الشفاف وتحقيق المصلحة العامة إلى وسيلة تعطيل إن لم يتوافق العرض مع مصالح المسؤولين. إذ تعمد إلى عرقلة العروض بشتى الطرق والأساليب.

لذا تقترح هذه الورقة إعادة لجان التلزيم وفض العروض إلى كنف هيئة الشراء العام من أجل تفادي حالات تضارب المصالح وتدخلات الوزراء التي نجمت عن القانون الجديد. ذلك أن هذه الهيئة أثبتت فعاليتها في كفّ يد السياسيين عن التدخل في عملها.

نقل لجان التلزيم إلى الوزارات. ارتكز قانون الشراء العام (القانون رقم ٢٤٤ تاريخ ١٩/٧/٢٠٢١ والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ ٢٩/٧/٢٠٢١ والذي بدأ العمل به اعتبارا من ٢٩/٧/٢٠٢٢ المعدل بالقانون رقم ٣٠٩ تاريخ ١٩-٠٤-٢٠٢٣ والمرسوم رقم ١١٣٣٩ تاريخ ٢٩-٠٥-٢٠٢٣) على قاعدة اللامركزية، أي نقل لجان التلزيم من إدارة المناقصات السابقة الذكر إلى الوزارات والجهات الشارية الأخرى مقابل ضمانات نصية وهمية. وقد نص القانون في معرض هذه الضمانات على تشكيل لجان المناقصات من أهل الخبرة والاختصاص وأن تتولّى هذه اللجان حصراً دراسة ملفات التأهيل المسبق وفتح العروض وتقييمها وبالتالي تحديد العرض الأنسب (الفقرة الأولى من ثانياً من المادة ١٠٠ من قانون الشراء العام) وأن تتصرف باستقلالية عن الجهة الشارية في كل أعمالها وقراراتها (الفقرة الأولى من أولاً من المادة ١٠٠ من قانون الشراء العام). كما اشترط القانون عدم وجود تضارب مصالح بين رئيسها وأعضائها والمشاركين في إجراءات الشراء (الفقرة الأولى من  أولاً من المادة ١٠٠ من قانون الشراء العام)، وأن على رئيس اللجنة وكل عضو من أعضائها أن يتنحّى عن مهامه في اللجنة المذكورة في حال وقع في أي وضع من تضارب المصالح أو توقّع الوقوع فيه وذلك فور معرفته بهذا التضارب (الفقرة ٢ من ثانياً من المادة ١٠٠ من قانون الشراء العام).

وقد افترض واضعو قانون الشراء العام أن لجان تقييم العروض اصطلاحاً أو لجان التلزيم قانونا ستقوم بعملها بتجرد ونزاهة واستقلالية وستلتزم بالنصوص والقواعد المتعلقة بتقييم العروض، وأهمها ما ورد في المادة ٥٥ من قانون الشراء العام بحيث تدرسها على نحو منفصل بعد الانتهاء من تدقيق العروض الإدارية والفنية وتقييمها (الفقرة الأولى من المادة ٥٥ من قانون الشراء العام) وأنها سترفض العرض غير المؤهّل بالنظر إلى الشروط الواردة في دفتر الشروط الخاص بالصفقة تطبيقاً لأحكام المادة (٧) من قانون الشراء العام (الفقرة ٤ من المادة ٥٥ من قانون الشراء العام). كما افترض القانون أن هذه اللجان ستقيّم العروض المقبولة بغية تحديد العرض الفائز وفقاً للمعايير والإجراءات الواردة في ملفات التلزيم وأنها لن تستخدم أي معيار أو إجراء لم يرد في هذه الملفات (الفقرة ٥ من المادة ٥٥ من قانون الشراء العام).

