*«توتال إنرجيز» و«قطر للطاقة» تقومان باحتكار شراء عقود الطاقة المتجددة المتعثرة في جميع أنحاء لبنان
*بناء مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع تستعمل الآن كورقة مساومة لجذب الاستثمار الأجنبي
*مشاكل نظامية بما في ذلك عمليات إعادة تقديم العطاءات المبهمة وغياب الرقابة المستقلّة تزيد المخاطر المحتملة
*التحوّل نحو الطاقة المتجددة من دون سياسةٍ مستنيرةٍ بخبرةٍ واعية سيؤدي إلى إدامة مشاكل القطاع التاريخية
*مخاطر في ظل عدم تعيين هيئة ناظمة للكهرباء وتأخّر المصادقة على مشروع قانون توزيع الطاقة المتجددة
*فشل المشاريع المقترحة يعود إلى شرط احتفاظ كهرباء لبنان باحتكار الشراء من منتجي الطاقة المستقلّين
*دخول شركات الوقود الأحفوري المتعددة الجنسيات إلى السوق اللبنانية يتمّ في غياب رقابة خبراء مستقلّين
*العثور على تمويل بحجم كبير لبيئة إستثمارية عالية المخاطر مثل لبنان لا يزال أمراً صعباً للغاية
أعدت منصة «البديل» تحقيقاً عن مشاريع الطاقة المتجددة في لبنان كتبته الباحثة ليونورا مونسون اكدت فيه ان انقطاع التيار الكهربائي، وسُحب التلوث، والشوارع المظلمة ليست سوى جوانب تذكرنا يومياً بأزمة الكهرباء المنهِكة في لبنان. فبعد مرور أربع سنوات على واحد من أسوأ الانهيارات المالية في التاريخ الحديث، أصبحت الحاجة إلى ثورة الطاقة الخضراء في لبنان أكبر من أي وقت مضى. توقفت مؤسسة كهرباء لبنان – المزود الحكومي للكهرباء – عن العمل فعلياً بعد عقود من سوء الإدارة التي شهدت تراكم ديون تزيد على 40 مليار دولار. وخلال كل هذه الفترة الممتدّة، دفع سكّان لبنان الثمن كاملاً بسبب ارتفاع فواتير الكهرباء والمخاوف الصحيّة الناتجة عن الاعتماد الرئيسي على مولّدات الديزل – المسبب الرئيس لمشاكل التلوّث الكبيرة التي تواجهها البلاد.
وفي ما يلي نص التحقيق:
تكرار الأنماط
الناظر إلى الإمكانات التغييرية لموارد الطاقة المتجددة – أي طاقة الرّياح والطاقة المتجدّدة – يرى أنّها تبعث على التفاؤل وسط مخلّفات مشهد الكهرباء في لبنان، إلّا أن بنية الطاقة الخضراء في لبنان قد تكرّر الأنماط التي كانت موجودة في أسلافها من النفط والغاز.
يقوم عدد من الشركات المتعددة الجنسيات المكونة من عملاقي الوقود «توتال إنرجيز» و»قطر للطاقة» باحتكار شراء عقود مشاريع الطاقة المتجددة المتعثرة في جميع أنحاء لبنان، وفقاً للمقابلات التي أجراها موقع «بديل». وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع خطط الشركات لأنشطة استخراج النفط والغاز قبالة الساحل اللبناني. وتتجه منصة الحفر التابعة للشركات حالياً نحو وجهتها النهائية في «البلوك 9» في المياه اللبنانية. وبدأت أنشطة الاستكشاف في أيلول.
معارضة «التخضير»
وبينما يعارض المجتمع المدني العالمي بشدة فكرة «تخضير» أموال النفط من قبل شركات الوقود الأحفوري، فإن الحكومة اللبنانية تغضّ الطرف عن ذلك؛ إذ إنّ مشاريع الطاقة النظيفة – التي تشمل بناء مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد – تستعمل الآن كورقة مساومة لجذب الاستثمار الأجنبي إلى لبنان. وفي الواقع فإن وزارة الطاقة والمياه تعتمد على نجاح مبادرات الطاقة المتجددة الحكومية وعلى قدرة شركات النفط الكبرى على رمي النرد في المشاريع عالية المخاطر والمكافآت المرتفعة.
مشاكل نظامية
إنّ المشاكل النظامية التي تقع في أسس هذه الصفقات ــ بما في ذلك عمليات إعادة تقديم العطاءات المبهمة وغياب الرقابة المستقلة ــ تزيد من المخاطر المحتملة لو استمرت الحالة على ما هي عليه، ولهذا يبدو أن تحوّل الطاقة المتجددة في لبنان – ما لم يقترن بسياسةٍ مستنيرةٍ بخبرةٍ واعية – سيؤدي إلى إدامة المشاكل التاريخية في قطاع الطاقة في البلاد: أي عدم المساواة وانعدام الشفافية وسيطرة النخبة على الموارد.
ليس الأمر مستحيلاً، إذ من أجل تشكيل تحول مبدئي في مجال الطاقة في لبنان، فإن الإطار التشريعي اللازم موجود بالفعل ولكنه يتطلب بذل جهود متجددة لتنفيذه من قبل وزارة الطاقة والمياه. ويشمل ذلك تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، وفقاً للقانون رقم 462/2002، والمصادقة على مشروع قانون توزيع الطاقة المتجددة المنتظر إقرارُه حالياً في مجلس النواب.
أسس خاطئة
بدعم من «ذراعها التقني» أي المركز اللبناني لحفظ الطاقة (LCEC)، أعلنت وزارة الطاقة والمياه عن دعمها للعديد من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية على نطاق المرافق العامة في عام 2017. وفي كانون الأول أطلقت الوزارة عملية المناقصة لشركات الطاقة الشمسية لبناء تقديم عطاءات لبناء 12 محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في جميع أنحاء البلاد، بهدف إنتاج إجمالي 180 ميغاوات من الكهرباء. وفي الشهر التالي أعلنت الوزارة أن ثلاثَ شركاتٍ من القطاع الخاص قد فازت بعقود لبناء مزارع رياح بقدرة إجمالية تبلغ 226 ميغاواطاً في محافظة عكار، وكان الهدف الرئيسي وراء هذين المشروعين إعادة بيع الكهرباء إلى شركة كهرباء لبنان بموجب اتفاقية شراء الطاقة (PPA).
مشاريع حبر على ورق
وبعد مرور ست سنوات على الاقتراحات المذكورة، لا تزال كل هذه المشاريع مجردَ حبر على الورق. فقد أدى اندلاع الأزمة المالية عام 2019 إلى ندرة فرص التمويل للشركات المحلية. وفي الوقت نفسه، بدا لبنان «ثقباً أسود» للاستثمار للشركات الدولية التي من الممكن أن تسعى لتمويله.
وفي ظل الرقابة العامة المكثفة، لم يكن من المستغرب أن يقومَ وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وليد فيّاض، بإقامة حفل علني لمحاولته إحياء مساعي الوزارة في مجال الطاقة المتجددة في أيار 2023. لقد شمل هذا الحفل توقيع العقود مع كونسورتيوم (إتّحاد) من الشركات لبناء 11 من أصل 12 محطة للطاقة الشمسية تم التخطيط لها سابقاً، بعد انسحاب اتحاد ناجح من المشروع بسبب نقص التمويل. ثم تم منح الشركات الفائزة مدّة سنة واحدة للعثور على فرص أخرى للتمويل أو مواجهة خسارة عقودها التي حصلت عليها بشق الأنفس، وبعد ثلاثة أشهر استسلم العديد منها للأمر الواقع، لعدم قدرة أفرادها على التوصل لحلول مناسبة.
«أعتقد أنها مضيعة للوقت». يقول إيلي معلوف (مدير العمليات في شركة الطاقة الشمسية الكهروضوئية اللبنانية، EcoSys)، لموقع «بديل»: «ما لم يكن هناك مستحوذ قابل للتمويل، فلن يتمكن أحد من الخارج من التمويل. EcoSys هي جزءٌ من كونسورتيوم فاز بأحد العقود الثلاثة المرغوبة بشدّة في وادي البقاع».
