بين التأزم السياسي والمضاربات المالية.. الدولار مرشّح للارتفاع

بين التأزم السياسي والمضاربات المالية.. الدولار مرشّح للارتفاع
من جديد يسجّل سعر صرف الدولار في لبنان ارتفاعاً غير مسبوق، ملامساً عتبة 43 ألف ليرة. وعلى الرغم من اقتراب فترة الأعياد، وترقّب وصول نحو نصف مليون سائح، حسب توقعات وزارة السياحة، غير أن وقع الأزمة السياسية والانهيار المصرفي وعشوائية القرارات المالية والمضاربات على العملة، كان لها الأثر الأكبر في دفع الليرة اللبنانية إلى مزيد من التراجع.
يتحرّك دولار السوق السوداء صعوداً في مقابل الليرة منذ أسابيع، متجاهلاً استمرار مصرف لبنان في ضخ الدولارات في السوق عبر منصة صيرفة. وتقارب قيمة المبالغ الدولارية التي ضخها مصرف لبنان عبر منصة صيرفة من منتصف شهر تشرين الثاني الفائت (نحو 3 أسابيع) 225 مليون دولار. ورغم ذلك لم تهدأ وتيرة دولار السوق السوداء التصاعدية.

الطلب على الدولار
لم يأت ارتفاع سعر صرف الدولار من العدم، وليس تسارع ارتفاعه بالأمر المفاجئ. فالعوامل الدافعة لتراجع قيمة الليرة اللبنانية بشكل دراماتيكي منذ 3 سنوات ما زالت مستمرة حتى اليوم، لا بل ربما تزايدت تلك العوامل وتعزّزت بمؤشرات سلبية إضافية.
ويلفت مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، في حديثه إلى “المدن”، إلى أن العوامل البنيوية التي أدت الى ارتفاع سعر صرف الدولار في السنوات الماضية من 1500 ليرة ببداية الأزمة، إلى نحو 20 ألف ليرة مطلع العام 2022، ثم إلى 42000 في الشهر الأخير من 2022.. لا تزال مستمرة للأسباب نفسها. مذكّراً بأن ما يحدد قيمة الليرة اليوم هو حجم الليرات المتداولة في السوق والتي تتزايد بشكل كبير، ومعها يتزايد الطلب على الدولار.

ولا تُخفى عملية تزايد الطلب على الدولار على أحد. ويؤكد نقيب الصرّافين في لبنان أنطوان مارون، من خلال رصده لحركة السوق، بأن الطلب على شراء الدولارات اليوم كبير جداً، من قبل مختلف الجهات “فالناس خائفة على أموالها ومصير مدخراتها، خصوصاً في ظل الأجواء السياسية المشحونة التي تنذر باستمرار الفراغ الرئاسي والحكومي حتى الربيع المقبل، أي طيلة أشهر”. من هنا تتزايد المخاوف لدى الناس على مدخراتهم. ولا ننسى إقبال المستوردين والشركات لاسيما المحروقات والمواد الغذائية، على شراء الدولارات.

عوامل الانهيار مستمرة
أما العوامل المسببة لتدهور سعر صرف الليرة في مقابل الدولار فمستمرة. وحسب مارديني، فإن كمية الليرات في السوق تتزايد بشكل هائل. فمع بداية الازمة كانت الكتلة النقدية بالليرة نحو 5 آلاف مليار ليرة. أما اليوم فتفوق 65 الف مليار ليرة، وبالتالي، أدت إلى زيادة سعر صرف الدولار.
أما لماذا تزيد الليرات، فالأسباب باتت واضحة وترتبط بالدرجة الأولى بعجز الموازنة العامة وتزايد نفقات الحكومة اللبنانية، بالإضافة إلى عدم القيام بالإصلاحات المالية. هذه العوامل من شأنها ان تدفع  نحو استمرار سعر صرف الدولار بالارتفاع مقابل تراجع الليرة. فتمويل النفقات لا يتم إلا عبر طباعة النقد، يقول مارديني. أما الوجه الآخر للأزمة فهو عجز المصارف عن سداد الدولارات للعملاء، وتالياً باتت السحوبات حصراً بالليرة، وهو ما يفاقم ضخ الليرات بالسوق.
وطالما أن هذين العاملين مستمران، فمن غير الممكن توقع تراجع سعر الدولار، بغض النظر ما إذا كان هناك عوامل إيجابية كنجاح موسم سياحي شتوي أم لا.
ويعزو مارون في حديثه إلى “المدن” الارتفاع المتسارع للدولار إلى التشنج السياسي الموجود في البلد. ويرى أن التشنج السياسي هو العامل المباشر لانفلات سعر الصرف، “فالاستقرار هو عامل الثقة الأول الذي من شأنه أن يريح الاقتصاد نوعاً ما”. وإذ يستغرب كيف يمكن للناس أن تشعر بالثقة في ظل الوضع الراهن، المزدحم بالتصاريح المضادة والمناكفات والتشنجات، يرى أنه من الطبيعي لجوء المواطنين إلى شراء الدولارات كملاذ آمن.
ولا يستبعد مارون استغلال المضاربين للظروف الراهنة، وتحقيقهم مكاسب مالية على حساب المضاربة على العملة الوطنية والمساهمة بارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء.

مصير الدولار
في ظل الوضع القائم يتوقع مارديني استمرارالمسار التصاعدي لسعر صرف الدولار بصرف النظر عن التقلبات اليومية.
وبالعودة الى عام فائت، كان سعر صرف الدولار في محيط 18 ألف ليرة أو 20 ألفاً، أما اليوم فيتراوح بين 40 ألفاً و42 الف ليرة، ما يعني أنه مهما تراجع أو ارتفع على مدار عام كامل، إلا أن قيمته تضاعفت أمام الليرة. وهذا الأمر يأخذنا إلى الاعتقاد بأنه بعد عام سيكون سعر صرف الدولار قطعاً أعلى بكثير مما هو عليه اليوم، في حال استمرت العوامل الدافعة لانهيار الليرة على حالها.