فتح العروض. وقد افترض واضعو قانون الشراء العام أيضاً أن لجنة التلزيم أو التقييم المنوط بها أيضاً فتح العروض ستفتح هذه العروض في جلسة علنية بحضور الأشخاص المأذون لهم في ملف التلزيم وأن جلسة فتح العروض ستُعقد فور انتهاء مهلة تقديم العروض (الفقرة الأولى من المادة ٥٤). كما افترضوا أن فتح العروض سيتم بحسب الآلية المحددة في ملف التلزيم (الفقرة ٣ من المادة ٥٤) وأن الانتقال إلى مراحل التقييم الفني والإداري سيتم دون انقطاع مريب، أي فور انتهاء مرحلة تليها المرحلة الأخرى، ولا يكون أي انقطاع إلا ما هو ناتج عن عُطَل رسمية أو قسرية كما هي محددة في المادة (٢) من قانون الشراء العام (الفقرة ٤٧). وكذلك افترض مشرّعو القانون أن تُسجّل وقائع كل جلسة وتثبّت في محضر خاص بها، إلا أن هذه الافتراضات المبنية على نصوص واردة في قانون الشراء العام بقيت حبرا على ورق ولم تُنَفَّذ أو تبصر نور التنفيذ.

ضرب استقلالية لجان التلزيم. وفي الحقيقة، فقد خاب ظن واضعي قانون الشراء العام في لبنان، بافتراض حسن نيتهم. إذ غاب عنهم أنّ الوزير أو السلطة التقريرية في الجهات الشارية هم من يقومون عادةً (كما ورد في النص) بتأليف اللجان وتسمية أعضائها. كما غاب عن آفاق تفكير واضعي قانون الشراء العام أن الوزير يشكل هذه اللجان من موظفين أو متعاقدين أو أجراء يكون هو رئيسهم التسلسلي فيطبقون بشأن عمل لجان التلزيم ما يطلبه هو منهم، لا ما تفرضه عليهم القوانين أو الأنظمة ذات الصلة. وهنا تبرز المفارقة التي أطاحت بالضمانة السابقة في نصوص نظام المناقصات، وهي تأليف لجان التلزيم من قبل جهة خارجية تتمثل بمدير عام إدارة المناقصات السابقة.

وقد شكلت «النصائح» وـ «الإرشادات» الدولية أو التذرع بها أو التعاطي معها أو استجلابها من دول أو صناديق أو جهات دولية أخرى، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، عائقا دون إقرار ضمانات رقابية موازية للضمانات السابقة في قانون الشراء العام. كما غاب عن أفق تفكير واضعي قانون الشراء العام واقع الإدارة اللبنانية وحال خدمتها المدنية وتدخل السياسيين في الشاردة والواردة من أعمالها. وتتّضح من خلال مراجعة ما يُنشر على الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام بخصوص التلزيمات المجراة في مرفأ بيروت وشركتي الخليوي وهيئة أوجيرو وغيرها عدم مراعاة الأصول والقواعد القانونية في عمل لجان التلزيم. فاللجان تنصاع صراحةً لمن يشكّلها وتفتقر إلى الاستقلالية والمهنية والتجرد في عملها وأدائها. فقد يقبل بعضها عروضاً فنية وإدارية ثم يبحث عن أسباب لرفضها عند مرحلة العرض المالي إن لم يرق الفائز للمسؤولين، خلافاً لأحكام المادة ٥٥ من قانون الشراء العام. وقد تغيب عنها معايير التقييم، فتصبح شروط التأهيل والتقييم متحركة وفقا لواقع العروض المقدمة خلافاً لأحكام المادة نفسها. كما قد تمنح هذه اللجان نفسها إجازات بين مراحل التقييم لتلقّي التوجيهات من المرجع الذي ألّفها. وقد تعلن نتائج على أنها نتائج مناقصات جرت وفقاً للأصول وتسري عليها فترة التجميد ثم تتراجع عنها بحجة أنها مخالفة بصورة جذرية للأصول. لذا تقترح هذه الورقة إعادة لجان التلزيم إلى هيئة الشراء العام التي شكّلت في السابق إحدى ضمانات الاستقلالية ورادع أمام تضارب المصالح.

فريق المعهد اللبناني لدراسات السوق