“المال” تعد فقراء لبنان بضريبة 11% على اشتراكاتهم بالمولّدات! المبيّض لـ”لنهار”: الأجدى البحث في بدائل لضرائب يتحمّلها الأكثر اقتداراً

“المال” تعد فقراء لبنان بضريبة 11% على اشتراكاتهم بالمولّدات! المبيّض لـ”لنهار”: الأجدى البحث في بدائل لضرائب يتحمّلها الأكثر اقتداراً

إلا في لبنان “القانون وجهة نظر”. إلا في لبنان يقرر المسؤول أن يحرك عضلاته فقط لمواجهة الفقراء… إلا في لبنان تتحرك الدولة على الأوادم وتشيح بنظرها عن مافيات النفط والطحين والدواء والمواد الاستهلاكية وتجار الممنوعات… إلا في لبنان مئات الكيلومترات من الحدود سائبة من دون رقيب، ومئات ملايين الدولارات تعبر على عينك على دولة إما “كاش” أو مواد استهلاكية أو أدوية ونفطاً. في لبنان فقط تبحث #وزارة المال عن إيرادات إضافية ولا تجد باباً لها إلا أبواب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود المنهكك أصلاً لترمي على مناكبهم ضريبة جديدة.

الخبر الذي سُرّب بأن وزارة المال تبحث في فرض ضريبة الـTVA على فواتير المولدات، أثار تساؤلات عدة واستفسارات لا تخلو من العجب والإحباط، إذ كيف لوزارة المال فرض ضريبة على مؤسسات غير شرعية وغير مرخصة وغير منشأة قانوناً، ولا يمكن أن تمنح بموجب القانون اللبناني الإذن بإنتاج #الكهرباء وبيعها وتوزيعها، وهو الأمر الممنوح حصرياً لمؤسسة كهرباء لبنان؟، وكيف لوزارة المال أن تسعى لفرض ضريبة الـTVA على مؤسسة غير موجودة قانوناً على دفاتر التحصيل الضريبي، وهي تالياً غير موجودة في سجلّات المالية.
إذا صدّقنا نيّات وزارة المال وحماستها لزيادة إيرادات الخزينة وتوسعة قاعدة المكلفين لحاجتها الماسة الى كل ليرة إضافية في هذا الزمن الرديء، فهل تصدّق وزارة المال أن أصحاب المولدات ورعاتهم من المافيات السياسية والحزبية والبلدية هم في وارد التعامل بأخلاق وشفافية وحسّ وطني والتزام بالقوانين والقرارات الرسمية.
تقول وزارة المال إنها ستتعاون مع البلديات لإحصاء المشتركين في المولدات لضبط الأعداد وبناء قاعدة معلومات عن العدد النهائي الممكن تكليفه. في واقع الحال يعرف اللبنانيون جميعاً مدى قدرة أصحاب المولدات وعلاقاتهم الواسعة بالوسطين السياسي والبلدي وقدرتهم على التلاعب بالأرقام والفواتير والجباية، ويعرف القاصي والداني أن صدقية معظم أصحاب المولدات ومعظم بلديات لبنان غير متوافرة وغير كافية للوصول بمشروع فرض الـTVA الى خواتيمه المأمولة. وعلى الأقل، وفق ما يعرفه الجميع، سيكون أصحاب المولدات من الأكثر ترحيباً بهذا القرار والأكثر سعياً للسير به، لأنه ببساطة سيؤمّن لهم مدخولاً إضافياً من خلال التلاعب بعدد المشتركين الذي لن يكون للبلديات ولا للأجهزة الأمنية ولا لمراقبي وزارة الاقتصاد ومفتشي وزارة المال القدرة على حصر عددهم لأنه ببساطة أيضاً “الشباب وأصحاب المولدات “دافنينو سوا”.
هل تعي وزارة المال أن الناس في فقر مدقع، وأن أكبر فاتورة بعد الاستشفاء تقض مضاجع اللبنانيين هي فاتورة المولدات، وأن بيوتاً بالجملة أطفات براداتها وخفضت استهلاكها الى أدنى المستويات لأن أهلها صاروا عاجزين عن تسديد الملايين الشهرية للمولد. وهل الـ11% إضافية ستعيل الدولة وتنقذ توازنها المالي فيما مئات ملايين الدولارات تهدر على كهرباء الدولة ولا جباية تحصل وإذا حصلت فهي أقل من 50%.