سبب الفشل
إن الفشل في نجاح المشاريع المقترحة، يعود في الأصل إلى الشرط المنصوص عليه في المرسوم رقم 16878/1964 والمراسيم ذات الصلة، وهو أن تحتفظ شركة كهرباء لبنان باحتكار شراء الكهرباء التي ينتجها منتجو الطاقة المستقلون (IPPs). وقد استقرت اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة التابعة للوزارة على سعر إعادة بيع الكهرباء المولدة من مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية بقيمة 5.7 سنتات أميركية لكل كيلوواط ساعة (USc / kWh) في البقاع و6.27 في المناطق الثلاث الأخرى، على أن يتمّ بيع الكهرباء المولدة في مشاريع رياح عكار من جديد إلى شركة كهرباء لبنان بسعر 9.60 سنتات أميركية لكل كيلوواط في السّاعة الواحدة.
وفي هذا السياق، علّق كاميلو ستوبنبرغ – خبير البنية التحتية للطاقة في لبنان في جامعة كورنيل- قائلاً: «إنّ مؤسسة كهرباء لبنان غير قادرة على دفع أي شيء لأي شخص». وفي الواقع – في الفترة الأخيرة تحديداً – حصل وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وليد فيّاض، على سلفة خزينة أخرى بقيمة 116 مليون دولار أميركي لإبقاء شركة كهرباء لبنان خارج نطاق الخطر في كانون الثاني 2023.
إن تحوّل الطاقة المتجددة في لبنان – ما لم يقترن بسياسةٍ مستنيرةٍ بخبرةٍ واعية – سيؤدي إلى إدامة المشاكل التاريخية في قطاع الطاقة في البلاد: أي عدم المساواة وانعدام الشفافية وسيطرة النخبة على الموارد.
فسحة أمل
وسط هذه النظرة القاتمة لتطوير الطاقة المتجددة في لبنان، شهد الوقود الأحفوري انتعاشاً، على خلاف مصادر الطّاقة الأخرى، وقد أعطت شركتا النفط الأوروبيتان «توتال إنرجيز» و»إيني» الضوء الأخضر لخطة التنقيب عن النفط والغاز قبالة الساحل اللبناني في أعقاب اتفاقٍ لبنانيّ – إسرائيليّ تاريخيّ تم التوصل إليه في تشرين الأول 2022. كما وأعلنت شركة قطر للطاقة في وقت لاحق أنها ستنضم إلى المشروع بحصة أصغر قليلاً تبلغ 30 في المئة. وفي العام التالي، أعرب فيّاض علناً عن أن قطر «مهتمة» هي أيضاً بالاستثمار في قطاع الطاقة الشمسية في لبنان بعد الزيارة التي قام بها وزير الطاقة القطري، سعد بن شريدة الكعبي، في أوائل تموز 2023 إلى لبنان.
مناقشات شراء
في الوقت الرّاهن، تجري «توتال إنرجيز» و»قطر للطاقة» مناقشاتٍ متقدمة لشراء اثنتين أو ثلاث من اتفاقيات شراء الطاقة من شركات الطاقة الشمسية الفائزة – التي لم تتمكن من العثور على استثمار. وفي الوقت نفسه، تتواصل شركة «توتال إنرجيز» مع أصحاب العقود الحاليين لشراء اتفاقيات شراء الطاقة لمشاريع طاقة الرياح في عكار. وقد تم تأكيد ذلك من خلال المقابلات التي أجريت مع الجهات الحكومية، بما في ذلك وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وخبراء الطاقة في لبنان، ومدير إحدى شركات الطاقة الشمسية الكهروضوئية – التي تحمل حالياً ترخيص شراء الطاقة لمحطة للطاقة الشمسية في وادي البقاع.
