إصدار فواتير الكهرباء بالدولار على سعر 103 آلاف ليرة… التسديد بالليرة سيُحمّل المشترك زيادة 15% عن الدولار

الكهرباء

رداً على الاستشارة التي كانت قد طلبتها “مؤسسة كهرباء لبنان“، وافقت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على إمكان دفع المواطنين فواتير الكهرباء بالدولار الاميركي النقدي أو بالليرة اللبنانية النقدية بحسب رغبة كل مواطن. هذا الاجراء، وفق وزارة الطاقة، سيؤمّن المرونة للمواطنين لاختيار العملة التي تناسبهم للتسديد، خصوصا ان سعر الدولار المعتمد الآن في استصدار الفاتورة والبالغ نحو 103 آلاف ليرة لكل دولار سوف يحفّز المواطنين على الدفع بالدولار بهدف التوفير من جهة، ويرفد من جهة أخرى المؤسسة بالدولارات التي تحتاج اليها لاستكمال التنفيذ الناجح لخطة الكهرباء ولزيادة التغذية.

إلا أن مصادر متابعة تؤكد أن من يختار الدفع بالليرة سيتحمل غرامة بمقدار الفارق بين سعر صرف السوق البالغ حاليا 89 الف ليرة وسعر دولار الكهرباء البالغ 103 آلاف ليرة، وتاليا فإن التسديد بالليرة سيؤدي الى تحميل المشترك زيادة عن سعر دولار السوق 14 ألف ليرة، تشكل نحو 15% من سعر صرف السوق السوداء، بما ينفي المساواة بين المشتركين. والفارق في سعر الصرف سيؤدي حكماً بالمشترك الى تفضيل الدفع بالدولار على الدفع بالليرة، فيضطر المشترك الى شراء دولارات ودفع فاتورته بالدولار لتجنب “الغرامة” بقيمة الفرق بين سعرَي الصرف، بسبب اختياره الدفع بالليرة.
المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر، أشار لـ”النهار” الى أن الإشكالية هي في تمكين “مؤسسة كهرباء لبنان” من إتمام التسعير بالدولار الأميركي وفق سعر صرف مرتفع ومخالف للواقع ومحدد منها بشكل غير مفهوم بـ 103 آلاف ليرة لكل دولار، وهذا ما قد سمحت به الإستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والإستشارات. وبالغوص في حيثيات تلك الإستشارة، يرى ضاهر انها اجازت لـ “مؤسسة كهرباء لبنان” التسعير بالدولار استنادا الى نص المادة 87 من موازنة العام 2022، فيما اللافت ان هذه المادة لم تُجِز ذلك، بل قالت ما حرفيته: “تستوفى بالليرة اللبنانية البدلات عن كل أنواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف المؤسسات المملوكة او الممولة أو المدارة، كليا أو جزئيا، من قِبلها، وإذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية بأي عملة أجنبية بالنسبة الى بدلات بعض الخدمات، فيكون ذلك الزاميا وفقا للتسعيرة التي يحددها مصرف لبنان”. وتاليا، يعتبر ضاهر أن هذه الإستشارة “جانبت الصواب، على اعتبار أن المادة 87 ليست دستورية، كونها أعطت مصرف لبنان سلطة لا يحوزها قانونا، بيد أن حكم هذه المادة كما ومنطوقها الواضح والصريح لم يسمح بتكليف المواطنين تسديد فواتيرهم بالدولار، بل على العكس بالليرة اللبنانية بعد معادلة الليرة بالدولار وفق التسعيرة المحددة من مصرف لبنان (وفق صراحة نصها)”. وتبعاً لذلك، يلفت ضاهر الى إشكالية اخرى متصلة، وهي على أي سعر صرف؟ ليضيف: “بما ان السعر حاليا، المحدد رسميا من مصرف لبنان هو 15 ألف ليرة لبنانية لكل دولار، يقتضي في حال استندنا إلى حكم المادة 87 ان تتم معادلة دولار الكهرباء بالليرة على اساس هذا السعر وان تتم الفوترة سندا له، لا سيما ان المركزي ووفق تصريحاته الغى منصة صيرفة ولم يعد يعتمدها، كما انه يعتمد راهنا سعر الصرف الرسمي المحدد بـ 15 الفا، لا سيما هنا انه فرض على المودعين تسلّم دولاراتهم على أساس هذا السعر الصرفي البدلي وفق التعميم 151، وهذا ما صرح به أخيرا”. كل ذلك يقود ضاهر إلى اعتبار ان الفوترة يقتضي ان تكون بالليرة اللبنانية على اساس المعادلة بالدولار على سعر الصرف الرسمي المعتمد (بالرغم من انعدام قانونية أسعار الصرف هذه، وبالرغم من انه تقتضي العودة إلى ردهة بورصة بيروت السوق الوحيدة والشرعية لتداول العملات)، ويدفعه الى السؤال: “لماذا هنا الإزدواج بالمعايير لناحية السماح بتحقيق مرابحة لمؤسسة الكهرباء على حساب الشعب، وتعمّد إلحاق الخسائر به لا سيما بالمودعين في المصارف اللبنانية؟”.
