تنتشر حالة من القلق بين المواطنين اللبنانيين منذ انتهت صلاحية التعميم 151 في أوائل العام الحالي، حيث لم يصدر القرار المنتظر الذي يترجم وعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برفع سعر الدولار المصرفي نهاية شهر أيار الماضي. توجهت في محاولة للحصول على تفسيرات حول هذا التأخير، إذاعة صوت لبنان إلى الدكتور باتريك مارديني، رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، لسؤاله عن الأسباب التي حالت دون رفع السعر من خمسة عشر ليرة لبنانية إلى خمسة وعشرين أو ثلاثين ليرة كما كان متوقعًا.
أجاب الدكتور مارديني أن سعر الصرف المستخدم حاليًا في القطاع المصرفي على الدولار القديم، والذي يقل بالتأكيد عن سعر الصرف الحقيقي، هو نوع من رقابة رأس المال المفروضة على الدولارات في المصارف قبل عام 2019. فشل مجلس النواب اللبناني في إقرار قانون رقابة رأس المال، فلجأ لبنان إلى تعدد أسعار الصرف كوسيلة لضبط السحوبات والتحويلات المالية. يُقال للمواطنين اللبنانيين في القطاع المصرفي حاليًا: إذا كنت تريد سحب 400 دولار في الشهر، فهذا هو السقف المسموح به، وإذا تجاوزت هذا السقف، فسيتم فرض غرامة أو خصم كبير من المبالغ التي تريد سحبها عن طريق هذا سعر الصرف المنخفض الذي لا يعكس القيمة الحقيقية للدولار.
يدفع هذا الإجراء اللبنانيين إلى عدم تحويل أموالهم أو سحبها، في انتظار حل هذه المشكلة المتمثلة في رقابة رأس المال، والتي لا يمكن الخروج منها إلا بمعالجة أوضاع المصارف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بالكامل وحل مشكلة الودائع، وهو ما يطالبنا به صندوق النقد الدولي منذ بداية الأزمة المالية، الأمر الذي لم ينفذه مجلس النواب اللبناني حتى الآن.
تكمن المشكلة الرئيسية في أن معظم الودائع قبل عام 2019 هي ودائع ورقية افتراضية فقط، بمعنى أن للمودعين أموالاً محاسبية لدى البنوك، لكن هذه الدولارات غير موجودة فعليًا في خزائن البنوك، لذلك لا تستطيع البنوك سحبها للمودعين. تدفع هذه الحقيقة إلى الحديث عن ضرورة إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي وحل أزمة الودائع.
في حال تم السماح للمودعين بسحب أموالهم، فسيتم ذلك بالليرة اللبنانية فقط، كما كان يحدث في بداية الأزمة، حيث أدت عمليات طباعة كميات كبيرة من الليرة اللبنانية إلى انهيار حاد في سعر صرف العملة الوطنية وتفاقمت الأزمة الاقتصادية. ليس الحل هو تسييل الودائع وتحويلها إلى ليرات لبنانية، لأن هذا سيفقد المودعين جزءًا كبيرًا من قيمة أموالهم نتيجة الانخفاض الحاد في سعر الصرف، وبالتالي سيزيد من فقر المواطنين.
يكمن الحل الأمثل في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، والتي لم يقم بها لبنان حتى الآن، وذلك لمعالجة أزمة القطاع المصرفي وأزمة الودائع من جذورها، بدلاً من اتخاذ إجراءات مؤقتة وترقيعية كرفع سعر الصرف المصرفي الذي سيؤدي إلى استنزاف ما تبقى من الودائع المحجوزة في المصارف دون حل جذري للأزمة.
بهذه الطريقة، يمكن القول إن ما تقوم به السلطات حاليًا هي مجرد خطوات مؤقتة وغير فعالة، في حين أن الحل الحقيقي يكمن في تنفيذ الإصلاحات الشاملة التي تجنبتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة.