خاص www.limslb.com : تلزيم المعاينة الميكانيكية: استثمار غير مجدٍ في زمن القلة والشح المالي

خاص www.limslb.com : تلزيم المعاينة الميكانيكية: استثمار غير مجدٍ في زمن القلة والشح المالي

 الملخص: أنجزت وزارة الداخلية دفتر شروط تشغيل مراكز المعاينة الميكانيكية. ولئن كان دفتر شروط المناقصة الجديدة أفضل من السابق، إلا أن طريقة إدارة القطاع ما زالت تغرد خارج سرب الحداثة في الإدارة وتسهيل أمور المواطنين؛ حيث من المنتظر أن تمتد صفوف السيارات طويلاً أمام مراكز المعاينة الأربعة القائمة في الحدث والغازية وزحلة وزغرتا طيلة أيام العام. ولا يعود ذلك إلى عدم التزام المواطنين بجدول المواعيد المحدد بحسب أرقام السيارات، بل لعدم توافق عدد المراكز مع أعداد الآليات من سيارات ودراجات وآليات ثقيلة، وهو الأمر الذي سيضيع يوم عمل، إن لم يكن أكثر، على كل مواطن يملك سيارة، ويكبده دفع بدل نقل للوصول إلى المركز المحدد أضعافاً مضاعفة لكلفة المعاينة. ويمثّل ذلك خسارتين (مادية ومعنوية) على المواطنين من جهة، وتراجعاً في إيرادات الدولة بسبب فقدان المواطنين الحماسة لإجراء المعاينة من جهة أخرى. وفي المقابل، لا يكمن الحلّ المنشود في ما طُرِح بموجب قرار مجلس الوزراء رقم ٨٣ في العام ٢٠١٥ لجهة استحداث ١٣ مركزاً جديداً للمعاينة وتشغيلها على طريقة الـ BOT لتخفيف الضغط. فهو يتطلب أولاً من الناحية القانونية صدور قانون يجيز البناء تبعاً لأحكام المادة ٨٩ من الدستور اللبناني. أما من الناحية الاقتصادية، فيمثل استثماراً فاشلاً وغير مُجْدٍ في زمن القلة والشح المالي. وعليه، يكون من الأجدى للبنان مجاراة العديد من الدول الأخرى واستبدال نظام تلزيم المعاينة بنظام ترخيص “الغاراجات” من قبل الدولة اللبنانية والسماح لها بإجراء المعاينة. وبمعنى أوضح، يتقدم أصحاب “الغراجات” الذين يملكون المواصفات التقنية بطلب رخصة إجراء المعاينة مقابل سداد بدل سنوي للدولة عن عدد السيارات. وبهذه الطريقة، لا نسهّل أمور المواطنين ونوفر عليهم الوقت فحسب، بل نفسح في الوقت نفسه مجالات غير محدودة للعمل في مختلف المناطق والأحياء في المدن.

المناقصات السابقة: معارضة ديوان المحاسبة وإدارة المناقصات ومجلس شورى الدولة. ويُذكَر أن تاريخ المعاينة الميكانيكية في لبنان يعود إلى العام ٢٠٠٢. ففي هذا العام، تسلمت شركة “فال” مراكز المعاينة لمدة ١٠ سنوات على الرغم من معارضة ديوان المحاسبة إعطاء الموافقة المسبقة على المناقصة التي أجرتها وزارة الداخلية والبلديات من خارج إدارة المناقصات. وبعد التجديد لها أكثر من مرة بعد انتهاء مدة العقد، قرر مجلس الوزراء إجراء تلزيم جديد لتحديث محطات المعاينة الميكانيكية الأربع المنشأة في العام ٢٠٠٢ وتطويرها واستحداث مراكز جديدة في مختلف المناطق اللبنانية، وذلك من خلال مناقصة تجرى في إدارة المناقصات. إلا أن الأخيرة وجدت عيوبا جوهرية في التلزيم ورفضته. ولعلّ من أبرز تلك العيوب ضَمّ لجنتَي التلزيم والخبراء أعضاءً من هيئة إدارة السير التي يجري التلزيم لحسابها. وبعد عشرات المراجعات أمام القضاء الإداري، قاضي عجلة كان أم قاضي عقد، أبطل مجلس شورى الدولة المناقصة واستمر المشغل الحالي لغاية أيار ٢٠٢٢. إذ اتخذ وزير الداخلية والبلديات حينها قراراً بإلغاء المعاينة الميكانيكية لتقاضي الشركة المشغلة مبلغ 120 ألف ليرة لبنانية لقاء كل معاينة دون أي مسوغ شرعي.

مخالفات الميكانيك منذ العام 2002.  قبل العام ٢٠٠٢، لم تكن هنالك في لبنان مراكز للمعاينة الميكانيكية، في ١٥/٧/٢٠٠٢ رفض ديوان المحاسبة إعطاء الموافقة المسبقة على المناقصة التي أجرتها وزارة الداخلية والبلديات من خارج إدارة المناقصات لبناء وتشغيل محطات للمعاينة الميكانيكية بطريقة ال BOT لمدة ١٠ سنوات، والتي فاز بنتيجتها المشغل الحالي (شركة فال) والذي كان التمديد نصيب عقده في كل مرة تنتهي مدته الأصلية. إلا أن مجلس الوزراء وخلافاً لقرار ديوان المحاسبة رقم ٨٠٥/ر. م تاريخ ١٥/٧/٢٠٠٢ القاضي بعدم الموافقة على نتيجة التلزيم بالنظر إلى عيوب جوهرية رافقته ومغالطات تضمنها دفتر الشروط الخاص بالصفقة، وافق على التلزيم مستنداً إلى الصلاحيات المعطاة له بموجب الفقرة ١٢ من المادة ١٤٧ من قانون المحاسبة العمومية والتي كانت قبل نفاذ قانون الشراء العام بتاريخ ٢٩-٠٧-٢٠٢٣ تجيز إجراء الاتفاقيات بالتراضي بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من الوزير المختص.

محاولة تلزيم من خارج القانون وأبطال مجلس شورى الدولة للمناقصة. هكذا استمرت الحال على ما هي عليه مع المشغل الحالي من تمديد إلى تمديد، حتى قرر مجلس الوزراء بموجب قراره رقم ٨٣ تاريخ ٨/٤/٢٠١٥ إجراء تلزيم جديد لتحديث وتطوير محطات المعاينة الميكانيكية الأربعة المنشأة عام ٢٠٠٢ واستحداث مراكز جديدة في مختلف المناطق اللبنانية، وذلك من خلال مناقصة تجرى في إدارة المناقصات على ان يسمي وزير الداخلية والبلديات اعضاءً في لجنة التلزيم، الأمر الذي اعتبرته إدارة المناقصات في حينه مخالفاً لقانون المحاسبة العمومية ونظام المناقصات ويشكّل تدخلاً غير مشروع في عملها،  كما اعتبرت ان المشروع هو تلزيم بطريقة ال BOT يتعلق ببناء مراكز معاينة ميكانيكية وصيانتها وتشغيلها لمدة عشر سنوات ثم اعادتها للدولة اللبنانية ويقتضي تاليا صدور قانون يجيزه بناءً على أحكام المادة ٨٩ من الدستور اللبناني، ووضعت يومها إدارة المناقصات أكثر من خمسين ملاحظة على دفتر الشروط الخاص بالصفقة، لم يؤخذ بالجوهرية منها، وأهمها:

  • عدم وضوح وعدالة وشفافية معادلة الارساء التي أعطت ٤٠٪ للسعر و٦٠٪ للعامل الفني.
  • ان معايير التقييم الفني غير مرتبطة بمؤشرات حسية ملموسة وقائمة على استنسابية مفرطة في عمل لجنة التقييم.
  • ضرورة تقسيم المناقصة على أساس المحافظات لتخفيف مخاطر تلزيم كل المراكز لشركة واحدة ولتشجيع الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم وتوفير فرص عمل متكافئة.

في مطالعتها بتاريخ ٤/٨/٢٠١٦ الى وزارة الداخلية – هيئة إدارة السير والآليات والمركبات- اشارت إدارة المناقصات إلى عيوب جوهرية في عمل لجنتي التلزيم والخبراء اللتين ضمتا، عملاً بقرار مجلس الوزراء رقم ٨٣/٢٠١٥، اعضاءً من هيئة إدارة السير التي يجري التلزيم لحسابها، وكان أهم الانحرافات في عمل اللجنتين استنسابية غير معللة في رفض عروض وقبول أخرى من قبل لجنة الخبراء، علماً أن هذه الصلاحية هي للجنة التلزيم، بالإضافة الى مخالفة دفتر الشروط أصلاً لمعايير الشفافية والوضوح. بعد عشرات المراجعات امام القضاء الإداري، كقاضي عجلة او كقاضي عقد، أبطل مجلس شورى الدولة المناقصة واستمر المشغل الحالي منذ العام ٢٠٠٢ إلى أيار من العام ٢٠٢٢ حيث اتخذ وزير الداخلية والبلديات قرارا بإلغاء المعاينة الميكانيكية حتى إشعارٍ آخر، و طلب الى هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، استيفاء رسوم السير السنوية المتوجبة دون الطلب الى صاحب العلاقة إبراز إفادة صادرة عن المؤسسة المعتمدة تثبت أن السيارة قد خضعت للمعاينة أو الكشف الميكانيكي الدوري، كما أحال وزير الداخلية والبلديات الشركة المشغلة لمراكز المعاينة الميكانيكية الى النيابة العامة التمييزية لتقاضيها مبلغ 120 ألف ليرة لبنانية لقاء كل معاينة دون أي مسوغ شرعي.

