سباق مع الزمن لإنقاذ لبنان من اللائحة الرمادية، تعرقله الاصلاحات الشكلية

تتبع المعالجات الرسمية لمعظم الملفات الحساسة في لبنان نهجاً سطحياً لا يلامس جوهر الأزمة المالية والاقتصادية. يستجيب المسؤولون شكلياً للضغوط الدولية بإقرار البنود الإصلاحية، لكنهم يفخخون ذلك من الباطن بشتى مسببات التعطيل والتأجيل. تطالب مجموعة العمل المالي الدولي لبنان بتنفيذ إحدى عشر شرطاً أساسياً للخروج من اللائحة الرمادية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وضعت هذه المجموعة لبنان على اللائحة الرمادية منذ عام 2022، وتستمر في المطالبة بإصلاحات جدية وسريعة وملموسة. يعني استمرار هذا التصنيف أن البلد سيُعتبر من الدول غير المتعاونة، مما يعرضه لعزلة مالية دولية وارتفاع كلفة التعاملات المصرفية بشكل كبير.

تركز الشروط المطلوبة على تشديد الرقابة على ثلاث جهات أساسية تتعامل مع الشركات التجارية ومؤسسات الأعمال، وهي كتاب العدل والمحامون والمحاسبون المجازون. تتطلب هذه الرقابة فرض غرامات وعقوبات فعالة على المخالفين، وهو ما يستوجب تدخل مجلس النواب وليس مجالس إدارة النقابات المعنية.

تشمل المعالجات الحالية تعديل قيم العقوبات المالية المنصوص عليها في القانون رقم 44 لمكافحة تبييض الأموال. ارتفعت الغرامات من مائة مليون ليرة لبنانية، والتي أصبحت تعادل مائة دولار أمريكي فقط بسبب انهيار العملة المحلية، إلى مبالغ أكبر. لكن هذه التعديلات لا تطال جوهر الموضوع المتعلق بالرقابة المشددة على الجهات الأكثر مخالفة لقوانين مكافحة تبييض الأموال.

تتجاهل الحكومة الحلول الجذرية المقترحة من اللجنة الاستشارية في وزارة العدل، مثل منع الدفع لكتاب العدل والمحامين والمحاسبين إلا عبر المصارف أو عبر الأمانات في وزارة المالية. يهدف هذا الإجراء إلى تتبع الأموال وملاحقتها والتأكد من عدم وجود عمليات تبييض أموال.

يتعاقد مصرف لبنان مع شركات خارجية لمساعدة البلد في الخروج من اللائحة الرمادية، بينما تتعاون جهات أخرى مثل المعهد الأوروبي المتوسطي والسفارات المختلفة في نفس الهدف. تشكل وزارة العدل لجنة استشارية خاصة للخروج من هذه اللائحة، لكن النتائج الحقيقية على أرض الواقع ما زالت غائبة.

يقترب موعد تقييم مجموعة العمل المالي في الخريف الحالي، حيث ستقرر إما بقاء لبنان على اللائحة الرمادية أو خروجه منها أو اعتباره دولة غير متعاونة. يزيد هذا التوقيت من خطورة الوضع، إذ قد يُدرج لبنان على اللائحة السوداء في الربيع القادم.

تهتز ثقة المصارف المراسلة في الخارج بالمصارف اللبنانية بسبب البقاء على اللائحة الرمادية. أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 170 الذي يمنع التعامل مع الشركات الخاضعة لعقوبات أمريكية أو غير المرخصة من مصرف لبنان والتي تمارس أعمالاً مصرفية. يندرج هذا الإجراء ضمن إطار مكافحة تبييض الأموال لأن هذه الشركات غير مراقبة ولا يُعرف طبيعة تعاملاتها.

تتطلب مواجهة هذا التحدي تضافر الجهود بين السلطات التشريعية والتنفيذية والوزارات المعنية والنقابات، خاصة نقابات المحاسبين المجازين والمحامين وكتاب العدل. تشمل القطاعات المعرضة لتبييض الأموال تجارة المجوهرات والأحجار الكريمة والعقارات، والتي تعتبر مادة دسمة لهذه العمليات.

يتطلب الوضع الحالي تطبيق القانون بشكل جدي وعدم الاستمرار في المعالجات السطحية أو تمييع الإصلاحات. تؤثر هذه الإصلاحات على مصالح فئات من المتنفذين والفاعلين في البلد، مما يفسر مقاومة تطبيقها. وصل لبنان إلى مرحلة حرجة لا تسمح بتضييع المزيد من الوقت، إذ يواجه خطر العزلة المالية وارتفاع كلفة التعاملات الاقتصادية بشكل كبير، مما سيفاقم الضرر الاقتصادي على جميع الجهات والأطراف في البلد.

اضغط هنا لمشاهدة المحرر الاقتصادي على اذاعة البشائر