“المركزي” يلاقي قرارات اللجنة الوزارية بالقبول: “مقدور عليها”… موظفو القطاع العام على موقفهم… وصرف الرواتب معلق!

“المركزي” يلاقي قرارات اللجنة الوزارية بالقبول: “مقدور عليها”… موظفو القطاع العام على موقفهم… وصرف الرواتب معلق!

فيما لا يزال الاقتصاد اللبناني يدفع ثمن الزيادات الأخيرة الناتجة عن سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّها مجلس النواب في آب عام 2017، تنامياً في العجز المالي والضغوط التضخمية، يأتي الحديث اليوم عن زيادة الرواتب أو زيادة التقديمات الاجتماعية للقطاع العام ليزيد الطين بلة، لما سينتج عنه من زيادة التضخم ورفع الأسعار، وتالياً إلى تآكل الزيادة المقترحة، وإلى ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية.

فاللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام توصلت أول من أمس الى سلسلة قرارات لمعالجة ملف الإضراب المفتوح الذي ينفذه الموظفون والعاملون في القطاع العام، منها دفع المساعدة الاجتماعية المقررة سابقاً والتي كانت تبلغ نصف راتب عن شهري أيار وحزيران، واستصدار مرسوم استثنائي يقضي بدفع مساعدة اجتماعية جديدة تعادل راتباً كاملاً كل شهر ابتداءً من شهر تموز، والنظر في مضاعفة الرواتب بعد إقرار الموازنة وفي ضوء الواردات التي سيتم تحصيلها، وإعطاء بدل نقل يومي عن الحضور الفعلي يبلغ 95 ألف ليرة، على أن يُربط كل ما تقدم بالحضور لمدة يومين على الأقل.
وفيما يبدو أن رابطة موظفي الإدارة العامة لم تستسغ قرارات اللجنة، بدليل ما أعلنته رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر أن الاجتماع الوزاري لم يقدّم أي خطوة إيجابية، بل المزيد من الإنكار والتجاهل والقهر النفسي والمعنوي للموظفين، طالبت بأن تُدرج أيّ زيادة ضمن أصل الراتب لا كمساعدة اجتماعية، وبأن تربط الزيادة بتطوّر سعر الصرف كي لا يتكرّر ما حصل بسلسلة الرتب والرواتب حيث أعطونا السلسلة ثم رفعوا سعر الدولار.

والموقف عينه أكده ممثل موظفي الإدارة العامة لدى الحكومة حسن وهبي، إذ أوضح لـ”النهار” أن الاجتماع مع وزير المال يوسف خليل لم يفض الى نتيجة بحجة أن لا أموال كافية لتحقيق مطالب الموظفين، وتالياً فإن قرار الإضراب لا يزال قائماً، مؤكداً أن ما أشيع عن إمكان استثناء موظفي وزارة المال من قرار الإضراب والحضور الى مكاتبهم يوماً واحداً في الاسبوع هو أمر غير صحيح. وهذا يعني أن عملية صرف الرواتب والمعاشات التقاعدية ستتأخر، على اعتبار أن التحضير لصرف الرواتب والمعاشات التقاعدية يبدأ من أول الشهر وعلى مراحل، بدءاً من احتساب وطباعة الجداول الأولية، ومن ثم تدخل الإدارات المعنيّة التعديلات، لتصدر لاحقاً الجداول النهائية بالرواتب، وبعدها تصدر الحوالات بجداول مصرفية ومطابقة مع الخزينة.

 

وإذ أشار الى أن “عدد موظفي القطاع العام نحو 300 ألف موظف من بينهم القضاة (625 قاضياً)”، استغرب تمييز القضاة عن الموظفين وإعطاءهم رواتبهم على أساس سعر صرف 8 آلاف.

وإن كانت الآراء تجمع على أن ما يخطّط له من زيادات سيزيد من طبع العملة وتالياً نسبة التضخم، مستندين بذلك الى سلسلة الرتب والرواتب وما نتج عنها من ضغوط على مالية الدولة، أكدت مصادر مصرف لبنان أن اقتراحات اللجنة الوزارية قابلة للتطبيق، ولا تؤثر كثيراً في زيادة التضخم، بيد أنه في المقابل أكدت أنه على الرغم من أحقية مطالبة الموظفين لتصحيح رواتبهم، لكن إن كانت العطاءات أكثر فسيؤدّي الأمر الى مشكلة أكبر خصوصاً إن لم تكن هناك إيرادات إضافية من خلال الدولار الجمركي مثلاً.

تصحيح الأجور سيف ذو حدّين
ليس جديداً القول إن تصحيح الأجور في هذه المرحلة الحرجة التي نمرّ بها هو سيف ذو حدّين. فمن الناحية الاجتماعية، هو بلا أدنى شك مطلب اجتماعي محق ولا سيما أن الأجور المقيّمة بالليرة اللبنانية باتت قيمتها الشرائية اليوم شبه منعدمة بالنسبة لشريحة واسعة جداً من موظفي القطاعين العام والخاص. أما من الناحية الاقتصادية، علمياً وتقنياً، فإن أي قرار غير مدروس حيال تصحيح الأجور في ظل ركود تضخمي حاد وعجلة إنتاجية انكماشية للاقتصاد الوطني، وخصوصاً في سياق اتفاق أولي على تصحيح الأجور بحدود راتب إضافي في المرحلة الأولى على أن يتضاعف في المرحلة الثانية بعد إقرار الموازنة، يحمل في طيّاته ضخ كتلة نقدية ضخمة بالليرة.