عالم الاقتصاد الحائز جائزة نوبل جوزف ستيغليتز، يقول إن الفروقات في العالم بعد أزمة كورونا كبرت وللمحافظة على المجتمع، يجب فرض ضريبة بنسبة 70% على الثروات الكبيرة، ولكن الدولة في لبنان تتحرك باتجاه الفقراء لجباية “ليرات” يتعذر عليها جبايتها من جيوب الأغنياء. سيدفع الفقير غصباً عنه و”مكره أخاك لا بطل” لأن عزة نفسه وكرامة أطفاله ستمنعه من إلغاء الاشتراك. لكن هل سيدفع أصحاب الشقق في الأبنية الدولوكس وفي الأبراج الشاهقة ضريبة الـTVA عن مولد مولد المبنى الذي يوزع عليهم التيار؟ وهل سيدفع قاطنو الشاليهات في المجمعات البحرية والمنتجعات الجبلية الضريبة العتيدة عن مولد المشروع؟
إن كان الدافع المنطقي لوزارة المال أن المولدات هي مشاريع مربحة لأصحابها وعليها تالياً تسديد الضرائب والرسوم، فهذا أمر مشروع ومطلوب سريانه ليس فقط على قطاع المولدات فقط بل على كافة القطاعات المربحة الاخرى. ولكن ما سيحصل حكماً في ظل غياب الضوابط الأخلاقية والأدبية عند جميع المعنيين في هذا البلد هو المزيد من الاستغلال والجشع والنهم والانتهازية لكن مع فارق واحد فقط أنها ستكون ممهورة بختم وزارة المال هذه المرة.
رئيسة معهد فليحان المالي والاقتصادي #لميا المبيض، تعتبر أن الضريبة العتيدة هي ضريبة على استهلاك مادة حيوية وتالياً أثرها مباشر على المجتمع والاقتصاد، وسوف يتحمّلها المستهلك لقطاع غير منظم تعم فيه الفوضى، بما يعني تشريع استغلال الناس دون القدرة على الضبط.
وقبل الغوص في تفاصيل هذه الضريبة، سألت المبيض “هل هناك دراسة تبيّن كيف سينظم هذا القطاع لتتحقق جباية صحيحة؟ هل سيكلف أصحاب المولدات بضريبة الدخل؟ ما الإيرادات المتوقعة؟ ما المخاطر؟ كيف ستتأثر ميزانية الأسر بها؟ كيف ستتأثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ظل اقتصاد منكمش؟”، لتخلص الى سؤال جوهري “أليس الأجدى البحث في بدائل لضرائب ورسوم يتحمّلها الأكثر اقتداراً؟”.
وتقول “إيرادات الدولة يجب أن توضع على سكة الاستدامة نعم، ولكن دون أن نضيف أعباءً ضريبية على مجتمع منهك إلى درجة يستحيل أن تكلمه عن الضريبة، وعلى اقتصاد يحتاج للتحفيز، وهذه ليست أهدافاً متناقضة بل بالعكس. وقف النزف والانتقال إلى نظام ضريبي أكثر كفاية وفعالیة وشمولاً في المدى المتوسط يقتضي وضع سياسة ضريبية أولاً وليس “تشبيق” اقتراحات عشوائية. لماذا لا نبدأ بإلغاء تدريجي لأنظمة الامتيازات والإعفاءات والمعاملة التفضيلية لعائدات رأس المال التي يفيد منها الأكثر اقتداراً؟ لا يمكننا أن نحمّل الاقتصاد والمجتمع ضرائب من دون أن نأخذ في الاعتبار أن شرائح المجتمع الفقيرة أو الأقل اقتداراً يجب أن تتحمّل أقل قدر ممكن من العبء الضريبي. نظامنا الضريبي الجديد يجب أن يوضع بناءً على عقد اجتماعي جديد يقلص الفروقات بين الفقير والغني”.
مصادر في وزارة المال، تؤكد لـ”النهار” أن كل الفواتير التي تصدرها الدولة، إن كان فاتورة الكهرباء أو المياه وغيرها من الفواتير، تلحظ الضريبة على القيمة المضافة 12%، بما يعني أن نشاط توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها خاضع بحد ذاته للضريبة على القيمة المضافة، وتالياً هذا الأمر ينطبق على قطاع المولدات في القطاع الخاص.
