بعد تراجع تقديمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي التي فقدت قيمتها الفعليّة من جراء الأزمة الإقتصادية وتدهور الليرة اللبنانية، وفي محاولة لتحسين هذه الخدمات أصدر مدير عام الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الدكتور محمد كركي مذكرة تقضي بتحديد سعر صرف الدولار الأميركي الذي على أساسه تحتسب اشتراكات المضمونين الذين يتقاضون أجورهم بشكل كلي أو جزئي بعملة أجنبية بحسب السعر الرسمي الأعلى المعتمد من قبل مصرف لبنان حالياً على (89,500 ليرة لبنانية) وذلك اعتباراً من 2024/02/01 .
كركي يقول ان هذه الخطوة تأتي انسجاماً مع توجّهات وقرارات السلطات السياسية والمالية كافّة في البلاد (مجلس النواب، مجلس الوزراء، المصرف المركزي) لجهة توحيد سعر صرف الدولار الأميركي في كل المعاملات التي من شأنها تحقيق نوع من التكافل والتعاون بين أصحاب العمل والضمان، الذي يصبّ في مصلحة العمّال المضمونين ويحسّن من مستوى معيشتهم ويحفظ حقوقهم على مدى الطويل، بالإضافة الى تأثيرها المباشر والسريع على التقديمات الصحيّة التي يوفّرها الصندوق
لكن هذه الخطوة ربما لم تعجب أرباب العمل و أصحاب الشركات وأدت إلى أن تتداعى الهيئات الإقتصادية إلى إجتماع لدرس تداعيات هذا القرار ،ورأى المجتمعون أن الوضع الصعب الذي يعانيه الضمان وتآكل خدماته، هو ناتج عن الإنهيار الإقتصادي الكبير وليس عن تقصير مؤسسات القطاع الخاص، وإن تداعيات هذا الإنهيار ليست حكراً على الضمان إنما تطال أيضاً بالصميم المؤسسات الخاصة والموظفين والعمال ومختلف الأمور الحياتية والخدماتية في الدولة اللبنانية.
كما أكد المجتمعون على ضرورة أن يبنى أي إجراء يتخذ في المرحلة الراهنة من ضمن إطار شامل وعلى أسس علمية ومنطقية وبحوار إيجابي بَنّاء، على أن يأخذ بعين الإعتبار أوضاع جميع الأطراف المعنية وبشكل متوازن، لأن المرحلة تقتضي الدقة ولأن الجميع على حافة الإفلاس.
مارديني:وضع التعرفة
بحسب سعر السوق ايجابي
في السياق يرى الخبير الإقتصادي الدكتور باتريك مارديني في حديث للديار” أن كل موضوع له علاقة بالضمان هو موضوع معقد و مركب لأن الضمان يعاني من مشاكل بنيوية كبيرة “.
وفصل مارديني “بين موظقي القطاع العام وموظفي القطاع الخاص، إذ أن موظفي القطاع العام يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية وهم غير معنيين بالقرار أما بالنسبة للقطاع الخاص فليس جميعهم يتقاضون بالدولار و بالتالي الذين يتقاضون بالليرة لا يعنيهم أيضاً هذا القرار” .
وتحدث مارديني “عن موظفي القطاع الخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار والذين يتوقعون الحصول على تعويض نهاية خدمتهم بالدولار، معتبراً “أن وضع تعرفة مختلفة عن سعر السوق مجحف بحق هؤلاء الموظفين، ووضع التعرفة بحسب سعر الصرف في السوق أمر إيجابي “.
ورأى ان قرار الضمان “قرار بالإتجاه الصحيح وهو توحيد أسعار الصرف ،لأن تعدد أسعار الصرف أمر مضر ” والدولة اللبنانية غير قادرة على توحيد أسعار الصرف بسبب الأزمة المصرفية “.
وأعتبر “أن الضمان في لبنان مؤسسة فاشلة مفلسة تتجه نحو الحضيض بسرعة مليون، وبالتالي أي دولار يتم وضعه في هذه المؤسسة هو خسارة، مشدداً على ضرورة إعادة البحث في وضع الضمان في لبنان الذي لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة، والحل لا يكون برفع الإشتراكات.
ولفت الى ” الوضع المأساوي للضمان الذي تفاقم مع الأزمة التي يمر بها لبنان سيما انهيار سعر صرف الليرة وتخلف الدولة عن دفع مستحقاتها ،رأى أن اي أموال تدخل إلى الضمان تدخل في إطار الهدر ،”ولذلك يجب انتهاز هذه الفرصة من أجل إصلاح نظام الضمان في لبنان و الإنتقال إلى ضمان يشبه الخارج، “بحيث لا يصبح الضمان من خلال الدولة بل من خلال المؤسسات الخاصة التي تتنافس على تقديم خدمات الضمان للمشتركين ” .
وشدد “بعد رفع الضمان الإشتراكات بالدولار على ضرورة أن يتم تغطية مستحقات المضمونين بالدولار من قبل الضمان من تقاعد وتأمين صحي و غيرها”.
ابو دياب:القرار لا ينعكس سلبا
من جهته الخبير الإقتصادي وعضو المجلس الإقتصادي الدكتور أنيس أبو دياب يرى في حديث للديار” أن هذا القرار يؤدي إلى تحسين العطاءات والتقديمات الإجتماعية وتعويض نهاية الخدمة والراتب التقاعدي للعمال،” وهذا يعني الذهاب إلى القيمة الحقيقية للرواتب والخدمات والتقديمات الإجتماعية”.
وبالنسبة لأرباب العمل تحدث أبو دياب “عن إرتفاع شديد في تكاليف العمل بعد رفع الإشتراكات.” مشيراً “أن هذه الإشتراكات والمساهمات في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي التي يقوم بدفعها أرباب العمل عن العمال هي جزء من كلفة العمل المسجلة ضمن تكاليف الإنتاج”.
واستبعد ” ان ينعكس رفع إشتراكات الضمان على إرتفاع الأسعار لأن أرباب العمل يقومون بتسعير كافة كلفة الإنتاج والتكاليف التسويقية بالقيمة الحقيقية أي بحسب سعر الصرف في السوق،” و بالتالي هذا القرار لا ينعكس سلباً على أرباب العمل ولا على الإقتصاد لكن يحسن من إيرادات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لتحسين التقديمات الإجتماعية “. وشدد “على ضرورة أن يكون الصندوق الوطني الإجتماعي شفافاً في إصدار البيانات المالية بشكل دقيق و أن لا يكون هناك عدم عدالة إجتماعية وعدم عدالة في المساهمات الإجتماعية بسبب المنافسة الغير شرعية”.