في العام 2022، جاءت اتفاقية استيراد النفط العراقي. وُجد الطرح من بوّابة إنقاذ الكهرباء بعد انتهاء عقد “Sonatrach” لاستيراد الفيول أويل، وما رافقها من فضائح متعلقة بـ”بيزنيس” شراء فيول غير مطابق للمواصفات لصالح الدولة اللبنانية. لكن لماذا فشلت آلية تنفيذ الاتفاقية بالشكل المطلوب؟
اقتضى العرض تزويد لبنان عبر الــswap agreement(اتفاقية مبادلة) بالفيول أويل، والديزل والغاز أويل مع تسهيلات بالدفع وبسعر مميز مدعوم، جعلته يبدو وكأنه هبة…
في صيف العام 2022، وُقّعت اتفاقية بين لبنان والعراق تهدف إلى تأمين كميات من النفط لتغذية معامل إنتاج الكهرباء اللبنانية. نصت الاتفاقية على فتح حساب مصرفي لصالح وزارة المالية العراقية في مصرف لبنان، يدفع من خلاله ثمن النفط المُتفق عليه. الا أن هذا الحساب لم يُفتح في حينه.
عن الموضوع، يرى المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق في اتصال مع جريدة “الخبر”، أن “الاتفاقية على الرغم من إقرارها قانونياً، إلا أن آلية تنفيذها لم تتم بالشكل المطلوب. فتح الحساب المطلوب متأخراً ، الا أنّ المحاسبة لم تتم كما يجب. وعلى ما يبدو لم تُدفع بدلات الخدمات المقدمة للعراقيين في الوقت المناسب. وقد أدّت هذه الإخفاقات التنظيمية إلى تراكم التكاليف المتوجبة على لبنان، حيث يُقدر أن الحكومة قد دفعت حوالى 530 مليون دولار من أصل المبلغ المستحق حتى اليوم “.
مؤسسة كهرباء لبنان – تكاليف باهظة وتعرفة عالية لا تغطي التكاليف
تكمن المشكلة الكبرى في أن مؤسسة كهرباء لبنان، التي يفترض بها أن تتحمل كلّ تكاليف الإنتاج ومن ضمنها ثمن الفيول من خلال عوائد التعرفة الكهربائية، بقيت عاجزة عن تغطية نفقاتها برغم رفع التعرفة وزيادة رسومها العالية دون وجه حق.
وبحسب بيضون، فإن كهرباء لبنان “مسؤولة عن تسديد أكلاف الفيول وذلك ضمن مصاريفها العادية، باعتبار أن قانون إنشاء المؤسسة قد نص على أن تدار بطريقة تؤدي إلى تغطية أكلافها من خلال تعرفة مبيع الكهربا. إلا أن التعرفة المطبقة حالياً هي برغم ارتفاعها غير كافية لتغطية نفقات المؤسسة وتكاليف الإنتاج وذلك بسبب الهدر والفساد المستمرين فيها وعلى شبكاتها”.
ويضيف بيضون أنه “في العام 2022، تم رفع التعرفة وحددت على أساس 10 سنت لأول 100 كيلوواط، و27 سنت لكل ما يتخطى ذلك. تتراوح تكلفة إنتاج الكهرباء بين 11 سنت في معملي الزوق والجية و14 سنت في باقي المعامل. هذه الفجوة بين التعرفة والتكلفة الحقيقية تزيد من تفاقم العجز المالي للشركة، ما يجعل المواطن العادي يتحمل الأعباء الضخمة الناجمة عن الهدر والاستمداد غير الشرعي للتيار خارج العداد وعن سوء الإدارة”.
التعرفة الجديدة – حل مؤقت أم زيادة للأعباء؟
استمرّت الأزمة الكهرب باء وعدم كفاية ساعات التغذية ومازال يتكرر التهديد بالعتمة الشاملة من وقت لآخر، برغم قرار زيادة التعرفة وعدم الالتزام بخفضها مع تراجع أسعار النفط من ٠١١٠ $ لبرميل برنت إلى حدود ٧٠ $ ، وفق ما نص على قرار التعرفة. ووفقاً لبيضون، “فإن كهرباء لبنان اشترطت أن تدفع الدولة اللبنانية 460 مليون دولار لتغطية ثمن النفط العراقي، وإذا لم تدفعها، سيتم رفع التعرفة بـ10 سنت إضافية، وهو ما يُعتبر خطوة غير مقبولة وغير مبررة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. فالحكومة فرضت رسوم اشتراك إضافية، مما يزيد من الأعباء المالية على المواطنين. بينما تظل الحلول الجذرية غائبة عن المشهد، مثل مكافحة الفساد وضمان الشفافية في إدارة القطاع الكهربائي”.
الواقع الحالي لقطاع الكهرباء
بحسب بيضون، “تتعامل مؤسسة كهرباء لبنان مع مشكلة العجز المالي من خلال فرض رسوم اشتراك ثابتة يفترض قانوناً أن تتناسب مع ساعات التغذية الكهربائية الفعلية إضافة إلى فرض دفع تعرفة مرتفعة رغم أن ساعات التغذية بالتيار الكهربائي محدودة جداً”.
