يعيش حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، تجربة لطالما وصلت أصداء خيباتها إلى مسامعه، لكنه لم يكن يدري أن ما قيل عنها في الخفية والعلن، لا يعكس بالكامل، حقيقة عفن أداء الدولة، وتعاطيها المستهتر مع الملفات الحساسة والمصيرية للدولة والناس.
قبل منصوري ورفاقه النواب تلقف كرة نار الحاكمية، بعد تهيّب منطقي ومشروع، ووعود حكومية بتنفيذ شروطه. وما انفك من اليوم الأول، ينادي ويحض و”يهدد”، بضرورة السير بالإصلاحات الموعودة وإقرارها، ليتسنى له مع فريقه التفرغ لمعركة وقف سقوط الليرة، وتثبيت استقرار سعر صرفها، بما هو متاح من ظروف اقتصادية، ووسائل قانونية، دون التدخل المباشر في السوق، وإهدار المزيد من الاحتياط.
قد تُعقد الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقرار قانوني الكابيتال كونترول، والصندوق السيادي، وقد لا تُعقد، بفعل الـ”تفاسير” المتناقضة، حيال جواز التشريع مع الشغور الرئاسي، من عدمه. لكن سواء حصل ذلك أو لا، تتراكم لدى منصوري ورفاقه يوماً بعد يوم، قناعة بأن السلطة لا تزال تمتهن تجارة شراء الوقت، بأموال مصرف لبنان، وتفاوض على ذلك بما تظنه ذكاءً منها، فيما يراه كثر، تبسيطاً وتقزيماً لأزمة بنيوية في الاقتصاد الوطني، تحتاج إلى جهود عبقرية واستثنائية، للخروج من تداعياتها.
إقرار “الكابيتال كونترول” على أهمية وظيفته المصرفية والإصلاحية، في إقرار العدالة بين المودعين، لا تأثير مباشراً له على وضعية احتياطات مصرف لبنان، لأن الدور المنوط به، هو ضبط التحاويل الاستنسابية من بقايا دولارات المصارف الى الخارج، وهو ما لا علاقة لدولارات مصرف لبنان مباشرة به، فيما الصندوق السيادي، يحتاج اللبنانيون إلى سنوات عدة، لتلمّس عائداته الغازية والنفطية.
عطفاً على ذلك سيجد المنصوري نفسه مجدّداً، محشوراً بين مطرقة السلطة من جهة، التي لا تنفك تطالب بالمزيد من التمويل، وتسعى لـ”تنتف” قدر ما تستطيع من موجودات المركزي، وبين قناعاته الشخصية والوظيفية، ومندرجات لائحة القيم والمطالب، التي وضعها شرطاً للقبول بتسلم مهام الحاكمية.
ليست وظيفة مصرف لبنان قانوناً، صناعة الإنقاذ والتخطيط لذلك. لكنه مستعد وقادر، وهو ربما الوحيد المؤهل مؤسساتياً لهذه المهمة. لكن التمادي المستمر في رمي مصائب تمويل الدولة المفلسة، وتثبيت سعر الصرف، وتأمين كلفة الحاجات الأساسية، وغيرها عليه بمفرده، سيعيد مصرف لبنان وحاكمه، الى حيث انتهى رياض سلامة وعهده في الحاكمية.
ارتضى المنصوري لنفسه، “مكرهٌ أخاك لا بطل” دور “ضابط الأمن الاجتماعي”. استمر بتأمين رواتب القطاع العام، ورواتب ومصاريف القوى العسكرية والأمنية والمتقاعدين، البالغ عديدهم 400 ألف عائلة، بالدولار وعلى سعر صيرفة، ويستمر بتمويل كلفة شراء الأدوية السرطانية، والأمراض المستعصية، ورواتب ومصاريف السلك الديبلوماسي، فإلى متى؟
ربما الأجوبة “بعد التجربة” ليست عند الدولة اللبنانية، بل هي ربما عند الخارج الأوروبي والأميركي مروراً بالعربي، الذين يعملون بالإنابة عنها، لتعزيز صمود بقايا البلاد واقتصادها، وما كلام المسؤول السابق في الخارجية الأميركية ديفيد هيل “القاسي” على الحكم في لبنان إلا مؤشر أنه لو بذل المسؤولون اللبنانيون الجهود اللازمة عند بدء الأزمة منذ 3 أعوام لكانت بشائر عودة لبنان إلى سابق عهده قد بدأت، وما كان على منصوري أو غيره، تكبّد مشقات تحمّل إنعاش الدولة، كلما أفقدها حاكموها القدرة على التنفس منفردة.