ومن المتوقع أن تتحمّل كل محطة من محطات الطاقة الشمسية تكلفةً تتراوح ما بين 8 إلى 15 مليون دولار أميركي، وفقاً لمارك أيوب، خبير الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت. أمّا بالنسبة لشركات الطاقة الشمسية المحلية والدولية، فإن العثور على تمويل بهذا الحجم لبيئة استثمارية عالية المخاطر مثل لبنان، لا يزال أمراً صعب للغاية.
يضيف ستوبنبرغ: “إنّ الشيء الجيد الذي حدث لحاملي التراخيص لا يكمن في أنهم سيتمكنون من العثورعلى الأموال اللازمة لمشاريعهم، بل في حقيقة أنّه أصبح لديهم الآن مشروعٌ يمكنهم بيعه». وهذا مهم بشكل خاص في حالة مشاريع الرياح في عكار.
علاء الخواجة
إذ إن المساهم الأكبر في الشركة القابضة التي تمتلك حصة مسيطرة في أصحاب التراخيص الثلاثة – «عكار المستدامة» و»هوا عكار» و»لبنان لطاقة الرياح» – هو رجل الأعمال الملياردير علاء الخواجة. وبحسب الخوري، فإن التكاليف الغارقة للمشاريع، بما في ذلك الاستحواذ على الأراضي وتطوير المواقع وشراء التوربينات ونقلها، ستبلغ حوالى 350 مليون دولار. وفي هذا الإطار، قال روني كرم، رئيس المؤسسة اللبنانية للطاقة المتجددة : «إن المطورين الأصليين قد يكونون قادرين على بيع مشاريعهم بربح».
بمثابة قطرة
فعند النّظر إلى الأرباح التي حققتها شركة توتال إنرجيز نجد أنها بلغت 149 مليار دولار أميركي اعتباراً من تمّوز 2023، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة – وغير المدرجة في سوق الأوراق المالية – عن أرباحٍ تصل قيمتها إلى 42 مليار دولار أميركي لعام 2022. وهكذا يظهر ثمن هذه المشاريع المتجددة ليكون بمثابة قطرةٍ في محيط بالنسبة لشركات النفط العالمية، كما قال رئيس LCEC بيار الخوري، في مقابلة مع موقع «بديل». ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن يمتد شراء عدد قليل من تراخيص مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية لاحقاً ليشمل العقود المتبقية، حسبما قال أيوب.
إن المخاوف المتعلقة بالدفع من شركة كهرباء لبنان ضئيلة للغاية بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات مثل «توتال إنرجيز» وقطر للطاقة. وذلك لأن هذه الشركات مطالبة بالفعل بدفع مبالغ للحكومة اللبنانية إذا ثبت أن مشاريع النفط والغاز الخاصة بها قبالة الساحل اللبناني مربحة، وفقاً لما صرح به ستوبنبرغ.
“إن دافعهم الآن هو الغسيل الأخضر». يقول كرم عن اهتمام شركات النفط الكبرى بمصادر الطاقة المتجددة في لبنان: «لكننا بحاجة إلى أي مساعدة يمكننا الحصول عليها».
إنّ الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة، إلى جانب استخراج الوقود الأحفوري المتزامن، هو بمثابة رأس مال رمزي قيّم في قطاع الطاقة العالمي اليوم. وهو يعكس اتجاهاً أوسع في مجال الطّاقة حيث تعرضُ الشركات نواياها الحسنة في مجال الطاقة الجديدة مع إمكانية الوصول إلى فرص النفط والغاز المربحة، وفقاً للدكتورة كارين إي يونغ، خبيرة الطاقة في منطقة الخليج في جامعة كولومبيا.
وليس من قبيل الصدفة أن يبدي عمالقة الوقود الأحفوري أنفسهم اهتماماً بالدول «الهشة». إذ وقعت شركة «توتال إنرجيز» في شهر تموز من العام الجاري على صفقة بقيمة 27 مليار دولار أميركي مع الدولة العراقية لتوسيع إنتاج النفط والغاز والطاقة المتجددة من خلال مشاريع في جميع أنحاء البلاد، كما وتطالب شركة قطر للطاقة بحصة 25 بالمئة من الصفقة.