ينصّ نظام الاستثمار في مؤسسة كهرباء لبنان على أن المؤسسة ملزمة بتأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم. وفي حال حدوث أي عطل، يسمح بقطع الكهرباء لساعات محدودة خلال يوم الأحد فقط. لكن في الواقع، يتجاوز الانقطاع هذه الحدود بشكل كبير، مما يتيح للمشتركين قانونياً المطالبة بخفض الجعالة، أي رسم العداد الثابت، بمقدار نسبة الانقطاع. ولكن هذا الحق لا يُطبّق في ظل النظام الحالي.
رفع التعرفة والتوازن المالي المزعوم
يوضح بيضون أن “مؤسسة كهرباء لبنان تدعي أنّ رفع التعرفة جاء لتحقيق التوازن المالي. لكن لو صحّ ذلك، فلماذا يجب أن تستمر الدولة بتحمل أعباء استيراد النفط العراقي؟ وأين تذهب إيرادات الفواتير التي تُجبى من المواطنين؟”
مسؤوليات الحكومة ومجلس النواب
القضية تصبح أكثر تعقيداً عندما نتحدث عن الصلاحيات القانونية. فبرأي بيضون، “رفع التعرفة هو من ضمن صلاحيات مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، وليس من صلاحيات الوزير أو حتى الحكومة. من هذا المنطلق، تكون التدخلات الحكومية في قرارات مجلس الإدارة، بما فيها رفع التعرفة، مخالفة للقانون وتُشكل تجاوزاً لصلاحيات المؤسسات المستقلة ككهرباء لبنان التي هي مؤسسة عامة مستقلّة ماليّا”.
فساد في القطاع وأعباء غير مبررة
“يُظهر النظام الحالي للقطاع الكهربائي في لبنان ممارسات تنطوي على هدر وفساد مالي”، يقول بيضون. موضحاً انه “تم الاستعانة بمقدّمي الخدمات لمدة أربع سنوات على أساس بناء شبكة ذكية وعدادات ذكية لضبط المخالفات وتخفيض الهدر، بكلفة تقديرية بلغت 780 مليون دولار. لكن حتى اليوم، لم تُركب هذه العدادات، ووصلت التكلفة إلى ما يقرب من 1.5 مليار دولار دون أية فائدة ملموسة”.
الفوترة والجباية: الفجوة الكبيرة
يمثّل الفرق بين الفوترة والجباية تحدياً آخر. ويشدّد بيضون على أن “الفوترة تُعنى بإصدار الفواتير بناءًا على استهلاك الكهرباء عبر العدادات، لكن المشكلة تكمن في أن أقل من 50% من الكهرباء الموزعة يتم استهلاكها عبر العدادات. أما الجباية فهي النسبة المحصّلة من الفواتير، وليس من الطاقة المستهلكة فعلياً. هذا الفارق الكبير بين ما يتم إنتاجه وما تتم فوترته ومن ثم جبايته يعكس مستوى الهدر وسوء الإدارة في قطاع الكهرباء”.
الكهرباء “خوّة” بلا نتيجة
إن تعرفة كهرباء لبنان الحالية هي أشبه بالخوة والاستغلال. بحيث تُحصّل رسوم عالية دون أن يتم تحسين التغذية الكهربائية. النفط العراقي، رغم محدوديته، لا يكاد يغطي سوى أربع ساعات من الكهرباء يومياً. الدولة، في وضعها الحالي، لا تستطيع تحمل تكاليف استيراد المزيد من النفط، مما يضع عبئاً إضافياً على المواطنين الذين يضطرون لدفع الفواتير العالية، تضاف إلى فاتورة المولدات، دون مقابل.
هل من مخرج؟
يؤكد بيضون أن “خزينة الدولة ليست قادرة على تحمل فواتير النفط العراقي. عليه، ليس من المفترض أن تتحمل هذه الأعباء المالية. أضف الى ذلك، أنّ فواتير كهرباء الدولة التي تم تغطيتها بمبلغ سلفة خزينة قدره 6500 مليار ليرة لبنانية لوزارة المالية غير قانونية، ولا تحترم الأصول القانونية للإنفاق.” هذه الخطوة، كما يفصّل بيضون تأتي في سياق الوعود الوهمية غير المنطقية والبعيدة عن واقع التحقيق والتي تتكرر من الحكومة ووزارة الطاقة”.
ويضيف أنه “لا بد من إيجاد حلول حقيقية لمشكلة الهدر في قطاع الكهرباء، وذلك من خلال إنتاج الكهرباء من قبل القطاع الخاص بالتعاون مع البلديات ومشاريع الطاقة الشمسية كحلول أكثر استدامة”.
ويختم بيضون بأنه “لا بد من إيجاد حلول حقيقية لمشكلة الهدر في قطاع الكهرباء، وذلك من خلال إنتاج الكهرباء من قبل القطاع الخاص بالتعاون مع البلديات واتحادات البلديات في إطار لا مركزية إنتاج وتوزيع الطاقة لتحقيق التنمية المستدامة وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة والشمسية الأرخص والأسرع تنفيذاً والأقل حاجة للتمويل المتوفر داخلياً، والصديقة للبيئة ولميزان المدفوعات وموازنة الدولة والمواطن والاقتصاد “.