أقل فاتورة يصدرها أصحاب المولدات تتعدى خمسة ملايين ليرة، وهذا يعني أن نشاطهم يناهز مليارات الليرات، وهذا يعني أنهم حتماً سيخضعون للضريبة على القيمة المضافة. ولكن الإشكالية هنا أن أصحاب المولدات لم يلتزموا بعملية التسجيل في مديرية الضريبة على القيمة المضافة، وثمة الكثير منهم لا يعيرون للدولة أي اهتمام ولا يصرّحون عن ضريبة الدخل ولا يدفعون رسم الـKVA الواجبة عليهم والتي تقدَّر بـ15 ألف ليرة سنوياً عن الـKVA الواحد الذي أقر في عام 2018، كما أنهم لا يدفعون ضريبة الدخل. لذا وضعت الإدارة الضريبية أصحاب المولدات على برنامج التدقيق الضريبي منذ عامين، ولكن للأسف نظراً للظروف التي تمر بها البلاد والتي أثرت على موظفي القطاع العام لم يُتابَع الموضوع كما يجب”.
وأكدت المصادر عينها أن “الوزارة خاطبت وزارة الداخلية والبلديات لتزويدها بمعلومات عن عدد مولدات الكهرباء في نطاق كل بلدية، وبدأت بدراسة ملف كل أصحاب المولدات على أن تبدأ بالصدور تدريجاً من الآن حتى نهاية آذار المقبل. ومن سيتخلف عن الدفع خلال شهرين من تبليغه، يتم إنذاره بوجوب التسديد خلال شهر قبل أن يصار الى الملاحقة الجبرية له، والحجز على أمواله”. ووضع المصدر أصحاب المولدات في خانة التهرب الضريبي “علماً بأن التعريف للتهرب الضريبي لم يكن موجوداً سابقاً، ولكنه أدرج في قانون موازنة الـ2019، وتالياً كل صاحب عمل يتهرب ضريبياً يجب ملاحقته”.
إذن ستبدأ وزارة المال بإخضاع أصحاب المولدات لسلطتها، وستبدأ بتحصيل ضريبة الدخل على أرباحهم، إضافة الى رسم على كل KVA بقيمة 15 ألف ليرة سنوياً، والضريبة على القيمة المضافة الواجبة عليهم كمسجلين في المديرية، عدا عن رسم الطابع المالي عن كل فاتورة.
وبررت المصادر الضريبة الجديدة بأنه “لا إيرادات للبنان إلا من الرسوم والضرائب، وإن لم نفعّل الجباية فإنه لا يمكن للدولة أن تدفع رواتب القطاع العام ولا رواتب العسكريين أو الإنفاق على صحة اللبنانيين، وتالياً كل واحد منا يجب أن يتحمّل ما هو مكلف به”.
الخبير المستشار في الشؤون المالية العامة ورقابة الفساد غسان بيضون يؤكد أن قطاع المولدات غير شرعي لكونه انتهك حصرية الإنتاج المنصوص عليها في قانون إنشاء كهرباء لبنان، وتالياً فإن التعامل مع هذا القطاع غير قانوني من وزارة الطاقة (إصدار التسعيرة الشهرية) ومن وزارة الاقتصاد (إلزامهم تركيب عدادات)، عدا عن أن نشاط أصحاب المولدات غير ملحوظ في جداول الانشطة التجارية، وليس لديهم مؤسسات مسجلة في السجل التجاري ولا لدى وزارة المال”.
أما الكلام عن فرض ضريبة الـTVA على أصحاب المولدات فهو في غير محله برأي بيضون لسببين: أولاً لأن المشترك هو الذي سوف يتحمل قيمة الضريبة حسب منطق القانون. وثانياً لأن صاحب المولد يجب أن يتقدم من الدوائر المالية المختصة لتسجيل نشاطه اختيارياً إذا رغب في ذلك أو إلزامياً، إذا بلغ مجموع رقم أعماله 150 مليون ليرة سنوياً، بما يساوي حالياً أقل من 3 آلاف دولار”.
ولكن لنفترض جدلاً أنه فُرضت هذه الضريبة على أصحاب المولدات فمن يضمن التزامهم بالتصريح عن أنشطتهم؟ يؤكد بيضون أنه “إذا حصل ذلك، فإن المشترك سيتحمّل عبء الضريبة، فيما يفيد صاحب المولد من استرداد الـTVA التي يكون دفعها على مشترياته من السوق”.
ويخلص الى القول “ثمة حاجة الى تفعيل الرقابة على جباية وتوريد التجار الشرعيين لحصيلة الضريبة على القيمة المضافة التي يجمعونها من الزبائن على مشترياتهم، ولا سيما أن التهرب الضريبي شائع على مختلف القطاعات في عدم فعالية الرقابة بسبب ضعفها المزمن، والتي يمكن استنتاجها من تكرار تمديد المهل ومنح الإعفاءات والتخفيضات على مختلف أنواع الغرامات”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار