نقص الكهرباء والمياه بمراكز النزوح: المولِّدات تستفيد بالسِّلم والحرب

النزوح
تبتعد الدولة عن مواطنيها بقدر عجزها عن تلبية احتياجاتهم. وفي زمن الأزمات يزيد البُعد، إذ يلجأ المواطنون إلى تدبير أمورهم وتنظيم شؤونهم من لحمهم الحيّ، فيتعزّز يقينهم بعدم جدوى انتظار خدمات الدولة التي، وإن ظَهَرَت بشكل ما، فهي لا تسدّ الفراغ، وهو حال الكهرباء والمياه في السِلم والحرب. ومع ذلك، تحاول وزارات وإدارات ومؤسسات الدولة تقديم ما في جعبتها من خدمات، رغم ضآلتها.

ويحمل اللبنانيون عبء تأمين الخدمات في هذه الحرب بصورة مباشِرة وغير مباشِرة، إما بدفع فاتورة المياه أو المولّدات الخاصة في المنازل، أو من خلال تبديد الدولة الأموال العامة تحت ستار تأمين الخدمات للنازحين في مراكز الإيواء. ولأن الدولة عاجزة، تلوِّح وزارة الطاقة بالاستعانة بالمولِّدات الخاصة، وتنتظر ردّ الحكومة لتأمين التمويل.

الحرب تحوِّل الأزمة إلى كارثة

حتى اللحظة، تعتمد مؤسسة كهرباء لبنان على الفيول العراقي لتوليد الكهرباء التي بدورها تؤمِّن الطاقة لتشغيل المضخّات لإيصال المياه إلى المواطنين. وفي النتيجة، يحصل اللبنانيون في أحسن الأحوال على 3 إلى 4 ساعات كهرباء يومياً. أما على مستوى المياه، فواقع هذا القطاع قبل 8 تشرين الأول 2023، تلخّصه منظمة اليونيسف بإعلانها في تموز 2022 أن لبنان “تمكَّنَ من درء انهيار كامل في بنيته التحتية للمياه، ولكن شبكات إمدادات المياه لا تزال تتأرجح على حافة الهاوية، مما يعرض صحة الملايين من الأشخاص للخطر، ولا سيما الأطفال”.

فاقَمَت الحرب أزمة الطاقة. وإذا كان “الطلب على الكهرباء انخفض إزاء واقع الحرب”، وفق وزير الطاقة وليد فيّاض، بفعل التهجير وتدمير المنازل والمؤسسات في المناطق المستهدفة من قِبَل العدوّ الإسرائيلي، إلاّ أن الحرب تفترض ضرورة نقل “الوِفر” في الطاقة من تلك المناطق إلى مراكز النزوح، ولتلك الغاية، أكّد فيّاض أنه يسعى لـ”زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي والمياه”. والمسعى لتأمين الكهرباء والمياه لتلك المراكز “يحتاج إلى تمويل. أي بعض ملايين الدولارات في الشهر لتغطية تأمين المياه الجيدة وتأمين المازوت للمولدات واشتراكات الكهرباء. وقد تقدمنا بهذا الطلب (للحكومة) منذ 20 يوماً، وحتى اليوم ليس هناك استجابة، لأن آلية العمل للوصول إلى الموافقة والتنفيذ بطيئة، في حين يتطلب هذا الموضوع تحركاً أسرع”.

وإلى حين التحرّك سريعاً لإيجاد الحلول، يقول فيّاض إن “ما يطمئن، هو التوزيع الجغرافي واللامركزي لمنظومة إنتاج الطاقة، إذ أن حوالي 60 بالمئة من حاجات الكهرباء في لبنان تتأمّن من خلال آلاف المولدات الخاصة ولا يمكن تدميرها كلها، لأنها موزعة جغرافياً في مختلف المناطق، و20 بالمئة توفّرها أجهزة الطاقة الشمسية، فيما 20 بالمئة فقط يتم تأمينها من خلال منظومة الانتاج المركزية التابعة لشركة كهرباء لبنان، وهذه المنظومة موزعة على أربع مناطق”.

هذا الواقع يُتَرجِم عجز الدولة عن القيام بأبسط واجباتها في زمن السِلم، والذي يتحوَّل في زمن الأزمات إلى كارثة. فإذا كان تأمين المياه والكهرباء من مصادرها الرسمية، صعباً قبل الحرب، فإن الأخيرة أدّت إلى “تضرّر ما لا يقلّ عن 28 منشأة مياه، مما أثر على إمدادات المياه لأكثر من 360 ألف شخص، معظمهم في الجنوب”، وفق إحصاءات منظمة اليونيسف التي أشارت إلى أن “هذه الحصيلة ليست نهائية، فمن المرجح أن يكون الحجم الحقيقي للأضرار التي لحقت بشبكات المياه أكبر، إذ لا يمكن للفرق الفنية الوصول إلى العديد من المناطق المتضررة لتقييم الأضرار، وإيصال الوقود وإجراء الإصلاحات الضرورية”.
أما حديث فيّاض عن تأمين الدولة لـ20 بالمئة من حاجة السكّان للكهرباء، فيعكس حجم استقالتها من مهامها، وكذلك يؤكّد تأمين المواطنين للكهرباء من جيوبهم بنسبة 80 بالمئة. كما يتعزَّز عجز الدولة من خلال انتظار الروتين الإداري والمناكفات السياسية لتأمين المياه والكهرباء لمراكز إيواء النازحين، فيما تقول الحكومة ووزاراتها بأن لديها خططاً للطوارىء.