واللافت في كلام هيل دعوته الولايات المتحدة وشركاءها الى استخدام سياسة العصا والجزرة للضغط على القادة السياسيين اللبنانيين المتمردين لاتخاذ الخطوات اللازمة لدعم منصوري الذي تعهّد بمواصلة برنامج الإصلاح المعلق. كما اعتبر هيل أن موقف منصوري وتصلبه بعدم القبول بمنح الدولة تمويلاً إضافياً غير مشروط هو “مؤشر صحي على انتهاء مرحلة الإباحة لموجودات المركزي”. كما اعتبر أن تسلم منصوري بالوكالة الحاكمية فرصة لتخفيف أزمتي لبنان المالية والنقدية يجب على الولايات المتحدة تقديرها ودعمها.
لا تمويل
فيما كان الشرط الاساسي لمنصوري قبل تسلمه مهام الحاكمية بالإنابة أن يشرّع مجلس النواب إقراض الدولة، تؤكد مصادر متابعة لـ”النهار” أنه “حتى وإن أقر مجلس النواب تشريع الاقتراض فإن منصوري ليس في وارد المضيّ بإقراض الدولة استناداً الى ما لحظه من عدم جدية الدولة في إقرار الإصلاحات”، مؤكدة أن “إقرار “الكابيتال كونترول” يشكل خطوة في رحلة الألف ميل من الإصلاحات المطلوبة”. وأوضحت أن شرط التشريع بات خلفه، وهو يصر على إصلاحات عملية وجدية تؤكد أن مصرف لبنان يمكن أن يسترجع الأموال التي اقترضتها الحكومة من أموال المودعين.
وأشارت الى أن منصوري استطاع خلال 15 يوماً من عمله أن يضبط السوق ويحافظ على مستوى سعر الصرف، وفي المقابل استطاع تأمين رواتب موظفي القطاع العام بالدولار للشهر الجاري، وكذلك الحال بالنسبة لحاجات القوى الأمنية والعسكرية، وتالياً فإن إصرار الدولة على الاقتراض، حتى ولو بتشريع، لتأمين الرواتب وحاجات القوى الامنية لهذا الشهر، لم يعد صالحاً.
ويبدي منصوري الذي سيحضر جلسة مجلس النواب، استعداده هو وفريق عمله في مصرف لبنان للمتابعة اليومية لإقرار الخطوات الإصلاحية، علماً بأنها ليست مسؤولية مصرف لبنان ولكن الوضع في المستقبل القريب لا يطمئن، خصوصاً أن ثمة استحقاقات كبيرة متعلقة بالكهرباء.
وبما أن منصوري يرى أن تأمين رواتب القطاع العام والقطاعات العسكرية والأمنية وحاجات الأدوية السرطانية والأمراض المستعصية خط أحمر، فقد استطاع تأمين الدولارات من خلال إيرادات الدولة التي تذهب الى خزينة الدولة، إذ عمد الى سحب قسم منها لشراء الدولار بهدوء وعلى نحو لم يؤثر على السوق.
وتؤكد المصادر أن “الفارق بين ما يقوم به منصوري وما كان يقوم به سلامة، أن الأخير كان يستخدم منصة صيرفة، وعندما يرتفع الدولار كان يعمد الى ضخ العملة الصعبة في السوق مستخدماً الاحتياطي، ولكن منصوري لم ولن يعمد الى ضخ الدولار في السوق”.
أما بالنسبة للكهرباء، فتشير المصادر الى أن البحث جار في كيفية تأمين الدولارات لمؤسسة كهرباء لبنان بغية تسديد مستحقات لمقدمي الخدمات تقدر بنحو 30 مليون دولار إضافة الى ثمن “الفيول”، إذ ثمة خياران الاول تحويل أموال الجباية من الليرة الى الدولار عبر شراء مصرف لبنان دولارات من السوق بطريقة تدريجية لا تؤثر على السوق كما فعل مع تأمين دولارات الراوتب على أن تُقسّط الأموال لمقدمي الخدمات بعد الاتفاق مع وزارة المال لكونها معنيّة في هذا الأمر.
