خاص www.limslb.com:تلزيمات مطار بيروت: مخالفة للقوانين وتعزيز الاحتكار والمسافر يدفع الثمن

مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي

عندما تتجول في مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي تلمس الواقع على حقيقته: ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي تباع للمسافرين، ولعل أبرز مثال على ذلك سعر قارورة المياه الذي يبلغ اضعاف مضاعفة عن سعرها في السوق اللبناني. وينطبق الأمر نفسه على مواقف السيارات التي وضعت إدارتها رسوماً عالية تكوي جيوب مستخدميها. هذا ما يراه المسافر؛ أما ما لا يراه مثل تزويد الطائرات بالوقود، فقد اتخذ تلزيمه طريقاً يشبه الطرق التي اعتُمدت في السوق الحرة ومواقف السيارات. ويحرم احتكار إدارة السوق الحرة والموقف المسافر  الاستفادة من المنافسة التي تؤدي، حُكماً، إلى انخفاض أسعار السّلع.

تسلط هذه الورقة الضوء على كيفية إدارة الحكومات المتعاقبة لمرافق الدولة بعد انتهاء عقود الـ BOT، وتبيّن من خلال التلزيمات الحاصلة في مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي مدى عشوائيتها وعبثيتها. فهي تفتقر إلى أدنى مقومات المهنية والحرص على المال العام، حيث غابت، أو غُيِّبَت، عن كل منها دراسة الأثر البيئي والجدوى المالية والأثر الاجتماعي وغيرها من الدراسات التي يُفترض ضمها إلى مشاريع التلزيم لتصبح مكتملة بالشكل المنطقي والمهني والقانوني.

أما الأسعار التي تنطلق منها المزايدات، فهي أشبه بحفلة زجل ارتجالية وليدة اللحظة آنية الصياغة. ولا نبالغ في هذا التشبيه على الإطلاق. فحين يرتفع المزايد الفائز بسعره المطروح حتى خمسة أضعاف سعر الافتتاح، لا بد من المطالبة بتشريع ينظّم تلزيمات المطار ويسمح بتجزئة المساحات حيثما أمكن ذلك لتفعيل المنافسة وتأمين خدمة أفضل للمسافرين بسعر أقل.

وبناءً عليه، تسلط هذه الورقة الضوء على التلزيمات التي حصلت في مطار رفيق الحريري الدولي والاتفاقيات التي وُقّعت بعد انتهاء عقود الـ BOT بين الدولة اللبنانية والشركات المشغِّلة لمرافقه، لنستنتج أن تلزيمات المطار نهج بحاجة إلى إعادة النظر خصوصاً بعد انتهاء الفترات الأصلية للعقود.

تلزيمات عشوائية

منذ زمن بعيد، تُجرى تلزيمات في مطار رفيق الحريري الدولي لاستثمار كافيتريات ومطاعم، أو لاستثمار السوق الحرة، أو لاستثمار مواقف السيارات، أو لإعداد الطعام للمسافرين، أو لتزويد الطائرات بالوقود، أو لتغليف حقائب، أو لاستثمار لوحات إعلانية، أو غير ذلك. وتجري هذه التلزيمات دون دراسة جدوى مالية مرفقة بالمشروع، بالإضافة إلى غياب الدراسات الضرورية والمطلوبة قانوناً، ومنها دراسة الأثر البيئي ودراسة الجدوى الاقتصادية ودراسة الأثر الاجتماعي وسواها. وهكذا، تجري هذه المزايدات بالاستناد إلى سعر افتتاح أقل ما يقال فيه إنه مرتجل ولا يعبر عن القيمة العملية والعلمية للاستثمار.

وقد بدأ بعض هذه الاستثمارات بطريقة البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT ; وبعد انقضاء الفترات الأصلية للعقود، تحولت الملكية إلى الدولة اللبنانية (المديرية العامة للطيران المدني)   التي باتت تجدد هذه الاستثمارات بموجب مزايدات تستند إلى المادة ٦٠ من القرار رقم ٢٧٥ تاريخ ٢٥-٠٥-١٩٢٦: “أن العقارات في الداخلية في أملاك الدولة في المدن تؤجر بعد الإعلان عنها لمدة أربع سنوات على الأكثر وبناء على تعيين سعر افتتاح المزايدة على أثر كشف إداري فيما عدا الأحوال التي تؤجر فيها العقارات لإدارة عمومية أو لمصلحة المنفعة العمومية أو لأحدى البلديات. يجب بصورة إجبارية أن يجري التأجير بالمزاد العلني؛ إذا لم ينجح المزاد فيمكن إجراء التأجير بالرضى”. وفي هذا الصدد، فإنّ الاستثمارات التي بدأت بطريقة البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT هي:

السوق الحرة- مواقف السيارات – المطاعم والكافيتريات- تزويد الطائرات بالوقود.

وتقتصر مهل الاستثمار بحدها الأقصى بموجب القرار رقم ٢٧٥ تاريخ ٢٢-١٠-١٩٢٦ (إدارة وبيع أملاك الدولة الخصوصية غير المنقولة) على أربع سنوات. ولا يتفق هذا الأمر من حيث المبدأ مع طبيعة بعض المشاريع الاستثمارية التي يستغرق تنفيذ نفقاتها الثابتة سنوات؛ كما تتطلب استعادة هذه النفقات من إيرادات المشروع سنوات عديدة.

