بدأت الأزمة الاقتصادية في لبنان تثقل كاهل المواطنين بشكل غير مسبوق، خاصة مع الارتفاع الحاد في تعرفة الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه. أصبحت هذه التكاليف مرهقة جدًا، تفوق قدرة المواطنين على التحمل، لا سيما لذوي الدخل المحدود، في ظل انخفاض قيمة الرواتب والأجور بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، انخفض الحد الأدنى للأجور من حوالي 450 دولارًا قبل الأزمة إلى ما لا يتجاوز 200 دولار اليوم، مما يجعل تغطية التكاليف المتزايدة أمرًا شبه مستحيل.
اقترح بعض الخبراء حلاً يتمثل في الانتقال من مركزية الطاقة إلى لامركزيتها، بحيث يتم إنتاج وتوزيع الطاقة عبر البلديات بالتعاون مع القطاع الخاص. بدأ هذا النهج في التطبيق في بعض القرى والمناطق، حيث يتم استخدام الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء بتكلفة أقل بكثير، مما يعد بارقة أمل في خضم هذه الأزمة الخانقة.
أكدت التحليلات الاقتصادية أن الدخل الحالي للمواطنين غير كافٍ على الإطلاق لتلبية احتياجاتهم الأساسية. فالعائلة المكونة من أربعة أشخاص تحتاج إلى دخل لا يقل عن 800 دولار لتأمين متطلباتها بالحد الأدنى، وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار غياب الضمانات الصحية والاجتماعية، مما يضيف عبئًا إضافيًا على كاهل الأسر.
دخل اللبنانيون في مرحلة “التكيف السلبي”، وهي حالة يضطر فيها المواطنون للتخلي عن أمور كانت تعتبر أساسية في حياتهم. يشمل هذا التكيف تخفيض وجبات الطعام، أو عدم إرسال جميع الأولاد إلى المدارس، في محاولة يائسة لتوفير النفقات. بل إن الأمر تجاوز ذلك، حيث يلجأ الكثيرون إلى بيع مقتنياتهم كالأراضي والسيارات والذهب، في محاولة للبقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف القاسية.
وفيما يتعلق بالمستقبل، طرح المحللون الاقتصاديون سيناريوهين متناقضين: الأول إيجابي، يتمثل في البدء بالإصلاحات المطلوبة وتحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي، مما قد يعيد الحياة تدريجيًا إلى الاقتصاد اللبناني. أما السيناريو الثاني فهو سلبي للغاية، يتوقع حدوثه في حال عدم إجراء الإصلاحات وتوسع رقعة الحروب في المنطقة، مما قد يهدد باستمرار عدم الاستقرار الاقتصادي وربما يؤدي إلى انهيار شامل.
لم تقتصر الأزمة على الخدمات الأساسية والدخل، بل امتدت لتشمل قطاع الإسكان أيضًا. شهدت الإيجارات ارتفاعًا حادًا، ويعزو الخبراء هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب على الشقق المؤجرة في ظل توقف قروض الإسكان. اقترحوا أن الحل يكمن في إعادة تفعيل القطاع المصرفي ليتمكن من منح قروض، ما يسمح للمواطنين بشراء الشقق وبالتالي انخفاض الطلب على الإيجارات، وهو ما قد يساهم في تخفيف جزء من الأعباء المالية التي يواجهها المواطنون.
في خضم هذه الأزمة المتعددة الجوانب، يبدو أن اللبنانيين يعيشون في دوامة من التحديات الاقتصادية التي تطال كل جانب من جوانب حياتهم. من ارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية إلى انخفاض الدخل، ومن التكيف السلبي إلى ارتفاع الإيجارات، تتكشف صورة قاتمة لواقع معيشي صعب. وبينما تلوح في الأفق بعض الحلول كاللامركزية في قطاع الطاقة وإعادة تفعيل القروض المصرفية، يبقى السؤال: هل ستكون هذه الخطوات كافية لانتشال البلاد من هذه الأزمة العميقة، أم أن الأمر يتطلب إصلاحات جذرية وشاملة على مستوى الدولة ككل؟