خاص LIMSLB :الاتصالات تكرر “الضرب تحت الزنار” وتتجه نحوا تلزيم خدمة Paket Core بالتراضي

Paket Core

يمتنع بعض الوزراء عن التقيد بتوصيات هيئة الشراء العام، مثل وزير الطاقة والمياه ووزير الاتصالات، ويتعاملون كأن القانون لا يزال يجيز لمجلس الوزراء عقد الاتفاقيات بالتراضي بناء على اقتراح الوزير المختص، علماً أن قانون الشراء العام قد ألغى هذه الممارسة. فقد وافق مجلس الوزراء مؤخراً على طلب وزير الاتصالات الإجازة له إجراء عقود بالتراضي عبر شركة ألفا لتأمين خدمة  Paket Core بعد انتهاء مدة العقد السابق المبرم مع شركة إيريكسون السويدية. وقد تحجج القرار بضرورة منع احتكار شركة واحدة لقطاع الاتصالات على المستوى الوطني، أي شركة Huawei المتعاقدة مع تاتش، في حال أجرت ألفا مناقصة وفازت بها Huawei.

ولعلّ اللافت في الصفقات التي تُعقَد، ولا سيما على صعيد وزارة الاتصالات مؤخراً، هو تأويل قرارات التلزيم بالتراضي بما لا يصب بأي شكل من الأشكال في الصالح العام ويفتح المجال أمام المحاباة وشبهات الفساد. ويتعلق القرار في الواقع بتغيير البنية الأساسية المعلوماتية لشبكة الاتصالات بغية رفع المستوى التقني للشبكة، أي تغيير التجهيزات والبرامج التي تشغّل الشبكة. وتجدر الإشارة إلى أن عدة شركات، ذكر منها مجلس الوزراء ثلاثاً، هي قادرة على تأمين الخدمات المطلوبة. وقد كان من الأجدى بالتالي إجراء مناقصة شفافة تسمح بمنافسة حقيقية بين العارضين، مع تضمين دفتر الشروط عدم جواز تعاقد نفس الشركة مع ألفا وتاتش.

وبغض النظر عما سندرجه تفصيلياً في سياق النص من مخالفات فادحة لقانوني الشراء العام والمحاسبة العمومية في هذه الصفقة بالتحديد، يشكّل الإصرار على إتمام الصفقات بالتراضي عبر التلاعب بالقوانين نكسة حقيقية للاقتصاد وإمكانية خروج لبنان من الانهيار.  فلطالما كانت مشكلة مختلف القطاعات، ولا سيما الكهرباء والاتصالات، هي تعمد القضاء على المنافسة وإبقاء هذين القطاعين بالغَي الأهمية “حديقةً خلفيةً” للتوظيف السياسي والمنفعة الشخصية. لذا يصر عدد من الأحزاب السياسية على ضرورة بقاءهما احتكاراً بيد الدولة وبالتالي بيد الوزراء. إذ من شأن فتح القطاعات على المنافسة الحقيقية، بعيدا عن تسلط الدولة ووزرائها، تعطيل هذه السياسة المنفعية والسماح بازدهار قطاعي الاتصالات والكهرباء وتخفيض الكلفة على المستهلكين وتحسين نوعية الخدمات.

ولعلّ ما يجري اليوم من “ضرب تحت زنار قانون الشراء العام” من قبل وزارة الاتصالات لا يعدو كونه محاولة بائسة لتعطيل الخروج من النهج القديم البائد. وهذا ما لا يستقيم في ظل القوانين القائمة لو سلمنا أن ثمة قضاءً ومسؤولين يحترمون ما يقرون من تشريعات وقوانين، لأن هذه التجاوزات تقضي على الإصلاح وإمكانية خروج البلاد من مأزقها.  