أما الخيار الثاني، فيتجلى في استخدام الدولة جزءاً من الأموال الباقية من الـSDR وتُقدّر بنحو 120 مليون دولار، ولكنه أمر مستبعد. ولكن في كل الأحوال، تكشف المصادر أن موضوع تأمين الدولارات للكهرباء على طريق المعالجة، إذ ثمة تعاون بين الحكومة ووزارة المال ومصرف لبنان لإيجاد حل لحاجات وزارة الطاقة من دون أي تأثير سلبي على السوق.
قد تُعقد الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقرار قانوني الكابيتال كونترول، والصندوق السيادي، وقد لا تُعقد، بفعل الـ”تفاسير” المتناقضة، حيال جواز التشريع مع الشغور الرئاسي، من عدمه. لكن سواء حصل ذلك أو لا، تتراكم لدى منصوري ورفاقه يوماً بعد يوم، قناعة بأن السلطة لا تزال تمتهن تجارة شراء الوقت، بأموال مصرف لبنان، وتفاوض على ذلك بما تظنه ذكاءً منها، فيما يراه كثر، تبسيطاً وتقزيماً لأزمة بنيوية في الاقتصاد الوطني، تحتاج إلى جهود عبقرية واستثنائية، للخروج من تداعياتها.
إقرار “الكابيتال كونترول” على أهمية وظيفته المصرفية والإصلاحية، في إقرار العدالة بين المودعين، لا تأثير مباشراً له على وضعية احتياطات مصرف لبنان، لأن الدور المنوط به، هو ضبط التحاويل الاستنسابية من بقايا دولارات المصارف الى الخارج، وهو ما لا علاقة لدولارات مصرف لبنان مباشرة به، فيما الصندوق السيادي، يحتاج اللبنانيون إلى سنوات عدة، لتلمّس عائداته الغازية والنفطية.
عطفاً على ذلك سيجد المنصوري نفسه مجدّداً، محشوراً بين مطرقة السلطة من جهة، التي لا تنفك تطالب بالمزيد من التمويل، وتسعى لـ”تنتف” قدر ما تستطيع من موجودات المركزي، وبين قناعاته الشخصية والوظيفية، ومندرجات لائحة القيم والمطالب، التي وضعها شرطاً للقبول بتسلم مهام الحاكمية.
ليست وظيفة مصرف لبنان قانوناً، صناعة الإنقاذ والتخطيط لذلك. لكنه مستعد وقادر، وهو ربما الوحيد المؤهل مؤسساتياً لهذه المهمة. لكن التمادي المستمر في رمي مصائب تمويل الدولة المفلسة، وتثبيت سعر الصرف، وتأمين كلفة الحاجات الأساسية، وغيرها عليه بمفرده، سيعيد مصرف لبنان وحاكمه، الى حيث انتهى رياض سلامة وعهده في الحاكمية.
ارتضى المنصوري لنفسه، “مكرهٌ أخاك لا بطل” دور “ضابط الأمن الاجتماعي”. استمر بتأمين رواتب القطاع العام، ورواتب ومصاريف القوى العسكرية والأمنية والمتقاعدين، البالغ عديدهم 400 ألف عائلة، بالدولار وعلى سعر صيرفة، ويستمر بتمويل كلفة شراء الأدوية السرطانية، والأمراض المستعصية، ورواتب ومصاريف السلك الديبلوماسي، فإلى متى؟
ربما الأجوبة “بعد التجربة” ليست عند الدولة اللبنانية، بل هي ربما عند الخارج الأوروبي والأميركي مروراً بالعربي، الذين يعملون بالإنابة عنها، لتعزيز صمود بقايا البلاد واقتصادها، وما كلام المسؤول السابق في الخارجية الأميركية ديفيد هيل “القاسي” على الحكم في لبنان إلا مؤشر أنه لو بذل المسؤولون اللبنانيون الجهود اللازمة عند بدء الأزمة منذ 3 أعوام لكانت بشائر عودة لبنان إلى سابق عهده قد بدأت، وما كان على منصوري أو غيره، تكبّد مشقات تحمّل إنعاش الدولة، كلما أفقدها حاكموها القدرة على التنفس منفردة.
