أي دور لـ”كهرباء لبنان” بعد تشريع الطاقة النظيفة “الأرخص”؟ الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ّتنتظر تحرير قرار إنشائها

الطاقة

لم ينتظر اللبنانيون اكتمال تداعيات الانهيار المالي والاقتصادي الذي شهدته البلاد والنكبة التي حلت بها ونالت من سمعة الدولة ودخولها في طور الانحلال، لإدراك أهمية الاعتماد على أنفسهم لتأمين الحد الأدنى من حاجتهم للكهرباء، فاتجهوا نحو الطاقة الشمسية، كل بحسب قدرته وإمكانياته في سوق غير منظم. وقد استجابت الحكومة ومجلس النواب لمقتضيات هذا التوجه وكان أن صدرت النصوص اللازمة لإعفاء المستوردات اللازمة من الرسوم والضرائب.

وما يؤكد أهمية المبادرات الفردية الخاصة في الاعتماد على الطاقة الشمسية أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى بلوغ مجموع هذه المبادرات 1000 ميغاواط، فضلاً عن توجه العديد من المؤسسات والإدارات العامة نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، لعدم قدرتها على تحمّل فواتير كهرباء لبنان مضافةً إلى فواتير المازوت للمولدات، ومن بين هذه المؤسسات، مؤسسات المياه ومبنى ديوان المحاسبة وأخيراً “أوجيرو”.

أواخر عام 2023 صدر قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة رقم 318، الذي شرّع للقطاع الخاص بناء محطات لإنتاج الكهرباء، من الطاقة المتجدّدة الخضراء النظيفة، بقدرة سقفها 10 ميغاواط للطاقة الشمسية و15 ميغاواط للطاقة من الرياح. واشترط ربط هذه المحطات بشبكة كهرباء لبنان، لنقل الطاقة المنتجة إلى المستهلكين مقابل “رسم عبور” يُدفع للمؤسسة، وكذلك سمح بعقد اتفاقيات تجارية لبيع وشراء الكهرباء بين المنتج والمستهلك، من دون المرور بمؤسسة كهرباء لبنان إن كان عقار المستهلك قائماً على عقار المنتج نفسه أو ملاصقاً له.

وأتاح لمؤسسة كهرباء لبنان الإفادة من فائض الكهرباء المنتجة عبر أنظمة الطاقة المتجددة ووضعها على الشبكة العامة مقابل بدل تدفعه الدولة للمنتج، وبذلك يكون هذا القانون قد وضع قدرات المنتجين من القطاع في خدمة كهرباء لبنان من خلال دعم قدرتها المحدودة على الإنتاج بتكلفة عالية يتسبّب بها الهدر والفساد الذي يسود القطاع منذ عقود، وفق المدير العام للاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق، غسان بيضون لـ”النهار”.

ويرى أن “صدور قانون إنتاج الطاقة المتجددة “المقيّد” بشراكة جبرية مع مؤسسة متآكلة يسودها الشغور، غير قادرة على حماية شبكاتها الضعيفة وتتسبب بهدر إجمالي يناهز 60% من إجمالي الطاقة الموزعة على هذه الشبكات، فضلاً عن توجه قانون تنظيم قطاع الكهرباء نحو إلغائها، يطرح السؤال عن مستقبل هذه المؤسسة ودورها في إطار الدخول في عصر الطاقة النظيفة “الأرخص”، ولا سيما أنه برفع تعرفة الكهرباء اعتباطياً إلى حدود لا تطاق هي أقرب إلى تعرفة المولدات لا بل تفوقها في حالات الاستهلاك المحدود بسبب فداحة الرسوم الثابتة واحتسابها بمعزل عن عدد ساعات التغذية الفعلية المفترض مراعاتها تطبيقاً لنظام استثمار المؤسسة والمؤيد برأي لهيئة التشريع والاستشارات صادر خلال عام 1998 بالرقم في الاستشارة رقم 2725/98، تاريخ 9/3/1998، وفيها “أن استحالة تنفيذ المؤسسة العامة موجباتها الناشئة عن عقد الاشتراك، أو إخلالها بهذه الموجبات، وفي الحالتين لأسباب تعزى إليها بدون سبب أو خطأ من المشترك، يؤدي إلى سقوط موجب المشترك في دفع البدلات المقابلة لموجبات المؤسسة التي استحال تنفيذها، طيلة مدة استحالة التنفيذ، وإما إلى خفض البدلات المتوجبة على المشترك بقدر حرمانه من المنافع التي من حقه أن يعوّل عليها بمقتضى اشتراكه”.

بالعودة إلى أحكام قانون إنتاج الطاقة المتجددة يتبين أنه كسر قاعدة مركزية إنتاج وتوزيع الطاقة، وصار في إمكان أي صاحب أرض الاستثمار في تركيب أنظمة طاقة متجدّدة عليها وبيع الكهرباء للمستهلكين، واستخدام الشبكة العامة بعد موافقة كهرباء لبنان. كما أتاح لأصحاب محطات الطاقة الشمسية المنزلية تركيب عدّادات كهرباء ذكيّة تمكنهم من بيع فائض الطاقة المنتجة للمؤسسة، وتقاضي بدل هذه الطاقة بعد إجراء المقاصّة بين ما استهلك من إنتاج المؤسسة وما وضع على شبكتها من إنتاجه، ويعرّف القانون هذا التبادل بـ”التعداد الصافي”، وهو يطبّق أيضاً على المستثمرين من أصحاب محطات الطاقة الكبيرة بقدرات سقفها 10 أو 15 ميغاواط، بحيث إذا انخفض الاستهلاك، يُحوَّل الفائض أيضاً إلى الشبكة العامة مقابل بدل.

في النتيجة، تبدو هذه الأحكام برأي بيضون كأنها “حوّلت مؤسسة كهرباء لبنان إلى مدير لشبكة التوزيع، المهترئة والسائبة بنتيجة عجز المؤسسة المزمن عن حمايتها، والذي يعرّض أي إنتاج إضافي، توفره المؤسسة أو مستثمرون من القطاع الخاص، لضياع نسبة عالية منه لا يمكن للتعرفة العادلة أن تعوّضه، وتالياً سوف يتعذر على المؤسسة سداد مستحقات المنتجين المتعاقدة معهم”.

ولكن بالرغم من نفاذ هذا القانون فإن مسار تطبيقه يبدو طويلاً، أولاً لاشتراطه استحداث مديرية للطاقة المتجددة في مؤسسة كهرباء لبنان وبتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي يعود لها تحديد قيمة رسوم العبور وسقف سعر الطاقة وطرق الدفع، وضع نظام التعداد الصافي، الذي يتطلب تحديث نظام الفوترة في مؤسسة كهرباء لبنان، ويعود لها أيضاً تحديد الأنواع المؤهلة من أنظمة الطاقة لربطها بالشبكة العامة والمواصفات الفنية لأنظمة الطاقة المتجددة، تعيين الحد الأقصى من الطاقة الكهربائية المنتجة المسموح بإدخالها وربطها بالشبكة العامة”.

ويسأل بيضون: ماذا يمكن أن نتوقع من تطبيق قانون إنتاج الطاقة ما دام تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء خاضعاً لمزاج المتحكمين بشؤون قطاع الطاقة ومستقبل الاستثمار فيه، ويرفضون تعيينها ما لم يُعدَّل القانون الذي أنشأها لضرب استقلاليتها عن الوزير ولإخضاعها لسلطته؟

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار