كيف سيتأثر الاقتصاد في لبنان بحال توسّع الحرب؟
بالتوازي مع التصعيد المتزايد في جنوب لبنان، والتحذيرات من إمكانية نشوب الحرب بين حزب الله وإسرائيل، يبرز مشهد نقيض لصورة الدمار والتأزم، وهو صخب الحياة والمطاعم المزدحمة والموسم السياحي المكتظ. فإلى أي صورة تميل كفّة الميزان، بحسب الاقتصاد؟ وماذا لو اشتعلت الحرب المحتملة، ما هي السيناريوهات المطروحة وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي لهذا البلد المنهك أصلاً؟
لا يزال لبنان حتى الساعة يلملم جراح الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية، التي أصابته منذ نهاية عام 2019 والتي تسببت في فقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 90 بالمئة من قيمتها، مقابل الدولار الأمريكي، مع عدم قدرة المودعين الذين ادّخروا أموالهم في المصارف على سحبها لعدم توافر العملة الصعبة، ليترافق ذلك مع انهيار كبير في مستوى الخدمات المقدمة في البلاد.
مع ذلك، لا يتأخر اللبنانيون، وزوار هذا البلد الفريد من نوعه، عن الاستمتاع بالحياة، بحيث تنتشر فيديوهات السهرات والاستجمام على الشواطئ، على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يخلق حالةً من التساؤل عن حقيقة الواقع في البلاد.
اقتصادياً، يشدد الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق والخبير الاقتصادي خالد أبو شقرا، أن الحركة الناشطة التي تشهدها المطاعم لا تعبّر عن الواقع الاقتصادي المرّ والصعب الذي يمر فيه البلد، واستند بقوله هذا إلى أسباب عدة:
أولاً: تراجع عدد المطاعم بشكل كبير منذ العام 2011 وصولًا إلى العام 2024 وأصبحت المطاعم محصورة في مناطق محددة
ثانياً: رواد المطاعم هم من المغتربين اللبنانيين وبعض الذين يعملون في المؤسسات الدولية أو الذين يتقاضون الدولار الأمريكي وبالتالي لديهم إمكانيات إنفاق مرتفعة
ثالثا: الإنفاق على المطاعم بوتيرة شهرية أو أسبوعية أو يومية يعتبر متنفساً للبنانيين من أجل الخروج من الأزمات والضغوط وهذا ما يعرف بعلم الاقتصاد الاجتماعي بـlipstick effect أو تأثير أحمر الشفاه أي عندما يميل الناس بهذه الظروف إلى الإنفاق على الأمور الصغيرة لتحقيق بعض الشعور بالراحة الذاتية لأنهم عاجزون عن الإنفاق على الأمور الكبيرة
رابعاً: الحركة في المطاعم لا نشهدها في الفنادق وبحسب Ernst & Young تراجع الإشغال الفندقي في فنادق 4 و 5 نجوم من حدود الـ 37% مطلع العام 2023 إلى 20% حالياً، وهذا ما يدل على أن من يقصد لبنان لا يذهب إلى الفنادق وبالتالي إما أنه ليس من السياح وإما بسبب البديل عن الفنادق وهي بيوت الضيافة الأرخص ثمناً والأقل تكلفة
وأكّد أبو شقرا، في حديث خاص لـ”أخبار الآن” أن هذا الوضع يترافق مع تدني مداخيل اللبنانيين وتراجع قدراتهم الشرائية وتحديداً من يتقاضون بالليرة اللبنانية، مشيراً إلى العاملين في القطاع العام والذين يشكلون بين 30 إلى 35% من مجمل القوى العاملة في البلاد وهو رقم كبير، بحسب أبو شقرا.
ماذا لو وقعت حرباً واسعة؟
تقدر التكاليف المباشرة للحرب الدائرة في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل، منذ 8 أشهر، بحوالي 1،5 مليار دولار.
أما بالنسبة للتكاليف غير المباشرة التي تحملها الاقتصاد نتيجة الحرب، فأشار أبو شقرا إلى أنها أولاً الفرصة الضائعة لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة والانطلاق بالاصلاحات المطلوبة لإعادة التوازن للوضع الاقتصادي المفقود.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الدولة اللبنانية خلال الفترة الماضية، وتحديداً منذ الانهيار الاقتصادي في العام 2019 لم تأخذ أي تدابير حمائية تجنبها أي سيناريوهات سيئة قد يكون الاقتصاد معرضاً لها.
وقال: أي حرب على لبنان وعلى مستوى واسع ستصيب بالبدء البنى التحتية، ونتحدث هنا عن معامل الكهرباء الأساسية التي ما زالت تعمل دير عمار الذوق وهي بقدرات إنتاجية منخفضة وتؤمن ساعتين إلى 3 ساعات باليوم الواحد.
وأضاف: ستصيب قطاع الاتصالات، محطات الإرسال، محطات المياه وكلها نقاط كان يمكن للبنان تجنبها بحال طبّق اللا مركزية الإدارية لتأمين الخدمات الأساسية بالتعاون بين البلديات والقطاع الخاص، وتحديداً خدمات المياه والكهرباء.
وأوضح أنه في حال توسعت الحرب فإن الأخطار ستكون كبيرة. وقال: بالإضافة إلى التداعيات المعروفة للحروب مثل الدمار والتأثير على البنى التحتية والكهرباء والاتصالات وخلافه، سيكون هناك تأثير كبير على سعر صرف الليرة وهذا التأثير سيؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للرواتب والأجور وثم الدخول في موجة جديدة من التضخم.
وأضاف: قد يكون اضطرار مصرف لبنان لتمويل عجز الدولة لسد نفقات الحرب منها إيواء النازحين والموضوع الصحي وإلى ما هنالك من تكاليف ستتكبدها الدولة بسبب الحرب.
ما مصير السياحة؟
في ظل تصاعد الحديث عن الحرب، ودعوة الدول رعاياها إلى مغادرة لبنان، أكّد أبو شقرا لـ”أخبار الآن” أن كل ذلك سينعكس سلباً بشكل كبير على السياحة هذا الصيف وسيفوّت مداخيل كثيرة على الاقتصاد ويحرم الكثيرين من فرص عمل كانت مأمولة في هذا الفصل من العام.
وكشف أن لبنان شهد خلال النصف الأول من العام تراجعاً بعدد القادمين وذلك بنسبة 6% تقريباً بشكل عام.
وأوضح أن كل الحجوزات هي للمغتربين وطلاب الجامعات العائدين من الدول الأوروبية، مشيراً إلى أنه لا يمكن اعتبار المغترب سائحاً وبالتالي لا ينعكس قدومهم إيجاباً على موضوع زيارة الأماكن السياحية، والإشغال الفندقي، وقطاع تأجير السيارات، وفي الإنفاق السياحي بشكل عام.