أداة سياسية
إن السيطرة على إنتاج الطاقة في أي بلد هي أداة سياسية قوية ودائمة، كما قالت يونغ. وقد تكون هذه الشركات قادرة على العمل كبدائل لوكالات تمويل التنمية، مثل البنك الدولي، الذي وضع هذا العام متطلبات مختلفة للحكومة اللبنانية للحصول على دعمه التمويلي، وتحديداً لإصلاح قطاع الكهرباء في البلاد. وشمل ذلك إنشاء هيئة تنظيمية للكهرباء وإجراء تدقيق جنائي لشركة كهرباء لبنان. إلّا أن كلا المطلبين لا يزالان معلقين، ويبدو أن الصفقة غيرُ مرجّحةٍ على نحوٍ متزايد.
وفي حالة لبنان، ونظراً لفترة التراخيص المتفاوتة بين 20 و25 سنة لمشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية، والقدرة على بيع الكهرباء مرة أخرى إلى شركة كهرباء لبنان في اتفاقية شراء الطاقة (الممتدة على هذه الفترة) فإنّ كلاً من قطر وفرنسا سيكونان فاعلين رئيسيين في تطوير مصادر الوقود الأحفوري والطاقة الشمسية وطاقة الرياح في لبنان خلال ربع القرن المقبل.
غياب الرقابة
إنّ السمة المميزة لجهود وزارة الطاقة والمياه في مجال الطاقة المتجدّدة يمكن أن تواجه حاجزاً خطيراً آخر، مع عدم قدرة الاتحادات على إيجاد التمويل اللازم لهذه المشاريع. وفي هذا السياق يقول معلوف: «لا أعتقد أن شركة توتال هي التي تدفع نحو(من هي وراء) هذه المشاريع، بل أعتقد أنها الوزارة».
إنّ إعادة شراء اتفاقيات الطاقة المتجددة من الممكن أن يوفرَ حلاً مربحاً لوزارة الطاقة والمياه، في ظلّ الوضع الحالي وغياب الرقابة المستقلّة عن عمليّة البيع بشكلٍ مثيرٍ للقلق، وقد صرّح وزير الطاقة اللبناني علناً أننا «سنحاول حلّ الفجوات في التمويل [لمشاريع الطاقة الشمسية]» في عام 2021.
وقد سبقَ أن تمّ تكليف جمعية قطاع النفط اللبناني (LPA) بالإشراف على مشاركة القطاع الخاص في قطاع الوقود الأحفوري في لبنان. ولا يقتصر الأمر على أن الاتفاق السياسي الذي يخضع لوزارة الطاقة والمياه، بل إن التعيينات التي تقوم على أساس سياسي طائفي في مجلس إدارته المنقسم قد أدت إلى مخاوف كبيرة بشأن مدى خبرته واستقلاليته.
جهات إستشارية
وفي الوقت نفسه، يعدّ المركز اللبناني للطاقة المتجددة حالياً هيئة الخبراء الرائدة التي تستشيرها وزارة الطاقة والمياه في جميع المسائل المتعلقة بالطاقة المتجددة. وقال أيوب إنها تعمل بمثابة «الذراع الفني» للوزارة، وهو منصب نصّت عليه الهيئة نفسها ولم يصدر بموجب القانون.
وكي لا نبتعد كثيراً فإنّه من المهم الإشارة إلى المركز اللبناني لحفظ الطاقة، والذي تمَ إطلاقه في العام 2011 كمنظمة غير ربحية من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إذَ تمكّن هذا الكيان من البقاء في مسيرته، بعد قطع تمويل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2013 بسبب قرار وزارة الطاقة والمياه بالإبقاء عليه بصفة استشارية والتي – لا تتمتع بتفويض تشريعي رسمي لتوضيح سلطتها أو تمويلها أو موقفها تجاه منظمات الطاقة المتجددة الأخرى في لبنان. وفي هذا السياق يعلّق أيوب، قائلاَ: «إنهم يلعبون في ملعب الوزارة، ضمن ما تم تكليفهم به [بشكل غير رسمي]».
