يسود القلق بين المواطنين من احتمال العودة إلى العتمة الشاملة. يصعب حدوث العتمة الشاملة بسبب وجود الاشتراكات الخاصة، لكن يظل خطر انقطاع الكهرباء من المعامل التابعة للدولة قائماً بشكل مستمر. تعاني السياسة المتبعة في قطاع الكهرباء من قصور كبير، ويشكل احتكار الدولة لمعامل الكهرباء العقبة الرئيسية في هذا القطاع دون أي مبرر منطقي أو اقتصادي.
يؤدي هذا الاحتكار حتماً إلى تدهور جودة الخدمة وعجز الدولة عن تقديم خدمة كهربائية موثوقة وفعالة للمواطنين. يعود ملف الفيول إلى الواجهة بشكل متكرر كلما سعت الوزارة إلى طلب تمويل إضافي، مما يثير تساؤلات جدية حول الحاجة إلى وجود ملف خاص للفيول أصلاً. فمعامل الكهرباء في جميع أنحاء العالم تتبع دورة طبيعية تتمثل في شراء الوقود، إنتاج الكهرباء، بيعها، ثم إعادة شراء الوقود من جديد.
يعتمد لبنان بشكل مفرط ومثير للقلق على المساعدات الخارجية في قطاع الكهرباء، حيث تحصل مؤسسة كهرباء لبنان على الفيول دون أن تقدم خدمات مقابلة تتناسب مع حجم هذه المساعدات. يفترض أن تكون الشركة قادرة على تغطية تكاليفها التشغيلية، خاصة في ظل الارتفاع الملحوظ في أسعار الكهرباء خلال الفترة الأخيرة.
تكمن المعضلة الأساسية في إدارة الأموال داخل مؤسسة كهرباء لبنان في أن من يتولى إدارة هذه الأموال ليس مالكها الفعلي، مما يؤدي إلى سوء الإدارة وهدر الموارد. تعاني كهرباء لبنان تاريخياً من وجود ما يشبه “الحنفية المفتوحة” التي تستنزف أموال الدولة وتثقل كاهل دافعي الضرائب بمبالغ طائلة دون مردود يذكر.
من غير المنطقي أن تتكبد شركة الكهرباء خسائر مستمرة إذا كانت تعمل وفقاً لقواعد السوق الطبيعية، خاصة مع وجود طلب كبير ومتزايد على الكهرباء في البلاد. تفتقر الحجج المتكررة حول عدم القدرة على تشغيل المعامل الموجودة إلى المصداقية وتعكس سوء الإدارة وغياب الرؤية الاستراتيجية.
يمكن في الواقع تأمين الكهرباء على مدار الساعة إذا تمت إدارة الأمور بكفاءة وشفافية. يتطلب الوضع الأمثل وجود شركات متعددة تتنافس فيما بينها لتقديم أفضل خدمة بأقل تكلفة، لكن حتى في ظل الوضع الحالي، يمكن إحداث تحسينات جوهرية إذا توفرت الإرادة السياسية والإدارة الرشيدة.
يلقي التصنيف الائتماني المنخفض للبنان بظلاله على قدرة البلاد في تأمين الفيول ويعقد عملية الاقتراض بشكل كبير. يرتبط قرار وكالة فيتش بعدم تصنيف لبنان ائتمانياً بشكل وثيق بغياب الشفافية وصعوبة الحصول على معلومات موثوقة عن الوضع المالي للدولة.
تحتاج البلاد بشكل ملح إلى حلول عملية وسريعة لتخفيف معاناة المواطنين، ومن بين الاقتراحات المطروحة نقل صلاحية منح التراخيص إلى البلديات لتسهيل إنشاء معامل كهرباء صغيرة ومزارع للألواح الشمسية. من شأن تعزيز المنافسة بين الشركات الخاصة أن يساهم بشكل كبير في تحسين جودة الخدمة وخفض التكاليف على المدى الطويل.
تتوفر الحلول الممكنة لأزمة الكهرباء في لبنان، لكن يبدو أن أصحاب القرار يترددون في تطبيقها لأسباب تتعلق بالمصالح الشخصية والمحسوبيات السياسية. تمتد هذه المشكلة لتشمل معظم الوزارات والقطاعات الحكومية، وليس فقط قطاع الكهرباء، مما يستدعي تدخلاً حاسماً من مجلس النواب لممارسة دوره الرقابي وضبط الأوضاع المتردية.
يحتاج لبنان إلى إصلاح شامل وجذري لقطاع الكهرباء يتضمن إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، تحديث البنية التحتية، اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، وفتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة تحت إشراف هيئة ناظمة مستقلة. يتطلب تنفيذ هذه الإصلاحات إرادة سياسية قوية وتوافقاً وطنياً حول أهمية معالجة أزمة الكهرباء كأولوية قصوى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة في البلاد.