“كابيتال كونترول”.. قانون “متأخر” فشل برلمان لبنان في تمريره

“كابيتال كونترول”.. قانون “متأخر” فشل برلمان لبنان في تمريره

فشل المجلس النيابي في لبنان اليوم الخميس، في الانعقاد لإقرار عدد من القوانين، من بينها قانون السيطرة على حركة رأس المال المعروف باسم “كابيتال كونترول”، الذي يُعتبر من خطوات الإصلاح التي على بيروت اتخاذها للحصول على دعم مالي يخرجها من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها، وذلك بالتزامن مع إعلان البنك المركزي عن موجوداته والتزاماته، كاشفاً أن الأولى تزيد قليلاً على 8 مليارات دولار.

يشهد لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً، وفقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، ومنعت المصارف أصحاب الودائع من الحصول على كامل ودائعهم، ليقتصر المبلغ المسموح بسحبه بالعملة الأجنبية حاليّاً على 300 دولار أميركي شهرياً، وفقاً للتعميم من البنك المركزي، في حين يتحول الاقتصاد تدريجياً إلى الاقتصاد النقدي، وفقاً لتصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأربعاء.

واشنطن تعاقب حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ومقرّبين منه

“الكابيتال كونترول” هو قانون مخصَّص للسيطرة على حركة رؤوس الأموال، يفترض أن يطبق على مدى سنتين من تاريخ إقراره، ويمكن تجديده لمرة واحدة بعد انقضاء هذه المدة. يضع هذا القانون قيوداً مؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية، وسبق أن اتخذته دول عدة لمواجهة أزمات اقتصادية تمر بها، وفقاً لما قالته محامية “جمعية المودعين” في لبنان زينة جابر في تصريح لـ”اقتصاد الشرق”.

تأخُّر إقرار القانون

جابر أشارت إلى أن الصيغة التي طُرحت لهذا القانون في لبنان كانت مختلفة، إذ “منحت المصارف حماية قانونية وقضائية، وأعفتهم من أي ملاحقة”، مشددة على أن الصيغة الحالية “غير كافية”، و”جاءت متأخرة”.

واعتبرت أن إقرار القانون وجب في بداية الأزمة. الخبير الاقتصادي ورئيس “المعهد اللبناني لدراسات السوق” باتريك مارديني اتفق مع هذا القول، واعتبر في تصريحات لـ”اقتصاد الشرق” أنه كان يفترض إقرار القانون في بداية الأزمة لحماية احتياطي البنك المركزي الذي كان عند حدود 35 مليار دولار، و”عدم توزيعه بشكل استنسابي، وهو ما حصل”. وأشار إلى أن القطاع المصرفي كان لديه ودائع بالعملة الأجنبية تصل قيمتها إلى نحو 90 مليار دولار، ما يعني أنه كان من الممكن توزيع الخسارة بشكل “منطقي” و”عادل”.

اختيار حاكم جديد لـ”مصرف لبنان”.. المهمة المستحيلة

جابر ومارديني اتفقا على أن مَن لديه “محسوبية” استطاع تحويل أمواله إلى خارج البلاد، في حين لم يبقَ اليوم لدى المركزي أكثر من 8 مليارات دولار للمودعين الذين مُنعوا من سحب أموالهم من البنوك التجارية، التي “طبقت على هذه الحسابات كابيتال كونترول دون إقرار القانون فعلياً”، بسبب عدم وجود عملة أجنبية فيها، وفقاً لرئيس “معهد دراسات السوق”.

8 مليارات دولار في المركزي

مارديني يشير في حديثه عن 8 مليارات دولار، إلى بيان المركزي الصادر الخميس، الذي أفاد بأن المطلوبات (الالتزامات) بالدولار الواجب على المصرف تسديدها تبلغ 1.2 مليار دولار، تنقسم إلى حسابات القطاع العامّ بالدولار بقيمة 275 مليون دولار، وحسابات القطاع المصرفي بالدولار بقيمة 8 ملايين دولار، ورصيد حقوق السحب الخاصة المتوفر للاستعمال بقيمة 125 مليون دولار، واعتمادات مستندية مفتوحة من مصرف لبنان بقيمة 96 مليون دولار. تتضمن المطلوبات قروضاً لجهات عربية بقيمة 660 مليون دولار، وودائع عربية بقيمة 106 ملايين دولار.

كما كشفت البيانات عن حجم الموجودات لدى المصرف التي لا تتجاوز 9 مليارات دولار، تتضمن 8.5 مليار دولار، بالإضافة إلى محفظة سندات “يوروبوندز” بقيمة 387 مليون دولار.

لماذا إقرار القانون؟

اعتبرت جابر التي تمثّل المودعين، وهم الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة الحاصلة، أنه لا ضرورة بعد اليوم لإقرار القانون، لأن التأخير في إقرار القانون هدف إلى السماح لأصحاب النفوذ بتهريب أموالهم، مشيرة إلى أن إقراره اليوم “غير مفيد”، وهو ما يبرّر موقف الرابطة المعترض على إقرار القانون، الذي ظهر من خلال تجمهر بعض أصحاب الودائع أمام البرلمان في وقت سابق من اليوم الخميس، محاولة منهم لمنع النواب من الدخول وإقرار القانون.

وأضافت أن القانون أصبح بغير مكانه القانوني والاقتصادي، و”لا يخدم الأهداف التي يجب على قانون كهذا خدمتها”، مشيرة إلى أن محاولة إقراره كانت لـ”إنقاذ المصارف قانونياً، وفي مسعى لإنقاذها”.

من جهته أشار مارديني إلى أن الهدف الأساسي من هذا القانون لم يعد حماية أموال المودعين. ولفت إلى أنه من الضروري فرض قيود على رؤوس الأموال بهدف تنظيم السحوبات، وتوحيد سعر الصرف في البلاد.

العراق يوقع مذكرة تفاهم لتزويد لبنان بزيت الوقود والنفط

وفي ما يخص موضوع أموال المودعين، أشار مارديني إلى أن الصيغة الحالية لا تحميها، بل يمنعهم من الوصول إليها، ولكنه لا يمنع المصرف المركزي من التصرف بهذا الاحتياطي، وهو ما فعله سابقاً سواء من خلال منصة “صيرفة” التي أُلغِيَت مؤخراً أو غيرها من الطرق، كما لا يمنع الحكومة من إهدارها من خلال اقتراضها من المركزي لإجراء دفعات بالعملة الأجنبية.

منصة التبادل “صيرفة” أُنشئت في مايو 2021، بعد 18 شهراً من الانهيار الاقتصادي في لبنان، واعتُرف بها على نطاق واسع كطريقة لدى البنك المركزي لتحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة اللبنانية، التي واصلت مع ذلك تدهورها.

انتقدت السلطات اللبنانية والمؤسسات الدولية منصة “صيرفة” لافتقارها إلى الشفافية، وعدم الاستدامة، والإمكانية التي أتاحتها للاستفادة من فرق التسعير، لا سيما مع اتساع الفجوة في الأسعار بين السعر الرسمي في “صيرفة” والأسعار المتداولة في السوق الموازية.

البنك الدولي وصف المنصة في تقرير بأنها “ليست أداة نقدية لا تلقى شعبية فحسب، لكنها تحولت أيضاً إلى آلية لجَنْي الأرباح من خلال اختلاف سعر الصرف”، قائلاً إن المشترين على المنصة ربما جنوا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق سعر الصرف، واعتبر أنها إحدى “أضعف السياسات التي نفّذَتها السلطات اللبنانية منذ اندلاع الأزمة، وأنها غالباً ما أتت بنتائج عكسية”.


اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الشرق