ورد في موازنة العام 2023 بعد تعديلها في مجلس الوزراء مادة تحت عنوان «إخضاع الإيرادات التي نتجت عن عمليات صيرفة استناداً لتعميم مصرف لبنان الصادر بهذا الشأن لضريبة استثنائية». بحيث أتى مضمون النص ليشدّد على أنه «خلافاً لأي نص آخر تخضع الإيرادات التي حقّقها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون نتيجة العمليات التي نفّذوها على منصة صيرفة استناداً لتعميم مصرف لبنان الصادر بهذا الشأن لضريبة استثنائية إضافية نسبتها 17%. وتعتبر هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي». فما مدى قانونيّة هذا البند؟ وما هي مفاعيله؟ وأكدت مصادر متابعة أن فرض هذه الضريبة ممكن على شريحة من الذين استفادوا من صيرفة مثل التجار والمستوردين والمصارف والمصرفيين وكبار المضاربين… لكن الآلية غير واضحة بعد.
«هرطقات» بالتشريع
تأتي هذه المواد على شكل هرطقات بالتشريع، وإن دلّت على شيء فهي تدلّ على إفلاس العقل المالي في وزارة المالية وفي الدولة اللبنانية». بهذه العبارة استهلّ الدكتور أمين صالح المدير السابق للمحاسبة العامة في وزارة المالية تعليقه على هذه المادة عبر «نداء الوطن». بحيث يبرّر صالح رأيه بعدّة معطيات وملاحظات تنتقد هذه المادّة.
«أولاً، وبالنسبة إلى المكلفين يجب أن يكونوا أصحاب مهنة لدفع الضريبة، ثانياً، يجب أن يكون هناك عمل متكرّر كي يخضع للضريبة، ثالثاً، يجب أن تكون هناك معلومات وآليّة لفرض الضريبة في حال كان الحديث عن الربح الحقيقي. فماذا عن المكلفين على طريقة الربح المقدّر والمكلفين على طريقة الربح المقطوع وحتى غير المكلفين أساساً؟ فكل الناس يعني المزارعين والتجار والأساتذة وموظفي القطاع العام كيف يتمّ إخضاعهم لهذه الضريبة وعلى أي أساس؟ فمثلاً الموظفون في القطاع العام، يقبضون رواتبهم الشهرية ويحوّلونها إلى الدولار بحسب سعر صيرفة، كيف سيتمّ احتساب القيمة وبعد ذلك يتمّ إخضاعهم لضريبة 17%؟ كذلك بالنسبة إلى عامة الشعب، كيف يمكن إخضاع ملايين للضريبة بهذه الطريقة وبمفعول رجعي من تاريخ إنشاء منصة صيرفة؟».
من أين المعلومات؟
ويتابع «صالح»: «رابعاً، على أي أساس سوف يتمّ جمع المعلومات ومن أين سيأتون بهذه المعلومات؟ وهل يستطيع الصرّافون أو البنك المركزي إحصاء كل هذا العدد من الناس على منصة صيرفة؟ مع الإشارة إلى أن سعر منصة صيرفة هو سعر السوق. فمثلاً إذا ذهب مواطن يستعدّ للسفر لشراء مئة دولار هل يصبح تاجراً يحقّق أرباحاً؟ إذاً هذه كلها هرطقات، هذا إفلاس في العقل المالي والضريبي ومخالف لكل قواعد الضرائب ويراد منها تجويع المواطن».