أمام هذا الواقع، يرى مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو، أن على الحكومة العمل فوراً على الحد من طباعة الليرة لتمويل احتياجات الدولة، والعمل على تأمين الإيرادات العامة إما من خلال تفعيل جباية الضرائب غير المجبيّة (أي مكافحة التهرّب الضريبي)، أو من خلال تعديل سعر صرف الدولار الضريبي، كالدولار الجمركي على سبيل المثال، وإن كانت هذه الإجراءات تعتبر غير محبذة لا اقتصادياً ولا اجتماعياً في الوقت الراهن، ولا سيما في ظل ركود اقتصادي حادّ وتدهور في المستوى المعيشي للبنانيين، وتالياً فقد تلجأ الدولة هنا إلى رفع الأجور بيدٍ وتسحب الضرائب بيد أخرى، ولكن “وجع يوم ولا وجع كل يوم”، إذ إن مثل هذه الإجراءات قد تكون مؤلمة على المدى القصير غير أن ألمها يبقى أفضل بكثير من ألم الاستمرار في دوامة طباعة الأموال وانهيار سعر الصرف على المدى المتوسط والطويل، فعلينا كسر هذه الحلقة بشتى الطرق وإلا فلا مفرّ من الارتطام القاسي الذي قد تمتدّ مفاعيله المؤلمة لسنوات طويلة.

أما إذا صُححت الأجور ولم يؤمَّن التمويل اللازم، وهو أمر غير مستبعد برأي قانصو نظراً الى التجارب السابقة ولا سيما سلسلة الرتب والرواتب، فإن “كل راتب إضافي يتطلب ضخ كتلة نقدية بالليرة تقدّر بنحو 800 مليار ليرة شهرياً لتضاف إلى كتلة نقدية بالليرة قاربت 60 ألف مليار ليرة، وهذا من شأنه أن تكون له تداعيات تضخمية ملموسة قد تنعكس ضغوطاً إضافية على سعر الصرف وعلى أسعار السلع في وقت بلغت فيه نسبة التضخم التراكمية منذ عام 2018 حوالي 600%، وبالتالي فإن مفاعيل تصحيح الأجور المرجوّة قد تذهب حينها في مهبّ الريح. بناءً على ذلك، إن لم يتوافر التمويل اللازم لتصحيح الأجور، فسنكون هنا أمام معضلة حقيقية قد تفرض على السلطات الترقب والتريّث لحين إرساء خطة إصلاحية وإطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتفعيل العجلة الاقتصادية وحينها لكل حادث حديث. وإلى حينه، يؤكد قانصو أنه ينبغي على الدولة البحث عن خطط دعم بديلة من خلال تفعيل المساعدات الاجتماعية لذوي الدخل المحدود، في انتظار انقشاع الرؤية أمام مشروع فعّال لتصحيح الأجور يحمل في طيّاته جدوى اجتماعية في الدرجة الأولى. مع الإشارة هنا، إلى أن ما أُقرّ من تعديل في بدل النقل أو من مساعدة اجتماعية طارئة بما يوازي راتباً إضافياً، حمل في طيّاته ضخ كتلة نقدية بالليرة تقدّر بنحو 4,500 مليار ليرة سنوياً، وهي كلفة رفع بدل النقل من 8 آلاف ليرة إلى 65 ألف لنحو 300 ألف موظف في القطاع العام، فيما كل راتب إضافي يحتاج إلى ضخ 800 مليار ليرة شهرياً، تُحتسب على أساس كلفة أجور وتعويضات تبلغ 9,500 مليار ليرة سنوياً”.

 
أمام هذا الواقع، لا يبدو قانصو مطمئناً لما ينتظر لبنان في المدى المنظور خصوصاً في ظلّ فراغ حكومي قد يبدو محتملاً في النصف الثاني من السنة، وقد يليه فراغ رئاسي في مرحلة لاحقة في ظل الانقسام العمودي الحادّ المتجلي في مجلس النواب، وهو ما سيكون بمثابة انتحار جماعي ويحمل في طيّاته آفاقاً سوداوية في ما يخص سعر صرف الدولار. لذا، فإن الخرق الأساسي والأوحد يبقى رهن تأليف حكومة بسرعة وتفعيل عملها بطريقة منتجة لمواكبة عملية إطلاق برنامج إنقاذ شامل من أجل إعطاء صدقية للمساعي الإصلاحية المطروحة، ولاستعادة الثقة بالوضع الاقتصادي والسياسي والحكومي وثقة المغترب اللبناني والتأسيس لمرحلة جديدة ونهج جديد ورؤية اقتصادية جديدة، وإلا فإن لهيب الاستحقاقات الاقتصادية الماثلة أمامنا فور انتهاء موسم الصيف وعودة المغتربين والسيّاح إلى بلادهم قد يرفع من حرارة فصل الخريف فور دخولنا في شهر أيلول المقبل.