المناقصة الجديدة. إن موضوع المناقصة الجديدة هو إدارة صيانة وتشغيل مراكز المعاينة الميكانيكية التالية:

  • مركز المعاينة في الحدث في محافظة جبل لبنان.
  • مركز المعاينة في الغازية في محافظة لبنان الجنوبي.
  • مركز المعاينة في زحلة في محافظة البقاع.
  • مركز المعاينة في زغرتا في محافظة لبنان الشمالي.

في حين ان موضوع التلزيم السابق كان تحديث وتطوير المراكز الأربعة الموجودة واستحداث مراكز جديدة وتشغيلها بطريقة ال BOT. المراكز الجديدة عددها ١٣، موزعة كما يلي: جبيل (جبل لبنان)، الشوف (جبل لبنان)، الكويخات (عكار)، طرابلس (لبنان الشمالي)، النبطية (النبطية)، صور (لبنان الجنوبي)، بعلبك (بعلبك الهرمل)، راشيا (البقاع)، مركز حرم مرفأ بيروت، مركز حرم مرفأ طرابلس، مركز حرم مرفأ صور، مركز حرم الحدود البرية في المصنع، مركز حرم الحدود البرية في العريضة. مدة العقد في التلزيم الحالي هي ٣ سنوات يمكن تمديدها لسنتين في حال تعذر اجراء مناقصة وعشر سنوات في التلزيم السابق الذي أبطل من قبل مجلس شورى الدولة بعد ان رفضت إدارة المناقصات نتيجته.

إيجابيات المناقصة الجديدة. أهمية التلزيم الحالي مقارنة مع التلزيم السابق انه يتيح مشاركة المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم، يلغي احتمال سقوط التلزيم بكامله كما في السابق بيد شركة واحدة كبيرة تمارس في مجال موضوعه احتكارا على مدى عشرات السنين، وان الملتزم يقبض اتعابه عن المعاينة الميكانيكية من الدولة وليس من المواطن، وان المواطن يدفع البدل للدولة خلافا للتلزيم السابق حيث الملتزم يحدد البدل ويستوفيه مباشرة من المواطن خلافا للدستور والنصوص القانونية والتنظيمية التي تجيز اعطاؤه جعالة عن بدل المعاينة التي تحددها الدولة دون سواها (قانون السير الجديد، والمرسوم رقم 7577 تاريخ 8/3/2002 – النظام الخاص بإجراء الكشف الميكانيكي-) ويجري التلزيم الحالي على اساس السعر الإجمالي الأدنى للصفقة، المحدد كما يلي: عدد المعاينات السنوي المتوقع لكل نوع من أنواع المركبات (ثقيلة، خفيفة، دراجة…) ولكل نوع من أنواع المعاينة ( دورية، تأكيدية)  x السعر الافرادي المقترح من العارض.

والايجابي في دفتر شروط هذا التلزيم انه يفرض على الملتزم الإبقاء على ٨٠٪ على الأقل من العمال لدى المشغل الحالي وتسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فيما بقي هذا الامر في التلزيم السابق من عناصر المفاضلة في اختيار العارضين بأفضلية معينة (١٠٪). كما ان طريقة تقديم العروض وتقييمها في دفتر الشروط الحالي الخاص بالصفقة أوضح بكثير من تلك الواردة في دفتر الشروط السابق، علما ان لجان التلزيم والاستلام يجب ان يتم تشكيلها وفقاً للآلية المنصوص عليها في قانون الشراء العام. اضافت هيئة الشراء العام إلى المستندات المطلوبة في دفتر الشروط الخاص بالصفقة من العارضين التصريح عن صاحب الحق الاقتصادي بالإضافة الى افادة من وزارة الاقتصاد بالنسبة للشركات الأجنبية التي تود المشاركة في هذه المناقصة.

هل اعتمدت وزارة الداخلية والبلديات الحل الأمثل؟ ان التلزيم الحالي افضل بكثير من السابق لناحية دفتر الشروط، لكننا نتوقع ازمة ازدحام خانقة امام كل من المراكز الأربعة موضوع التلزيم الحالي فور إعادة تشغيلها. كما نخشى اعتماد معايير متباينة في إجراءات المعاينة بين مركز واخر. ونرى في انشاء المحطات ال١٣ الباقية تنفيذا لقرار مجلس الوزراء رقم ٨٣/٢٠١٥ استثمارا فاشلا وغير مجدي في زمن القلة والشح والمالي. لذا، تقترح هذه الورقة استبدال هذا النظام بكامله بنظام الحصول على شهادات فحص مسبقة من مراكز تصليح خاصة معتمدة من قبل الدولة اللبنانية، وإعطاء التراخيص للمراكز المؤهلة وفقا لشروط تأهيل تضعها الدولة اللبنانية.