وبالنسبة الى اعتماد “مؤسسة كهرباء لبنان” سعر 103 آلاف ليرة للدولار، يعتبر ضاهر أن هذا السعر “يخالف منطوق المادة 87 من موازنة العام 2022، لا سيما ان هذا السعر لم يرد من مصرف لبنان، وعليه كان من الأجدى وضع حد لهذا التفلت القانوني”.
الى ذلك، يوضح ضاهر ان مضمون الإستشارة أتى على ذكر أن التسعير بالليرة اللبنانية يكون في ظل الظروف العادية، وأنه في الظروف الإستثنائية يتم اعتماد المادة 87 من موازنة العام 2022، لافتا الى ان “القضاء اللبناني في شقّيه الإداري والعدلي وفي عموم احكامه التي صدرت خلال الفترة الأخيرة، رفض الإرتكان إلى حكم الظروف الإستثنائية وقال بعدم تحققها على الإطلاق”. وسأل: “كيف يمكن القول بخلاف القرارات القضائية التي من المفترض ان تكون ملزمة للهيئات كافة في الدولة اللبنانية؟”.
عندما اتُّخذ القرار بتسعير فواتير الكهرباء باعتماد سعر صيرفة 85500 ليرة للدولار +20%، كان سعر صرف صيرفة أقل من سعر السوق بنحو 20%، وتاليا اتخذت اللجنة الوزارية قرارا بأن يتم التسعير وفق دولار منصة صيرفة +20% عن الاشهر الستة الاولى من السنة الجارية، أي حتى نهاية شهر حزيران. وجاء القرار وفق الخبير الاقتصادي باتريك مارديني على خلفية عدم قدرة تحمّل مصرف لبنان الفارق بين سعر المنصة والسوق الموازية، لقاء تأمين الدولارات لمؤسسة الكهرباء لتسديد فواتير الفيول بالدولار. وإذ يرى أن “انخفاض الهامش بين سعر صيرفة والسوق الموازية، يشكل مناسبة لتوحيد سعر الصرف”، يلفت الى أن “كلفة انتاج الكهرباء مرتفعة جدا، خصوصا مع عدم تأمين الصيانة والهدر، وتاليا من البديهي أن ترتفع قيمة الفواتير، بما يؤكد أن هذا القطاع كان ولا يزال عبئا على الدولة، اضافة الى إهداره أموال المودعين”.
اليوم ومع التطور التكنولوجي خصوصا بموضوع الطاقة المتجددة، يؤكد مارديني أن ثمة فرصة للسماح للبلديات بالتعاون مع القطاع الخاص بالعمل على إنشاء مزارع طاقة شمسية، كلفتها حتما أقل من فواتير الكهرباء. تقدَّر كلفة الكيلوواط ساعة المنتج عبر نظام طاقة شمسية ما بين 6 و9 سنتات للكيلوواط وذلك بحسب المناطق، فيما سعر الكيلوواط في كهرباء لبنان 35 سنتا من دون احتساب كلفة الهدر. وبرأيه هذا المثال يمكن أن يُعمم على بقية القطاعات (النفايات).
رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو قال لـ”النهار” أن في امكان الجمعية الطعن بقرار مؤسسة الكهرباء، لكنها لن تبادر الى ذلك، على اعتبار أن هذا الامر هو تفصيل “تافه” أمام ما يجري من ألاعيب لنهب المواطنين ومن بينها سلب ودائع الناس، مؤكدا أن “المسؤولين في لبنان يعمدون الى تطبيق أسوأ ما في وصفات صندوق النقد الدولي، بدل الذهاب الى تغييرات جذرية في نهج السياسة الاقتصادية المتبعة منذ عقود”.
ورأى أن “قرار اعتماد سعر صرف الـ 103 آلاف لفاتورة الكهرباء يهدف الى سحب كل دولارات المواطنين المخبأة في المنازل، بما يدعم مشتريات مؤسسة الكهرباء بالدولار الاميركي وتخفيف الضغط على سعر الصرف”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار