من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي تعافياً خلال عام 2021 من الركود الاقتصادي العميق الذي تعرض له، من جراء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19). ومع ذلك، وكما يشير تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية في كانون الثاني 2021، هناك خوف من أن يكون هذا التعافي ضعيفاً، ولن يؤدي إلى ناتج عالمي بمستويات أدنى كثيراً من مستويات ما قبل الجائحة فحسب، بل ربما خرج هذا التعافي المتواضع عن مساره مدفوعاً بعدد من المخاطر، مثل تعطل طرح لقاح كورونا، أو الاضطرابات الناجمة عن تراكم الديون التي يعانيها العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
وفي غضون ذلك، ارتفع حجم خسائر الاقتصاد الكلّي من 7 مليارات دولار مقدرة سابقاً إلى حدود 12 مليار دولار. وتداعيات الوباء سلبية أكثر مما كان متوقعاً، وقد اصابت قطاعات رئيسة بشدة، كقطاع السياحة والطيران التي تواجه الإفلاس.
لقد حذّر صندوق النقد الدولي من تداعيات إنسانية كارثية لتفشي فيروس كورونا على الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة وعدم استقرار سياسي وضعف في بنية الدولة والبنية التحتية وبينها لبنان . فهذه الدول ترزح تحت ضعف البنية التحتية الصحية.
ووفق صندوق النقد الدولي، فإن الجائحة تنطوي على خطر ترك تأثير دائم في هذه البلدان، بما في ذلك ارتفاع مستويات الفقر وسوء التغذية.
صحيح ان الجائجة فرضت الإقفال العام في عدد من البلدان، ولكن كثير من الحكومات سارع الى التعويض عن انعكاساته على الاقتصاد الذي يهددّ استمرارالدول بموجب خطة اقتصادية واجتماعية تلامس الواقع.
ما هي كلفة الاقفال العام اليومية على الاقتصاد الكلي في لبنان اليوم؟
ما هي القطاعات الأكثر تضررا او خسارة، وفي المقابل ما هي القطاعات المستفيدة؟
كيف يجب مواجهة هذه التداعيات او اي تدابير كان من المفترض اتخاذها على الصعيد الاقتصادي في دولة مفلسة ومنهارة كلبنان ؟
باتريك مارديني
يعتبر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني انه وفق التقديرات، في العام 2020، كانت كلفة الاقفال بحدود 20 مليون دولار اميركي يومياً . وفي العام 2021، ونظراً لصغر الاقتصاد اللبناني، ومع وجود ازمة اقتصادية حادة اسفرت عن إقفال عدد من الشركات، بحيث انه مع إعادة فتح البلد لن تفتح مجدداً، فإن الكلفة مقدرة بـ10 ملايين دولار يومياً.
ولا بد من الإشارة الى صعوبة معرفة الأسباب الحقيقية وراء إقفال هذه المؤسسات او تحديدها.
ويقول مارديني “للإقتصاد”: بالتأكيد، ان القطاعات التي هي أكثر تضرراً هي تلك التي تلتقي مع الزبون مباشرة، مثل الفنادق، المقاهي، المطاعم والمحلات التجارية التي تبيع بالمفرق من البسة، احذية، مفروشات، سيارات وغيرها… كما إن القطاع السياحي بشكل عام حصد الضرر الكبير بفعل تراجع حركة السفر والطيران. الى جانب ذلك، لا يجب إغفال الخسائر التي حلّت في قطاعات الترفيه خارج المنزل مثل دور السينما، المنتجعات والنوادي الرياضية…
واما القطاعات المستفيدة من الإقفال فهي تشمل التكنولوجيا مع ما نتج عنها من تأمين خدمات عبر ال “اونلاين” للتسوّق، اضف الى كل ما يدخل في التجارة الرقمية وشركات “الديليفيري”. وبالتأكيد، شركات المستلزمات والمعدات الطبية، سيما إننا في أسوأ أزمة صحية.
بإختصار، لأن اقتصاد لبنان يعتمد كثيراً على الخدمات والسياحة كان حجم الأضرار كبيراً. في الواقع، إن القطاع السياحي يكاد يكون الوحيد المسموح له بالمنافسة، وحرية التحرّك ما مكنّه من جذب الزبائن وتحقيق التطوّر.
بينما القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة، فإن القيود المحاطة بها لم تساعدها . فالصناعة تعتمد على الكهرباء بشكل رئيسي، والزراعة بحاجة الى الري الذي هو مرتبط بتأمين الكهرباء الى جانب مياه نظيفة وغير ملوّثة . وقطاعا الصناعة والزراعة هما في دائرة الإحتكار؛ اولاً :إحتكار مؤسسة كهرباء لبنان مع كل ادائها السيء ينعكس على انتاج الصناعة اللبنانية، وسيما منها صناعة المواد الطبية المتطّورة من لقاحات وغيرها… علماً انها تملك كفاءات بشرية من اطباء ومهندسين وعلماء ينتهي المطاف بهم وسط هذه الحواجز الى الهجرة للخارج.
ثانياً: إن قطاع الاتصالات لايمكن ان يكون احتكاراً بيد شركتي خليوي مقابل ترك الهاتف الثابت محصورا بيد هيئة اوجيرو. هذه الآلية المتبعة تخنق قطاع التكنولوجيا برمته. لذلك، في لبنات نجد ان القطاع الوحيد القادر على التنفّس هو السياحة والخدمات فيما ان الصناعة تلقّت الضربة القاسية من الغياب شبه الكلي للكهرباء. وبالتالي، كلفة الأضرار ليست بقليلة.
القطاعات التي استفادت من الإقفال فهي ليست كثيرة وليست متطوّرة.
وبدل من ان يتم توظيف فترة الإقفال في العمل على زيادة عدد الأسرة في المستشفيات منذ بدء الأزمة الصحية وانتشار وباء كورونا لتوسيع الطاقة الاستيعابية في المستشفيات وتلافي الإضطرار مرة أخرى الى إقفال البلد، تمّ الإنصراف الى أمور أخرى وازداد عدد المرضى الذين هم بحاجة للدخول الى المستشفيات.
كان من المفترض رفع القدرة الاستيعابية في المستشفيات عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهذا ما حصل عملياً في عدة بلدان باستثناء لبنان. انه خطأ كبير. كل الموارد التي أتت لدعم القطاع الصحي من الخارج في مواجهة وباء كورونا تم تحويلها الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي وغيرها من المستشفيات الحكومية. وفي نفس الوقت، تحجم الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المستشفيات الخاصة وتطلب منها معالجة المرضى مجاناً، فيما إن هذه الأخيرة تعجز عن تسديد اتعاب ورواتب الأطباء والممرضين والممرضات وسائر الموظفين فيها.
باختصار، طريقة تعاطي الدولة مع الازمة عن طريق ضخّ الموارد في المستشفيات الحكومية وتجفيفها في المستشفيات الخاصة كانت غير صائبة، لأنها اضرّت بهذه الأخيرة التي اصلاً هي ناجحة، فيما ان المستشفيات الحكومية لاثقة بادائها وبنوعية خدماتها منذ حقبات. ولو أعطيت المستشفيات الخاصة المستلزمات اللازمة لمواجهة فيروس كورونا لكانت تفوّقت في إحتواء المرض وفي معالجة كافة المصابين به على اكمل وجه.
ثم كان يجب ان تكون هذه الازمة فرصة لإطلاق القطاعات المغبونة في لبنان مثل الاتصالات والصناعة عن طريق تحرير قطاع الانترنت؛ فالبلد يعمل على “ال اونلاين” ، وفي لبنان محتكر واحد اسمه “اوجيرو” المسؤولة عن التوزيع. لبنان بلد مفلس، فلماذا لم يسمح لشركات خاصة الاستثمار في قطاع كابلات الانترنت والتوزيع الى جانب “اوجيرو”؟
هذا الإجراء يفسح مجال المنافسة في تحسين نوعية الخدمة والأسعار في قطاع الاتصالات.
وبالنسبة للصناعة، من المفترض إزالة احتكار كهرباء لبنان . فاي مستثمرجديد في الصناعة عليه قبل كل شيء فتح مصنع كهرباء لتأمين التيار اللازم لتشغيل مصنعه ، ما يعني كلفة إضافية.
لذلك، فإن الحل الوحيد هو ايجاد المنافسة في انتاج الكهرباء من اجل تأمين ايضاً الخدمة الأفضل في التوزيع والسعر الأنسب الى المشتركين. وهنا بالتأكيد ستكون كلفة انتاج الكهرباء ادنى من التي ينتجها اصحاب الموّلدات الخاصة.
باختصار، فتح المنافسة امام القطاعات وخصوصاً الكهرباء والاتصالات وتحقيق الشراكة مع القطاع الخاص سيخفّض كلفة الخسائر علينا الناتجة عن مواجهة وباء كورونا.
صندوق النقد والتحوّل الى اقتصاد اخضر
في تقرير لصندوق النقد يتم التشديد على التحوّل إلى اقتصاد أخضر ورقمي وشامل للجميع في حقبة ما بعد كوفيد-19. وتتضمن الأولويات:
– الاستثمار في النظم الصحية (بما في ذلك توفير اللقاحات) والتعليم والبنية التحتية. ويمكن للاقتصادات التي يتوافر لها حيز مالي كاف التنسيق في ما بينها من أجل إعطاء دفعة للاستثمارات العامة الخضراء بغرض دعم النمو العالمي. وينبغي أن تستهدف المشروعات التي يفضل تنفيذها بالتعاون مع القطاع الخاص التخفيف من حدة التغيرات المناخية وتيسير التحوّل الرقمي.
– مساعدة المواطنين على استئناف العمل والتنقل بين الوظائف إذا لزم الأمر من خلال تقديم الدعم المالي للتحفيز على توظيف العمالة وتطوير التدريب وطرح برامج لدعم الباحثين عن الوظائف.
– تعزيز برامج الحماية الاجتماعية للمساعدة في التصدي لعدم المساواة والفقر.
– إعادة تصميم النظم الضريبية لدعم العدالة والتحفيز على حماية البيئة.
– الحد من النفقات المهدرة وزيادة شفافية مبادرات الإنفاق وتحسين ممارسات الحوكمة لجني ثمار الدعم المالي بالكامل.
وسيتعّين على صنّاع السياسات الموازنة بين زيادة الدعم على المدى القصير لضمان صلابة التعافي وبقاء الدين في مستوى تسهل إدارته على المدى الأطول. وسيكون من الضروري وضع أطر متعددة السنوات تتسم بالمصداقية لإدارة الإيرادات والنفقات (بما في ذلك كيفية تعزيز مركز المالية العامة على المدى المتوسط)، لا سيما في البلدان التي تعاني من ارتفاع مستويات الدين وضيق أوضاع التمويل.
وباختصار، يتعيّن على الحكومات الفوز في سباق اللقاحات والاستجابة بمرونة للأوضاع الاقتصادية المتغيّرة وتهيئة الظروف لتحقيق تعاف أكثر خُضرة وعدالة واستمرارية.
ويبقى السؤال اين لبنان من كل هذه الاولويات؟
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الاقتصاد