واللافت في كلام هيل دعوته الولايات المتحدة وشركاءها الى استخدام سياسة العصا والجزرة للضغط على القادة السياسيين اللبنانيين المتمردين لاتخاذ الخطوات اللازمة لدعم منصوري الذي تعهّد بمواصلة برنامج الإصلاح المعلق. كما اعتبر هيل أن موقف منصوري وتصلبه بعدم القبول بمنح الدولة تمويلاً إضافياً غير مشروط هو “مؤشر صحي على انتهاء مرحلة الإباحة لموجودات المركزي”. كما اعتبر أن تسلم منصوري بالوكالة الحاكمية فرصة لتخفيف أزمتي لبنان المالية والنقدية يجب على الولايات المتحدة تقديرها ودعمها.
لا تمويل
فيما كان الشرط الاساسي لمنصوري قبل تسلمه مهام الحاكمية بالإنابة أن يشرّع مجلس النواب إقراض الدولة، تؤكد مصادر متابعة لـ”النهار” أنه “حتى وإن أقر مجلس النواب تشريع الاقتراض فإن منصوري ليس في وارد المضيّ بإقراض الدولة استناداً الى ما لحظه من عدم جدية الدولة في إقرار الإصلاحات”، مؤكدة أن “إقرار “الكابيتال كونترول” يشكل خطوة في رحلة الألف ميل من الإصلاحات المطلوبة”. وأوضحت أن شرط التشريع بات خلفه، وهو يصر على إصلاحات عملية وجدية تؤكد أن مصرف لبنان يمكن أن يسترجع الأموال التي اقترضتها الحكومة من أموال المودعين.
وأشارت الى أن منصوري استطاع خلال 15 يوماً من عمله أن يضبط السوق ويحافظ على مستوى سعر الصرف، وفي المقابل استطاع تأمين رواتب موظفي القطاع العام بالدولار للشهر الجاري، وكذلك الحال بالنسبة لحاجات القوى الأمنية والعسكرية، وتالياً فإن إصرار الدولة على الاقتراض، حتى ولو بتشريع، لتأمين الرواتب وحاجات القوى الامنية لهذا الشهر، لم يعد صالحاً.
ويبدي منصوري الذي سيحضر جلسة مجلس النواب، استعداده هو وفريق عمله في مصرف لبنان للمتابعة اليومية لإقرار الخطوات الإصلاحية، علماً بأنها ليست مسؤولية مصرف لبنان ولكن الوضع في المستقبل القريب لا يطمئن، خصوصاً أن ثمة استحقاقات كبيرة متعلقة بالكهرباء.
وبما أن منصوري يرى أن تأمين رواتب القطاع العام والقطاعات العسكرية والأمنية وحاجات الأدوية السرطانية والأمراض المستعصية خط أحمر، فقد استطاع تأمين الدولارات من خلال إيرادات الدولة التي تذهب الى خزينة الدولة، إذ عمد الى سحب قسم منها لشراء الدولار بهدوء وعلى نحو لم يؤثر على السوق.
وتؤكد المصادر أن “الفارق بين ما يقوم به منصوري وما كان يقوم به سلامة، أن الأخير كان يستخدم منصة صيرفة، وعندما يرتفع الدولار كان يعمد الى ضخ العملة الصعبة في السوق مستخدماً الاحتياطي، ولكن منصوري لم ولن يعمد الى ضخ الدولار في السوق”.
أما بالنسبة للكهرباء، فتشير المصادر الى أن البحث جار في كيفية تأمين الدولارات لمؤسسة كهرباء لبنان بغية تسديد مستحقات لمقدمي الخدمات تقدر بنحو 30 مليون دولار إضافة الى ثمن “الفيول”، إذ ثمة خياران الاول تحويل أموال الجباية من الليرة الى الدولار عبر شراء مصرف لبنان دولارات من السوق بطريقة تدريجية لا تؤثر على السوق كما فعل مع تأمين دولارات الراوتب على أن تُقسّط الأموال لمقدمي الخدمات بعد الاتفاق مع وزارة المال لكونها معنيّة في هذا الأمر.
أما الخيار الثاني، فيتجلى في استخدام الدولة جزءاً من الأموال الباقية من الـSDR وتُقدّر بنحو 120 مليون دولار، ولكنه أمر مستبعد. ولكن في كل الأحوال، تكشف المصادر أن موضوع تأمين الدولارات للكهرباء على طريق المعالجة، إذ ثمة تعاون بين الحكومة ووزارة المال ومصرف لبنان لإيجاد حل لحاجات وزارة الطاقة من دون أي تأثير سلبي على السوق.