يريدون إبراء ذمّة المصارف والتصرّف بالودائع على نحو إستنسابي
منحوا لجنة سلطات واسعة تشكّل خطراً على مصالح الناس وحياتهم
أين محاسبة المتسبّبين في الأزمة من سياسيين ومصرفيين وكبار موظفين؟
وردت في جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب المنوي انعقادها دراسة مشروع قانون محال من اللجان النيابية لوضع ضوابط إستثنائية مؤقتة على التحاويل المصرفية وحماية حقوق المودعين أو ما يسمّى «كابيتال كونترول»… بعد قراءة هذا النص أكثر من مرة، نبحث به عن الضوابط المراد وضعها على التحاويل المصرفية أو عن بنود تحمي حقوق المودعين فلم نرَ فيه إلّا عناوين عريضة وعامة دون تفصيل، ودمجاً ما بين حقوق المودعين وبين الـ»كابيتال كونترول» حيث يظهر النص وما خلفه بأنه ذو هدفين؛ الأول الانتهاء من أموال المودعين بأقل كلفة ممكنة والانتهاء من هذه المطالبات. والثاني إبراء ذمّة المصارف من كلّ مطالبة ومنع الإدّعاء عليهم. لقد ابتدأ الاقتراح بنص المادة الأولى «حقوق المودعين المحفوظة والمكرّسة بالدستور والقانون لا يجوز المساس بها… وأن النصوص التي تتضمّنها مواد هذا القانون ونصوص أي قانون آخر لا تشكل مساساً بحقوق المودعين وأصول ودائعهم» النص صحيح؛
لجنة تفسّر مواد القانون
ولكن المشروع المقترح ينصّ على إعطاء لجنة وزارية حق تفسير مواد هذا القانون، وشكّل لجنة من حاكم مصرف لبنان ووزير المالية وقاضٍ، وأعطاها صلاحيات مطلقة منها حظر تحاويل الأموال من الحسابات الجارية التي يملكها المودع. ووضع ضوابط وقيود على مسحوبات أمواله وتحديدها بمبلغ 800 دولار وحصرها بما يعادلها بالليرة اللبنانية مهما كان نوع العملة التي أودعها بالمصرف، بالسعر الذي ترتئيه دون النظر بالسعر الواقعي للعملة. وأعطاها حق توزيع الأموال التي يملكها المودع ما بين قديم وجديد. وصلاحية تحديد نقل الأموال عبر الحدود وحق التقرير، وحق فتح الحسابات والتحاويل والشيكات بين المصارف وتحريك الأموال، وحق العقاب، وحق التحكم بالطبابة والتعليم والتملك، والتحكّم بأموال المودعين مالكي المال مانعة عنهم حق التصرّف بمالهم وبالأخص نفقات الطبابة بالخارج وشروطها، وتحديد الطلاب الممكن أن يستفيدوا من أموال أهلهم إذا كانوا مسجّلين قبل 31/12/2020. المواطن الذي يملك في المصرف مليون دولار ويرغب في أن يرسل أولاده للدراسة بالخارج عليه أن يخضع لمزاجية اللجنة وموافقتها.
ومواطن لديه عائلة وأولاد وأحفاد ولديه أموال بالمصرف حوّلها من المهجر أو قبضها كتعويض، فللجنة الحق أن تحدّد له مصروفه الشهري ولها أن تمنع عليه أن يشتري بأمواله شقة لابنه أو إجراء عرس لابنته، فهي التي تحدّد مصروفه ونوع الأكل الذي سيأكله.
هذا غيض من فيض بنصوص هذا القانون الهادف الى القضاء على المودعين ضارباً عرض الحائط بكافة النصوص القانونية.
ما الأهداف الأساسية؟
فإذا كانت نية المشرّع الحفاظ على الأموال وحمايتها من التحويل للخارج فالهدف من الكونترول عليها هو:
أ- معالجة العجز الحاصل في ميزان المدفوعات وما يستتبعه من نتائج على الاقتصاد.
ب- لجم تدهور سعر الصرف.
ت- الحفاظ على إحتياطي المصرف المركزي بالعملات الأجنبية.
ث- الحفاظ على ما تبقّى من سيولة بالعملات الأجنبية لدى المصارف.
والنص المقترح بمشروع القانون لا يحمي الاقتصاد ولا يعيد إطلاقه، ولا يتضمّن تفاصيل واضحة وصريحة تحمي حقوق كلّ الناس وتجعلهم جميعاً سواسية أمام القانون. بل يحمي المخالفين ويكرس الإستنسابية والخيارات الخاطئة. ولا يصلح مطلقاً لمعالجة العجز.
أما إذا كان المشروع المراد منه حماية حقوق المودعين فيجب وضع نص صريح بأن أموال المودعين حق مقدس لهم بقيمتها وعملاتها دون تفرقة ما بين قديم وجديد، ويضع نصاً واضحاً لبرنامج زمني لسحب هذه الأموال والتصرّف بها.
صلاحيات تنتهك القوانين
فالصلاحيات المعطاة للجنة الوزارية من قرارات واستنسابية، ومن بعدها للجنة الحاكم والوزير تظهر بوضوح عكس ذلك.
فمقدمة الدستور تنص على أن النظام الاقتصادي في لبنان نظام حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الفردية.
والماده 15 من الدستور نصت على أن الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه وبحال كان من أجل المنفعة العامة المنصوص عنها في القانون يجب تعويضه تعويضاً كاملاً.