مفاعيل وتداعيات هذه المادة
نظراً للطبيعة القانونية التي ترافق إقرار الموازنات عادة بحسب الأصول تبقى هذه المادة موضوع النقاش من دون مفاعيل حقيقية وقانونية، فتداعياتها ستكون كبيرة على جيوب المواطنين فضلاً عن اعتبارها غير عادلة وغير محقّة. وفي هذا الإطار يشدّد الدكتور صالح على «أن تطبيق هذه المادّة مستحيل، فهي مخالفة للمبادئ العامة للقوانين الضريبية إذ تعتمد على سعر منصة صيرفة التي تم إنشاؤها سنة 2020، لذلك لا يمكن فرض أي ضريبة بمفعول رجعي. فالضريبة عادة تكون مفروضة ومنصوصاً عليها بموجب قانون وذلك قبل بدء العمل بها. فالقانون الضريبي يعمل به بدءاً من تاريخ نشره إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك، وبالتالي فإن مبدأ المفعول الرجعي الذي تنصّ عليه المادة هو مخالف للقانون. لأن القوانين الضريبية لها حيثياتها المستقلة وتطبيقاتها المستقلّة إذ لا يمكن فرض ضريبة على حدث أو واقعة أنشأت حقاً لأي إنسان بمفعول رجعي».
موازنات غير قانونية يقتضي إسقاطها
وفي تقييم سريع وعام للمواد والبنود التي تنصّ عليها مشاريع موازنتي عامي 2023 و2024، قال صالح عبر «نداء الوطن» «برأيي إن الموازنات المذكورة لا أساس قانونياً أو دستورياً لها. إذ يقتضي إسقاطها وإن لم يكن في مجلس النواب فيجب أن يكون الإسقاط في المجلس الدستوري لأنها بالأساس مخالفة للدستور. فأين قطع الحساب؟ هل يستطيعون تحديد من سينشر هذه الموازنات وكيف سيتمّ نشرها في ظل حكومة مستقيلة وعدم وجود رئيس للجمهورية؟ كيف سيقرّ مجلس النواب هذه الموازنات في الوقت الذي نعلم فيه جيداً كيف تم إقرار موازنة العام 2022 بشكل مخالف للدستور بحيث تمّ تركها وتم نشرها بمرسوم نافذ لم يوقّعه آنذاك رئيس الجمهورية ميشال عون، لأنه اعتبر هذا المرسوم المذكور مخالفاً للدستور ولم يلجأ أحد للطعن به».
ويتابع: «الموازنة عادة هي عبارة عن خطة الدولة لتحقيق عدة أهداف اقتصادية واجتماعية ومالية، ففي الحالة اللبنانية تتجسّد الغاية من هذه الموازنات في جمع المال من دون أي هدف اقتصادي وحتى من دون أي واجه أخلاقي».
«ففي شهر آب الماضي تم إقرار موازنة العام 2023 في مجلس الوزراء واليوم تتم مناقشة موازنة العام 2024، ما الذي جدّ بالنسبة إلى معدّل التضخّم كي تتم زيادته بهذا الحجم في موازنة الـ 2024 مقارنة بموازنة الـ 2023؟ وهل ممكن لعقل مالي أن يضع إحتياطي نفقات الموازنة للعام 2024 بمعدل 34% فهذا يعني غياب أي تصوّر لتوزيع النفقات. برأيي إن معظم الوزراء لم يقرأوا قانون المحاسبة العموميّة ولم يقرأوأ حتى الدستور اللبناني».
الإنهيار وصل درجة التحلّل
بعد الجدل الذي أثارته طروحات الضريبة على الخدمات السريعة في الإدارات العامة والضريبة على نعوش اللبنانيين القادمة إلى لبنان، وكما العديد من المواد غير المنطقية التي تم استحداثها في مشاريع قوانين موازنة العامين 2023 و2024، تأتي هذه المادة الخاصة بفرض ضريبة على أرباح صيرفة لتثير إشكالية كبيرة حول قدرة المواطن اللبناني على تحمّل هذا الكم الهائل من الضرائب خاصّة أنها تأتي ضمن إطار مفعول رجعي. فعلى أي أساس وضمن أي منطق تطرح مثل هذه الضرائب في ظل غياب أي عدالة اجتماعية وتدني القدرة الشرائية للمواطن الذي يرزح تحت أعباء كبيرة؟ فهذه الممارسات بمجملها كما هذا المسار الانحداري يؤكّد أن الإنهيار وصل لدرجة التحلّل!