وقد أدت هذه التلزيمات إلى نشوء احتكارات داخل المطار ووضعية هيمنة وفقا لأحكام التعريف المعطى على الشكل التالي لكل من الاحتكار والهيمنة في قانون المنافسة رقم ٢٨١ تاريخ ١٥-٠٣-٢٠٢٢: (المادة ٢ – التعاريف)

تغييب المنافسة

الاحتكار: “التحكم من قبل شخص أو مجموعة أشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر في توفير كمية وأسعار منتج لا يمكن استبداله بمنتج آخر بما يؤدي إلى تقييد حركة المنافسة في السوق أو الإضرار بها”.

الهيمنة: ‏” قدرة شخص، أو مجموعة أشخاص يعملون إما بشكل مباشر أو غير مباشر، للسيطرة على السوق المعنية – بشكل مستقل عن المنافسين والمستهلكين”.

كما نص قانون المنافسة في المادة الثامنة منه على أن الوضع المهيمن يتحقق عندما يكون الشخص قادراً على السيطرة الفعلية، سواء بمفرده أو مع عدد قليل من الأشخاص، على سوق، أو سلعة أو خدمة معينة أو مجموعة من السلع أو الخدمات بشكل مستقل عن منافسيه أو زبائنه أو مورديه.

قوننة الاحتكار

إذا راجعنا السند القانوني لهذه التلزيمات، وهو المادة ٦٠ من القرار رقم ٢٧٥/١٩٢٦، نصل إلى النتيجة التالية: بالاستناد إلى هذه المادة، وبقرار من وزير الأشغال العامة والنقل، تعطى احتكارات تؤدي إلى خلق أوضاع مهيمنة لناحية فرض الأسعار على الزبائن من قبل المستثمر. فإذا قصد المسافر السوق الحرة في المطار مثلاً فالأسعار محددة من مستثمر هذه السوق منذ نشأته إلى اليوم، والزبون لا يجد السلعة في مكان آخر في المطار. وكذلك يفرض مستثمر الكافيتريات أسعاره على زبائنه، ولا يجد الزبون السلعة في مكان آخر في المطار. وهذا ما يفعله بدوره مستثمر مواقف السيارات خلافا للقاعدة العامة في تحديد الأسعار التي نصت عليها المادة الرابعة من قانون المنافسة على الشكل التالي: “تحدد أسعار السلع والخدمات على الأراضي اللبنانية وفقاً لقواعد السوق ومبادئ المنافسة الحرة”. فأين هي قواعد السوق؟ وأين هي المنافسة الحرة من عقود استثمار تجيز لمستثمر يحتكر سوقاً بأن يحدد السعر بما يصل إلى ضعفَي سعر السوق؟ هذا في النص؛ أما في الواقع، فالسعر أكثر بكثير مما قد نتوقع، ناهيك عن أن الشركات التي تستثمر صالونات الشرف الأربعة في مطار بيروت الدولي تسدد للخزينة رسم ١٠٠ دولار عن كل مسافر وتستوفي ١٠٠ دولار لصالحها. ويؤدي هذا الأمر بحد ذاته إلى حرمان الخزينة من مداخيل مهمة فيما لو نظمت مزايدة لقبض بدل هذا النوع من الاستثمار. وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد اتّضح من اجتماع لجنة الأشغال والطاقة النيابية بتاريخ ٠٥-١٠ – ٢٠٢٣ وجود عشرات الآلاف من الأمتار يستثمرها أحدهم بأسعار زهيدة جداً يدفعها للدولة اللبنانية.

وباختصار، تُستثمَر المساحات والمطاعم ومواقف السيارات في مطار رفيق الحريري الدولي لقاء أثمان بخسة تسدد للخزينة إن سُدّدت (إذ لا يتم سداد قرش واحد عن استثمار صالون الشرف في المطار زيادة على رسم ال ١٠٠ دولار عن كل مسافر عن كل ساعة أو كسر من الساعة). ويستثمر المحتكرون هذه المساحات في أوضاع مهيمنة وفقا لتعريف قانون المنافسة، وتكون الضحية ضحيتين: المسافر الذي يدفع من جيبه ثمن السلعة أو الخدمة مضاعفاً، والخزينة اللبنانية التي تُحرَم من عائدات استثمار هائلة.

هل ستُستعاد حقوق الدولة؟

ألم يحن الوقت لكسر هذه الاحتكارات المخالفة أصلاً للمادة ٨٩ من الدستور اللبناني؟ :”لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة من ذات المنفعة العامة، أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود”. ثم لماذا لا تتم تجزئة المساحات، حيثما أمكن، وتوزيعها على عدة مستثمرين ليتنافسوا فيما بينهم على تقديم أفضل السلع والخدمات بأدنى الأسعار للمسافر وتحصل الدولة على العائد الأعلى من الاستثمار؟ ثم هذه مزايدة تلزيم المطاعم والكافيتريات في المطار موضوع جلسة لجنة الأشغال العامة والنقل تاريخ ٠٥-١٠-٢٠٢٣ والتي حُدِّد فيها سعر الافتتاح بـ ٧٠٠ ألف دولار أميركي وفاز بها مزايد وضع سعر يقارب ٣،٥ مليون دولار. ألم تكن وحدها مناسبة للاقتناع بأن إدارة أموال الدولة لا تتم بالارتجال وإنما عن علم ودراية ومعرفة؟

لقد باتت الحاجة ملحة إلى استصدار تشريع خاص ينظم التلزيمات في مطارالشهيد رفيق الحريري الدولي على قواعد المنافسة وأسعار السوق يفرض تجزئة المساحات حيثما أمكن، وبالتالي تعدد الموردين، عبر مزايدات شفافة تراقبها هيئة الشراء العام.

فريق المعهد اللبناني لدراسات السوق