لا مركزية زائفة

في بحثها عن الحلول، تذهب وزارة الطاقة نحو القطاع الخاص. واللافت للنظر هو إدراج المولّدات ضمن “لا مركزية منظومة إنتاج الطاقة”، وكأنّ المولِّدات تابعة للدولة وتسير وفق منهجية ورقابة واضحتين. في حين أن اعتماد الناس على المولّدات هو بفعل الأمر الواقع وليس خياراً طوعياً.
ولذلك، يرفض مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة، ومحلل سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق، غسان بيضون، اعتبار المولّدات الخاصة لا مركزية صحيحة. وبحسب ما يقوله لـ”المدن”، فإن وزير الطاقة “يتلاعب بالألفاظ حين يعتبر المولّدات شكلاً من أشكال اللا مركزية، في حين أن اللا مركزية الصحيحة تعني تقسيم لبنان بشكل تقني إلى مناطق يُصار فيها إلى إنتاج وتوزيع الكهرباء على غرار مؤسسة كهرباء زحلة التي تُعتَبَر نموذجاً عن لا مركزية الإنتاج والتوزيع، وهي تتناقض مع نموذج المولّدات في الأحياء”. وإذا كانت المولّدات شكلاً من أشكال اللا مركزية “فلتجمعهم وزارة الطاقة تحت إدارة واحدة”.
ويرى بيضون أنه “يجب التخلّص من المولّدات وكلفتها العالية، والذهاب نحو المساهمة الجدية بحل مشكلة الطاقة سريعاً عبر الذهاب نحو الطاقة المتجددة”. ولهذا الغَرَض، يذكِّر بيضون بالقرض من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار الذي وافقَ مجلس الوزراء على تفويض وزير المالية يوسف الخليل للتفاوض بشأنه مع البنك. فهذا القرض يتعلّق بمشروع الطاقة المتجددة وتعزيز النظم. والجدير ذكره أن مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي، أعلن يوم الخميس 3 تشرين الأول، موافقته على المشروع الرامي إلى “دعم جهود استعادة خدمات شبكة الكهرباء ودعم تنفيذ الإصلاحات”. ويشير بيضون إلى امكانية الاستفادة من هذا القرض لتطوير قطاع الطاقة “وتزويد الأبنية الحكومية والبلديات والإدارات العامة والمدارس الرسمية ومراكز الإيواء، بالكهرباء”. وهذا التوجيه لا يخدم الفترة الاستثنائية فقط بل هو استثمار استراتيجي يسمح بـ”توفير الكهرباء للمؤسسات والمراكز العامة على المدى البعيد ويوفِّر المال على الدولة”.وتبرز أهمية هذه الخطوة أيضاً أمام احتمالات إطالة زمن الحرب.

دور الهيئة العليا للإغاثة

ولا تقف مشكلة طرح الاعتماد على المولّدات لتأمين الكهرباء لمراكز الإيواء عند مسألة إقحامها باللا مركزية، بل تتعداها إلى اختصار الصلاحيات. فبالنسبة لبيضون “في حالة الحرب، تستلم الهيئة العليا للإغاثة مهام إدارة الملف، بما أنها المعنية بتلقّي الهبات والمساعدات وتقديمها لمراكز الإيواء. وبالتالي، إن كان لا بدّ من التواصل مع أصحاب المولّدات الخاصة لتأمين الكهرباء للمراكز، فيجب أن يتم ذلك عبر الهيئة، فهذا العمل يندرج ضمن العمل الإغاثي في الظروف الاستثنائية، سيّما وأن وزارة الطاقة لا قدرة لديها على ضبط أصحاب المولّدات، وكذلك وزارة الاقتصاد”، وقد بدا ذلك بوضوح من خلال تفلُّت أصحاب المولّدات من قرارات الوزارتين طوال فترة الأزمة الاقتصادية التي انفجرت في العام 2019.
أيضاً، طرح الاعتماد على المولّدات يستتبع التساؤل عن الشفافية في مراقبة حجم الاستهلاك ودفع الفواتير، وهو أمر غير مضمون في ظل الواقع المترهِّل للدولة. ويعطي بيضون مثالاً عن طريقة إدارة الدولة لاستهلاك الكهرباء ودفعها الفواتير. ويشير إلى أن “وزارة المالية تخصِّص إيرادات مالية لدفع الفواتير بدون أي تدقيق، في حين أن قانون المحاسبة العمومية يوجب قبل أي إنفاق، تحقُّق كل إدارة عامة من حجم المبالغ وصحّة قيمتها، وهذا الإجراء يسمّى تصفية النفقة”. ويحذّر بيضون من خطورة اللامبالاة في استهلاك الكهرباء في مؤسسات وإدارات الدولة “فلا أحد ينتبه لترشيد الاستهلاك، ولاحقاً لا أحد يعرف الحجم الفعلي للصرف، فتأتي الفواتير ويتم الدفع بلا تدقيق”.
لا جدال في حاجة مراكز النزوح للكهرباء والمياه، لكن مسار البحث عن الحلول، لا يزال ضمن المنهجية النَفعية السائدة، رغم أن الحاجة الآنية تأتي في ظل ظروف استثنائية تفترض أولاً وجود خطة طوارىء معدَّة مسبقاً، وتفترض ثانياً التفكير بطريقة مختلفة تستجيب سريعاً للحاجة الطارئة بدون هدر المال العام أو تحميل المواطنين أعباءً إضافية حالياً أو مستقبلياً من خلال الديون.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع المدن