قال الخبير الاقتصادي ورئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د باتريك مارديني، إن قطر قدمت نموذجا عالميا في استثمار ثروات النفط والغاز، واضاف الخبير الاقتصادي أن الاقتداء بالتجربة القطرية يضمن حسن استثمار العوائد النفطية في لبنان فيما تلوح في الأفق بشائر إيجابية مع بدء التنقيب عن النفط في جنوب لبنان من قبل تحالف يضم توتال قطر انرجي وايني الإيطالية في الأسبوع الثالث من أغسطس. وحول نشاط الاستثمارات القطرية في لبنان والأوضاع الاقتصادية اللبنانية عموما، حاورت الشرق الخبير الاقتصادي د. باتريك مارديني رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الذي أشاد بمواقف قطر ودعمها للبنان، مؤكدا ان مشاركة قطر في تحالف التنقيب عن الغاز تعزز ثقة المستثمرين باقتصاد لبنان، داعيا الى الاقتضاء بالتجربة القطرية لادارة عوائد الثروة النفطية والغازية المرتقبة.
الأزمات المالية والاقتصادية
كيف تنظر الى الازمة الاقتصادية الراهنة وكيفية الخروج منها؟
الازمة الاقتصادية في لبنان أزمة معقدة وتشمل عدة اجزاء، الجزء الأول: أزمة انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع الدولار والتضخم هذا نسميه الازمة النقدية وهذه الازمة النقدية سببت فقر شريحة كبيرة بسبب انهيار سعر صرف الليرة.
الجزء الثاني: الأزمة المالية او أزمة الدين العام لأن الحكومة اللبنانية تخلفت عن سداد ديونها هذا جزء كبير من الأزمة لأن الحكومة اللبنانية عندها موازنة فيها عجز دائم ولا تستطيع سداد هذا الدين مما سبب ازمة كبيرة.
الجزء الثالث من الأزمة هي أزمة مصرفية وهي أن المودعين اللبنانيين اودعوا اموالهم في المصارف وهذه الاموال اودعتها المصارف اللبنانية عند مصرف لبنان ولم تعد موجودة لأن مصرف لبنان أقرض الجزء الاكبر منها للدولة اللبنانية وعلى سعر صرف ثابت.
ونزيد على هذا الأزمات أزمة هيكلة بقطاع الكهرباء، لبنان لا يستطيع تأمين كهرباء أربع وعشرين ساعة، لدينا مشكلة انترنت لبنان لا يستطيع ان يعطي انترنت سريعا وبكلفة متدنية، لدينا ازمة تلوث مياه وتقنين، يعني عندنا ازمات قطاعية يجب حلها لذلك اقول هي ازمة مركبة ومعقدة تتوزع الى خمس ازمات، والخروج منها يكون بمعالجة كل شق على حدة.
حلول ومقترحات
ما مرتكزات الحل للازمة الاقتصادية والمالية في لبنان؟
مفتاح حل الازمة الاقتصادية في لبنان يبدأ بضبط السياسة النقدية، يعني وقف تمويل الحكومة اللبنانية من قبل المصرف المركزي ووقف تمويل المصرف المركزي للحكومة اللبنانية، والفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية. ولتحقيق هذا الأمر بشكل جدي يجب تعديل القوانين لمنع المصرف المركزي تسليف الحكومة بشكل صارم وانشاء مجلس نقد currency نحن برأينا انشاء مجلس النقد يضع ضوابط صارمة على عمل السلطة النقدية ويمنعها من تمويل الحكومة اللبنانية هذا هو الاساس.
بالشق النقدي يجب وقف طباعة الليرة ووقف تمويل المصرف المركزي الى الحكومة وفيما يتعلق بمالية الدولة يجب على الحكومة عدم الانفاق أكثر من إيراداتها حتى تستطيع ان تعود وتؤمن خدمة الدين العام. وفيما يتعلق بالأزمات القطاعية التي تحتاج لإعادة هيكلة مثل الكهرباء والاتصالات يجب تفكيك احتكار الدولة لقطاع الكهرباء والسماح لمنتجين مستقلين بتقديم الخدمات ويجب تفكيك احتكار الدولة لقطاع الانترنت.
اما موضوع الازمة المصرفية فالحل يتطلب فتح القطاع المصرفي للمنافسة والسماح لمصارف جديدة بدخول السوق من اجل اعادة انعاش لبنان ومن اجل قدرة المصارف الجديدة ان تمول العجلة الاقتصادية لأننا اذا نريد الانتظار حتى نعالج ازمة المصارف الحالية قبل ان نعيد اطلاق العجلة الاقتصادية. يجب تحرير القطاع المصرفي والسماح لمن يشاء من المصارف العربية والاجنبية وحتى المصارف المحلية الجديدة بالدخول الى هذا القطاع.