في الوقت نفسه، وبعد مرور عشرين عاماً على المرّة الأولى التي تمّت فيها الإشارة إليه في القانون رقم 462/2002، لا يزال منظم الكهرباء غير موجود في لبنان. ومن الناحية النظرية، ينبغي على الهيئة تحديد تعرفة الكهرباء والإشراف على خصخصة قطاع الكهرباء في لبنان. إلّا أن غياب هذه الهيئة قد ترك هاتين المهمتين تدخلان ضمن اختصاص وزارة الطاقة والمياه بعد سلسلة من التدابير التشريعية.
وفي حديثه مع موقع «بديل» يقول رئيس LCEC، بيار الخوري: «في الإطار الحالي، لا فائدة من وجود جهة تنظيمية». ويشير الخوري إلى أنّ ذلك يرجع إلى وجود «جهة فاعلة واحدة» فقط – مؤسسة كهرباء لبنان – في قطاع الكهرباء في لبنان. ومع ذلك، قد تثير الجهة التنظيمية أيضاً تساؤلات بشأن دور LCEC.
ونتيجة لهذا الغموض، فإن دخول شركات الوقود الأحفوري المتعددة الجنسيات إلى السوق اللبنانية يتمّ في غياب رقابة خبراء مستقلين. وهذا ما أكده وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال في مقابلة أخرى مع البديل.
وفي الإطار نفسه يقول فيّاض: «أظن أنّ دخول كيانات شبه حكومية، مثل توتال وقطر للطاقة، قد يؤدي إلى المضي قدماً في تنظيم [الكهرباء]».
إلّا إنه في ظل الفراغ في قلب الحكومة اللبنانية – التي تعمل حالياً فقط بصفة تصريف الأعمال – والافتقار إلى جهة تنظيمية خبيرة، يجب النظر بحذر إلى الشركات المتعددة الجنسيات التي تستحوذ على مشهد الطاقة في لبنان.
شروط غامضة
إن شروط إعادة بيع اتفاقيات شراء الطاقة الشمسية وطاقة الرياح غامضة بشكل ملحوظ بالنسبة لأولئك الذين هم خارج الصفقة. وقد أدى هذا إلى القلق خاصة عندما يتعلق الأمر بالشروط التي عفّى عليها الزمن لاتفاقية شراء الطاقة لمشروع طاقة الرياح في عكار. وقد أتاحت التحسينات في تكنولوجيا الرياح منذ توقيع المشاريع في عام 2017 للمنتجين، إمكانية توليد الكهرباء بتكلفة أقل، وهذا يعني أن الشركة التي تنفذ المشروع الآن، سيكون لها هوامش أفضل بكثير في المراحل اللاحقة، بموجب شروط العقد القديمة التي يتم بموجبها بيع الكهرباء لشركة كهرباء لبنان بسعر 9.60 سنتات أميركية لكل كيلوواط في السّاعة الواحدة.
يضيف كرم، قائلاَ: «إن العائد الطبيعي للمشاريع في الصناعة سيسمح للمطور بمضاعفة استثماراته في الأسهم إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف بحلول الوقت الذي يبيع فيه المشروع. لقد قدرنا أنه في مشروع عكار، سيضاعف المطور استثماراته في الأسهم بمقدار سبعة إلى ثمانية أضعاف».
وقدر أن هذا يعادل مبلغاً إضافياً قدره 600 مليون دولار أميركي فوق سعر السوق العادل الذي سيتعين على لبنان دفعه على مدار العقد البالغة مدته 20 عاماً – والذي ذكر كرم أنه «مبلغ كبير بالنسبة لدولة مفلسة».
وفي هذه المناسبة، أقرّ فياض لموقع «البديل» بأنّه: «لدينا قضايا هيكلية صعبة علينا التعامل معها بما يتعلق بمفاوضاتنا بشأن السعر». والواقع أن حكومةَ تصريف الأعمال في لبنان – التي تحكم حالياً أزمة مالية تكاد تكون لا مثيل لها – تتمتع بموقفٍ تفاوضيٍ ضعيفٍ بشكل واضح.
