ليست المرة الأولى التي يتهدد فيها لبنان بالعتمة الشاملة، مشاريع واعدة وضعت على طاولة مجلس الوزراء، استعنا بالبواخر التركية لزيادة انتاج الطاقة، احترقت بدواخينها ملايين الدولارات وبات الشعب اللبناني يحمد دولته على الساعات التي تزوده بها وزارة الطاقة من نورها.
في كل مرة تمر عبارة “العتمة الشاملة” تخرج الأصوات التي ترمي الاتهامات ومعظمها بين المسؤولين عن هذا القطاع ، كون لكل من هؤلاء حساباته الخاصة بعدما تم هدر مليارات الدولارات على هذا القطاع، الذي اصبح ينتظر صرف الاعتمادات لتصله بواخر الشحن من الدول التي وقعت معها الدولة اللبنانية اتفاقيات ضمن شروط معينة وعلى رأسها العراق، الذي لم يسلم من الانتقاد وهو البلد الذي نعتمد عليه بشكل أساسي لإنارة لبنان بما يتيسر من اعتمادات.
بموجب اتفاق زيت الوقود الثقيل الذي جرى توقيعه أول مرة في يوليو/تموز 2021، يلتزم العراق بتزويد لبنان بالوقود مقابل خدمات من بينها الرعاية الصحية للمواطنين العراقيين.
في يوليو/ تموز من العام 2023 تم تجديد الاتفاقية لمدة سنة أيضاً، لكن العراق رفض في هذه السنة تجديد الاتفاق بسبب عدم تقديم لبنان أي خدمات او سلع ونتج عن ذلك ديون ديون تقدر بقيمة 600 مليون دولار، لكن يبدو ان الأمور اتجهت الى الحلحلة اثر زيارة الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في تموز من العام الجاري برفقة عدد من الوزراء والمدراء العامين حيث التقى رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني ، حيث تم الاتفاق على تجديد الاتفاق .
وفق حديث المدير العام السابق للاستثمار والخبير لدى المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون ل”صوت بيروت انترناشونال”، قال “في الواقع هناك فرق بين ما نقرأه في اتفاقية النفط العراقي التي أقرها مجلس النواب وما نسمعه عن مراحل وصعوبات استكمال تطبيق الاتفاقية المذكورة، يبدو انها تعرضت لتعديلات أو تفاهمات غير معلنة ومحاطة بكتمان شديد، وهذا ما يجعلنا نشك بخلفية هذه الإرادة بعدم كشف الحقيقة او كامل الحقيقة. في البداية بدأ تزويد بالنفط العراقي على انه هبة، لكن كثرة التساهل العراقي في تأخير الدفع او تحويله بمرحلة لاحقة الى الليرة اللبنانية يوحي بانه اقرب الى الهبة او المساعدة، لكن تبين ان هناك موجب على لبنان أن يقدم خدمات للمواطنين العراقيين منها الجامعية والصحية وخدمات أخرى، على أن تم تسديدها من حساب يفتح لصالح العراق في مصرف لبنان، وتبين لاحقاً أن خطة الكهرباء وما عرف بخطة الطوارئ الوطنية عام 2022، كانت تتضمن شرط غير معلن وهو أن تتحمل الحكومة ثمن النفط العراقي مع أن منطق التعرفة الذي هدفت كما اعلن لتأمين التوازن المالي لا يفترض أن تقوم الدولة بتسديد ثمنه، وانما ان تكون التعرفة كافية لتغطيته خاصة وانها فاحشة مع رسومها وتبلغ 27 سنت بعد ال100 كيلو واط وقد تكون 37 سنت ان لم تدفع الدولة عن إداراتها. فإذن هناك شيء غامض واستغلال لهذا التساهل وفساد دخل الى هذه الاتفاقية، خاصة خلال عملية الاستبدال، لأننا لا نعلم كيف يتم الاستبدال سوى انه عبر مناقصة تستحوذ عليها الشركة نفسها وهي تحصل مع تخفيض المهل، ولا احد يعلم نسبة الكمية التي يحسمها من يؤمن لنا المحروقات الجاهزة”.
ويضيف بيضون انه “كما دخل الفساد الى عقد شركة “سوناطراك” في وقت سابق عندما تبين ان الفيول مغشوش، قد يكون دخل أيضا الى الاتفاقية العراقية بسبب غموضها”.