ونصّت شرعة حقوق الإنسان على أن لكل شخص حق التملّك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسّفاً.
ونصت المادة 690 موجبات وعقود على ما حرفيته:
الإيداع عقد بمقتضاه يستلم الوديع من المودع شيئاً منقولاً ويلتزم حفظه وردّه وعلى المودع أن يسهر على الوديعة كما يسهر على صيانة أشيائه الخاصة. فأين نص هذا القانون من هذه النصوص؟
3 سنوات مرّت
لقد مرّت ثلاث سنوات على انفجار الأزمة حُوّلَت خلالها إلى خارج لبنان مليارات كثيرة من الدولارات، حوّلها أصحاب المصارف وأهلهم وحاشيتهم والسياسيون الذين ملكوا الأموال من إدارتهم الفاسدة والمحظيين من السلطة. وبقيت بالمصارف أموال المودعين الآخرين الذين لا حول لهم ولا قوة تتحكّم بهم تعاميم مصرف لبنان ومزاجية المصارف. والآن قرّر أصحاب السلطة وضع ضوابط للتحويل، ولكن هذا هو العنوان بينما الواقع من خلال هذا النص الظاهر المطلوب الإستيلاء على أموال المودعين بواسطة سلطة ولجنة هما أساس الأزمة، وهما من سبّبتا بها وهما من ساعدتا على هدر أموال المودعين.
سلطات ما أنزل الله بها من سلطان
لقد أعطى هذا النص اللجنة المذكورة سلطة تحديد مسحوبات الأموال لأصحابها، وسلطة تحويل نوع العملة وتسعيرها، وسلطة التمييز بأنواع العملة التي يملكها المودع، وسلطة التحكّم بالإنسان من حيث السماح له بالتعليم أو الطبابة. وأعطاها سلطة العقاب للمخالف بأمواله، وأعطاها سلطة تبرئة المصارف وعدم مقاضاتها لحجزها الودائع ولسوء استخدامها. ومنع عن اللجنة المحاكمة أو الادعاء عليها أو المطالبة بتصحيح مسارها أو مطالبة اي انسان بحقوقه. وأعطاها حق الإستنسابية بقراراتها والاحتيال على القانون والتلاعب بأموال الناس بحسب أهوائها، وحق التشريع استناداً الى الكلمات الفضفاضة التي وردت بالنص مثل مقتضيات الوضع والظروف الاقتصادية. وأعطاها حق فرض رسوم واقتطاع نسب من أموال التصدير والتحكّم بهذه الأموال، وأعطاها حق منح فتح حسابات جديدة بالشكل الذي ترتئيه أو حجبها عن الناس، وأخيراً فوّض مصرف لبنان منفرداً تحريك الدعاوى العامة دون المواطن ودون المتضرر.
بالخلاصة إن مشروع القانون يهدف الى وضع ضوابط على التحاويل ولم نر أي ضوابط، ويهدف الى حماية الودائع ولم نرَ أي حماية سوى تفرّد بهذه الودائع. ولم يميز ما بين وديعة صغيرة ووديعة كبيرة، ولم يميّز بنوع الأموال إن كانت حسابات توفير أو حسابات جارية، ولم يميّز ما بين أموال الناس العاديين وأموال صناديق التعاضد وأموال الضمان الاجتماعي وأموال النقابات وأموال الجمعيات التي لا تبغي الربح وأموال الأيتام والمعوزين.
هم المسؤولون عن هذه الأزمة
أزمة يتحمّل مسؤوليتها المباشرة أصحاب السلطة التشريعية والتنفيذية الذين تعاقبوا عليها، وتصرّفوا بأموالها دون حسيب أو رقيب، ساعدهم موظفون عيّنوهم بالمراكز الحساسة من حاكم مصرف مركزي ونوّابه ومفوّض حكومة لديه ولجنة رقابة على المصارف… كلّهم ينفّذون أجندتهم بغياب قضاء عادل فيه أفراد مرتهنون لهذه السلطة، وبوجود أصحاب مصارف جشعين لا يأبهون لشيء سوى لتحقيق الأرباح وتراكمها مهما كان مصدرها. والمودع الإنسان هو صاحب الحق وهو المظلوم، وهو من يدفع الثمن وتتابع السلطة تحميله وزر تصرفاتها.
نداء من النقابة
نحن نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، النقابة التي تضم شريحة واسعة من هذا المجتمع وفرد من مجموعة نقابات المهن الحرة، وعلى تماس وتفاعل بمجتمعها… نتحفظ بشدة على نصوص هذا القانون لما فيه من مخاطر على مصالح الناس وحقوقهم المكتسبة بموجب مواد الدستور وما فيه من مخالفات وتفرّد بالتطبيق. ونطالب بمحاسبة مسبّبي هذا الانهيار من رجال السلطة كافة والتدقيق بحساباتهم واسترجاع كل ما هو غير شرعي فيها، ومحاسبة المصارف التي حصلت على أموال ليست من حقها من فوائد عالية وهندسات وإعادتها للخزينة، وتحميل الخسائر لمن تسبّب فيها أولاً، وبعدها لا ضير بأن يتحمّل كبار المودعين جزءاً بسيطاً من الخسارة كونهم استفادوا من سياسات المصارف، وذلك من أجل النهوض بوطننا وإعادة بناء اقتصادنا على أسس متينة يطبق فيها القانون على كل الناس من أعلى الهرم الى أدناه.