توصيات: دليل لبدء عملية التحوّل
مع دخول الشركات شبه الحكومية إلى الساحة، يبدو أن إعادة تشكيل مشهد الطاقة في لبنان تجري على قدم وساق؛ ومع ذلك، فإن الأسس التشريعية لهذه التطورات لا تزال هشّة، ومن شأن خيارات السياسة الصحيحة – التي يتم تحديدها بالتشاور مع خبراء الطاقة – أن تمكّن وزارة الطاقة والمياه من إعادة بناء هيكل الطاقة في لبنان من الألف إلى الياء لإنتاج إطار مستدام وعادل وقوي للأجيال القادمة. إنّ التوصيات التّالية من شأنها أن تعمل كدليل لبدء عمليّة التحوّل المقترحة:
1 – التأكد من المصادقة على مشروع قانون توزيع الطاقة المتجددة في أسرع وقت ممكن: من شأن المصادقة على قانون توزيع الطاقة المتجددة أن يسهّل توسيع نطاق الطاقة المتجددة في لبنان من خلال مجموعة متنوعة من الأحكام. ومن شأن هذا أن يساعد في التغلّب على الاختناق المحيط بمخاوف تمويل الطاقة المتجددة من خلال السماح ببيع الكهرباء من وإلى القطاع الخاص. أمّا في الوقت الحاضر، فما يزال مشروع القانون يعاني من الشلل البرلماني، ويجب على وزارة الطاقة والمياه وLCEC إحياء مروره في أقرب وقت ممكن.
2 – يجب على وزارة الطاقة والمياه إنشاء هيئة تنظيم الكهرباء للإشراف على المنافسة العادلة والشفّافة في قطاع الطاقة في لبنان في المراحل الأولى من تحول قطاع الطاقة، إذ إنّ غياب محكمٍ مستقل لمراقبة مشاركة القطاع الخاص يعني أن البلاد تواجه خطر بيع مستقبلها دون إشراف خبير أو مستقل.
3 – ومن جهة ثانية، لا يزال قانون ERA راسخاً في القانون الحالي، لكن ليس في الممارسة العملية. وفي هذا السياق، يجب على الوزير وليد فياض أن يعطي الأولوية لإنشائه، وفقاً لمعايير أفضل الممارسات الدولية، قبل إعادة طرح اتفاقيات شراء الطاقة إلى شركتي قطر للطاقة وتوتال إنرجيز. ويجب بعد ذلك تمكين الجهة التنظيمية من دمج الجهات الفاعلة في القطاع الخاص في تحول الطاقة في لبنان بشروط شفافة مع ضمان المنافسة السليمة في هذا القطاع.
4 – يجب أن يتم تزويد LCEC بتفويضٍ تشريعي، مما يعيد تعريف المنظمة كإدارةٍ جديدة تغطّي الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة داخل ERA. كما يجب توضيح صلاحيات LCEC ضمن اللوائح الداخلية لـ ERA لتشمل تحديد صلاحيات الكيان ومصادر تمويله والمؤهلات اللازمة لعضوية مجلس الإدارة. وهذا سيتيح لها أن تكون بمثابة هيئة إشرافية لوضع سياسات الطاقة المتجددة ونشرها في جميع أنحاء البلاد ولكنها تظل ضمن اختصاص ERA، في الوقت نفسه.5 – يجب ضمان الشفافية في عمليات الشراء لتمكين الجهات الفاعلة في المجتمع المدني من المساهمة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة في لبنان. وسيشمل ذلك تحديثات معلنة بشكل منتظم من قبل وزارة الطاقة والمياه، وLCEC، وERA في ما يتعلق بإعادة طرح اتفاقيات شراء الطاقة، للطاقة المتجددة. وهذا مهم بشكل خاصٍ، خصوصاً عندما تثار أسئلة متشعّبة بشأن تضارب المصالح المحتمل الناجم عن السيطرة المتزامنة لشركات الوقود الأحفوري على مصادر الطاقة البديلة.