من الوجهة المالية لا يمكن لمؤسسة “كهرباء لبنان” أن تشتري محروقات كافية من خارج العراق لكي تتمكن من تأمين حاجتها لزيادة الإنتاج حتى ولو سلمنا ان الحكومة هي من ستسدد من الخزينة التي تحتاج الى موافقة مجلس النواب، من هنا جاء كلام حاكم المصرفي بالإنابة وسيم منصوري عن عدم قدرته الدفع على حساب الخزينة، واتهامه بعدم تحويل “ليرات ” المؤسسة الى دولارات الامر الذي يؤدي الى عرقلة خطة المؤسسة، في وقت اكد استعداده للسماح لمؤسسة كهرباء لبنان بالتصرف بأموالها دون قيد أو شرط . إلا ان المشكلة ان على صعيد النفط العراقي أو المحروقات التي تشتريها مؤسسة كهرباء لبنان، مهما بلغت كميتها وقدرة المؤسسة والدولة على المساهمة في التمويل فان نسبة عالية من الإنتاج الذي سوف تتوفر من استخدام هذه المحروقات وسوف يكون مردوده قليل وسوف تذهب نسبة عالية منه بين 55 و60% على الأقل بسبب الهدر و”التعليق” على الشبكة غير الشرعي.
إذن وفق بيضون هناك خلل بنيوي في واقع المؤسسة لناحية عجزها وعدم قدرتها على استرداد ثمن أي نفط تشتريه، ولذا فهم دائما يطلقون الحجج المختلفة لتبرير عجزهم وتغطية فشلهم وسوء الإدارة وتسلط وزارة الطاقة بمشاركة الحكومة على شؤون مؤسسة كهرباء لبنان، المفترض ان تكون مستقلة وهي من تضع خططها وتصدر قرارتها، ولا يحق لوزير الطاقة ولا للحكومة ممارسة صلاحيات مجلس ادارتها، بل التصديق على قرارتها او رفضها في حال لم تنطبق على القوانين والأنظمة، كسلطة وصاية دون ان يكون لها الحق بالتعديل.
ويلفت بيضون انه في ما يتعلق بالفيول العراقي، يجب على المسؤولين وضع تقرير بالتفصيل يبين آلية تطبيقه حالياً وإمكانية تطويره لاحقاَ وبحث الأسباب التي اعاقت أو أخرت الاستفادة منه بالحدود الممكنة او وفق البرنامج المتفق عليه للتسليم لناحية الكمية المحددة. ولذا فان الاستفادة من النفط العراقي تنعكس على المؤسسات العامة ومرافقها كون القطاع الخاص يعتمد على إدارة هذا القطاع من خلال المولدات، ولتفادي تعطيل المرافق العامة على الدولة اكتشاف أسباب الخلل والضعف وعدم الانتفاع منه كما يجب ، والخلافات مع الحكومة والنتائج التي اسفرت عنها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى العراق ولماذا تدخل رئيس جهاز امني بالتوسط للمفاوضات في هذا الملف وهذا ما يضفي الغموض عليها.
ويختم بيضون كلامه بالقول انه يجب التعاطي بحكمة مع ازمة الكهرباء ، ومن المهم جداً الحرص على تأمين مصدر للمحروقات مستقر ومستدام وموثوق وآمن من حيث النوعية وعدم الاختلاسات بمحروقات من مصادر مختلفة الامر الذي يمكن ان يلحق الضرر بمعامل الإنتاج.
من هنا يجب الاهتمام بتطوير الهبة لتعود الى مستوى اتفاقية ترعاها الدولة الجزائرية مجدداً بحيث لا تتكرر دخول الفساد الى علاقة لبنان بشرك سوناطراك.
كل ما تحدثنا عنه لا يعني ان توفير حل مستدام لازمة الكهرباء يقتصر على هذين التدبيرين ،وانما سوف تكون هناك حاجة لإنشاء معامل كهرباء على الطاقة الشمسية بالتعاون بين البلديات واتحادات البلديات والقطاع الخاص في اطار استراتيجية تنمية المناطق ولا مركزية الإنتاج والتوزيع وتطوير تجارب بعض البلديات التي خاضت تجارباً ناجحة في هذا المجال.