قانون الشراء العام يحمي المنافسة ويمنع الاحتكارات

من سوء طالع قانون الشراء العام الذي بدء تنفيذه اعتبارا من ٢٩ تموز ٢٠٢٢ أن الوزراء لا يتقيدون في الغالب، كما وزير الطاقة والمياه ووزير الاتصالات، بتوصيات هيئة الشراء العام. كما لا يزال البعض يتعامل مع قانون الشراء العام وكأنه غير قائم، وكأن الفقرة ١٢ من المادة ١٤٧ من قانون المحاسبة العمومية التي تجيز لمجلس الوزراء عقد الاتفاقيات بالتراضي بناء على اقتراح الوزير المختص ما زالت قائمة، مع أنها أُلغيَت صراحةً بنص المادة ١١٤ من قانون الشراء العام. حيث نصت الفقرة الأولى من هذه المادة حرفيا على ما يلي: “تلغى المواد المئة وواحد وعشرون حتى المئة وواحد وخمسون ضمنا والمواد ٢٢٠، ٢٢١ و٢٢٣ من قانون المحاسبة العمومية….”

وقد عول الرأي العام على هذا الإلغاء وتفاءل به باعتبار أن الاتفاقيات الرضائية العشوائية شكلت سببا مهما من أسباب الانهيار المالي في لبنان.

وقد حددت المادة ٤٦ من قانون الشراء العام حالات التعاقد بالتراضي وفقا لما يلي:

١.عند عدم توفُّر موضوع الشراء إلّا عند مورِّد أو مقاول واحد، أو عندما تكون لمورّد أو مقاول حقوق ملكية فكرية فيما يَخصّ موضوع الشراء، ويتعذّر اعتماد خيار أو بديل آخر؛

٢.في حالات الطوارئ والإغاثة من جَرّاء وقوع حدث كارثي وغير مُتَوَقَّع، ونتيجة ذلك لا يكون استخدام أيّ طريقة شراء أُخرى أسلوباً عملياً لمواجهة هذه الحالات؛

٣-عند حاجة الجهة الشارية إلى التعاقد مع الملتزم الأساسي عند توفُّر الشروط التالية مجتمعة:

  • حصول الحاجة أثناء تنفيذ العقد؛
  • توفُّر حالة العجلة القصوى ووجوب التعاقد لمنع التأخير في التنفيذ؛
  • وجوب توحيد المواصفات والتوافق أو التماثل مع السلع، أو المعدات، أو التكنولوجيا أو الخدمات أو الأشغال الموجودة؛
  • عدم تأدية الإضافات إلى تبديل هدف العقد الأساسي أو قلب اقتصادياته أو ضرب مبدأ المنافسة؛
  • تشكيل اللوازم أو الأشغال أو الخدمات ملحقاً للشراء الأساسي وجزءاً متمِّماً له أو وجوب تنفيذ الأشغال في مكان العمل؛
  • عدم إمكانية توقُّع الحاجة الإضافية أثناء التعاقد الأساسي.

٤.عند شراء لوازم أو خدمات أو عند تنفيذ أشغال تستوجب المحافظة على طابعها السري من أجل مقتضيات الأمن أو الدفاع الوطني، وذلك وفقاً لقرار يُتَّخَذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير المختص الذي يُحدِّد الصفة السرية للشراء وأسباب التعاقد الرضائي؛

٥.عند التعاقد مع أشخاص القانون العام كالمؤسسات العامة والبلديات أو المنظمات الدوليّة.

٦.عند التعاقد مع المستشفيات والمراكز الطبية والمختبرات.

وقد أصدر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ ٢٩-١١-٢٠٢٣ القرار رقم ٢٢ المتضمن الموافقة على طلب وزير الاتصالات الإجازة له، عبر شركات الخلوي، إجراء عقود (Packet Core) بالتراضي مع شركات Ericsson أو   Huawei أو  Nokia.

ويستند القرار إلى الدستور اللبناني، وتحديداً المادة ٦٢ منه، وإلى قانون المحاسبة العمومية دون تحديد مادة منه، وإلى قانون الشراء العام دون تحديد مادة منه، وإلى اقتراح وزير الاتصالات الذي عرضه رئيس مجلس الوزراء دون كتاب يثبته.

وقد جاء في بناءات القرار:

– الحاجة والضرورة الملحّة ودقّة الموضوع لأسباب عدّة جوهرية.

– منعاً لعملية احتكار شركة واحدة لقطاع الاتصالات على المستوى الوطني.  -استناداً إلى الضرورات الأمنية المتضمّنة إمكانية تسريب بيانات عائدة للشركات أو للمواطنين أو للأجهزة الأمنية على حدّ سواء.

– تفادياً لأيّ خروقات أمنية في حال حصول أي خلل أو عطل، ما يؤدي إلى إحداث ضرر على المستويين الأمني والإستراتيجي في البلاد.

ويتعلق القرار في الواقع بتغيير البنية الأساسية المعلوماتية لشبكة الاتصالات بغية رفع المستوى التقني للشبكة، أي تغيير التجهيزات والبرامج التي تشغّل الشبكة، لا تطوير التجهيزات والبرامج القائمة.

وفي خلفيات القضية، فقد تعاقدت كلتا شركات الهاتف الخليوي منذ سنوات مع شركة في الموضوع المتعلق بالبنية الأساسية المعلوماتية لشبكة الاتصالات (برامج وتجهيزات ما يعرف بـ Paket Core ). فقد تعاقدت شركة تاتش مع شركة  Huawei الصينية وتعاقدت شركة ألفا مع شركة Ericsson السويدية. واليوم، ومع انتهاء عقد شركة Ericsson, تخشى شركة ألفا، ومن ورائها وزير الاتصالات، إجراء مناقصة لئلا تفوز فيها شركة Huawei الصينية المعروفة بتدني أسعارها في السوق. لذا كان الاتجاه بدلاً من إجراء المناقصة ووضع المواصفات ومعايير الجودة المطلوبة في دفتر شروطها إلى البحث عن مبررات تجيز التعاقد بالتراضي. وتجدر الإشارة إلى أن عدة شركات ذكر منها مجلس الوزراء ثلاثاً هي قادرة على تأمين الخدمات المطلوبة. ثم ما هي قيمة العقد المفترض؟ وهل وافق مجلس الوزراء، وهو المؤتمن على النفقات الرأسمالية لشركتي الخليوي، على عقد مجهول القيمة؟ وما هو مصدر تمويل العقد؟ وهل الاعتماد متوفر؟ وما هي مدته؟

أمّا في هياكل التشريعات، فمنها ما ليس في محله على الإطلاق مثل المادة ٦٢ من الدستور؛ ذلك لأن الأمر لا يتعلق بمعاهدة دولية. كما أن البناء على قانون المحاسبة العمومية لا يقع في موقعه القانوني الصحيح، لأن المواد المتعلقة بالصفقات العمومية في هذا القانون أُلغِيَت وحل محلها قانون الشراء العام.

ويبقى الاستناد إلى المادة ٤٦ من قانون الشراء حيث لا تتوفر أي حالة من حالاتها الست:

١.لا تتوفر حالة المورد الوحيد، فالقرار رقم ٢٢ تاريخ ٢٩-١١-٢٠٢٣ أورد ٣ شركات قادرة على تنفيذ العمل المطلوب.

٢.لا تتوفر حالات الطوارئ والإغاثة المرتبطة بوقوع حدث كارثي وغير مُتَوَقَّع. 

٣. لا تتوفر حالة الحاجة إلى التعاقد مع الملتزم الأساسي لعدم توفر شروطها المنصوص عليها في الفقرة ٣ من المادة ٤٦. فالأمر يتعلق ببنية معلوماتية جديدة لشبكة الهاتف لا تطوير البنية القائمة.

٤. هل يتعلق الأمر بشراء لوازم أو خدمات أو عند تنفيذ أشغال تستوجب المحافظة على طابعها السري من أجل مقتضيات الأمن أو الدفاع الوطني؟ فالقرار المتَّخَذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير المختص لم يُحدِّد الصفة السرية للشراء وأسباب التعاقد الرضائي ولم يظهر الضرورات الأمنية التي تستوجب المحافظة على البيانات لكون الشركة المراد إقصاؤها تتعامل مع بيانات نصف اللبنانيين المشتركين في تاتش. فهل نحافظ على سرية نصف البيانات ونبيح النصف الآخر إذا كانت هذه الضرورات موجودة؟

٥.بالتأكيد لا يتعلق الأمر بالتعاقد مع أشخاص القانون العام مثل المؤسسات العامة والبلديات أو المنظمات الدوليّة.

٦. كما لا يتعلق الأمر أيضا بالتعاقد مع المستشفيات والمراكز الطبية والمختبرات.

وإذا كان المراد منع الاحتكار، فقد كان يمكن إجراء منافسة تمنعه! فلماذا لم يُعتَمَد خيار المنافسة؟

فريق المعهد اللبناني لدراسات السوق