الفراغ في مصرف لبنان
كيف تنظر إلى خروج حاكم مصرف لبنان وانعكاسه على الوضع المالي وهل تعيين حاكم جديد قادر على إدارة الوضع النقدي؟
نتوقع انهيارا بسعر صرف الليرة عاجلا أم اجلا خلال الأشهر أو الأسابيع القادمة. الانهيار قادم لا محالة بسبب استمرار المصرف المركزي بتمويل النفقات العامة وتمويلها يتم عبر طباعة الليرة ما يؤدي الى انهيار بسعر صرف الليرة أو يمولها بالدولار عن طريق ما تبقى من الاحتياطي ما يكبر الفجوة المصرفية وبالتالي في الحالتين تمويل المصرف المركزي للحكومة هو لب المشكلة اذا مولها بالليرة يكون سبب انهيارها واذا مولها بالدولار يهدر اموال المودعين. لذلك أي حاكم جديد لمصرف لبنان يجب ان يتوقف عن تمويل الحكومة لذلك نحن مع تحصين المصرف المركزي عن طريق قوانين تمنع المصرف المركزي من اقراض الحكومة بشكل صارم وليس بالشكل الموجود به حاليا ونقترح الحاكم الجديد ان يتبع سياسة مجلس النقد وهذا برأينا يعيد الثقة بالليرة اللبنانية. لكن المشكلة ان ينتقل الفراغ الى هذا المركز وفي حال لم يتم تعيين حاكم جديد واستقال نواب الحاكم تتحول إدارة مصرف لبنان الى تصريف اعمال كحال الحكومة.
مصير الودائع في المصارف
ما مصير الودائع.. هل تبخرت مع تفاقم الازمة الاقتصادية؟
كان الحديث منذ حوالي سنة انه سيتم اعادة الودائع الى حد سقف المئة الف دولار وكل ما هو فوق هذا المبلغ الودائع سوف تتحول إما الى اسهم بالمصارف او صندوق استرداد ودائع يعملون عليه. لكن مع ذوبان احتياطي العملات الاجنبية بالمصرف المركزي فإنني اعتقد ان الاموال التي ستعاد الى المودعين لن تصل الى المئة الف دولار وستكون اقل بكثير وبالتالي الاولوية يجب ان تكون لوقف هدر الاحتياطي بالعملات الاجنبية ولتوقف الهدر على المصرف المركزي وقف التدخل في سوق القطع يعني وقف ان يبيع دولارا ويشتري ليرة لبنانية مثل ما يفعل حاليا على منصة صيرفة وارى انه يجب سن قانون يحمي ما تبقى من اموال المودعين وانا بتقديري يجب العمل على اعادة تكوين الاحتياطي وليس هدر ما تبقى منه.
التنقيب عن النفط
مع اقتراب موعد التنقيب عن النفط والغاز بعد أسابيع قليلة هل تتوقع انفراجا في الازمة الاقتصادية؟
من المؤكد ان استخراج الثروة النفطية والغازية يحدث تحولا اقتصاديا جذريا لكن التدهور الاقتصادي الكبير يجعل فجوة كبيرة بين الالتزامات المترتب سدادها وبين الإنتاج، فالفجوة المالية تقارب ثمانين مليار دولار يعني لبنان اهدر ثمانين مليار دولار اموال مودعين. التحدي الكبير هو في حسن إدارة الثروة النفطية فإما ان نقتدي بتجربة دول الخليج التي حولت الثروة النفطية الى نهضة تنموية شاملة وإما ان نقتدي بالنموذج الفنزويلي حيث الفساد المستشر، مما زاد البلاد فقرا وبؤسا رغم وجود ثروة نفطية هائلة.
نحن في لبنان علينا ان نتعلم من تجربة دول الخليج وخصوصا التجربة القطرية التي قدمت نموذجا مثاليا في استثمار الثروات النفطية والغازية واعتمدت خططا استراتيجية لتنويع مصادر الدخل وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار صنفت افضل وجهات الاستثمار في الشرق الأوسط مما عزز قيام اقتصاد متماسك ومزدهر.
الاستثمارات القطرية
كيف تنظر الى مشاركة قطر في تحالف التنقيب عن النفط في لبنان؟
من المؤكد ان قطر كانت سباقة في دعم لبنان بمختلف الظروف والمواقف ولم تتأخر عن مساعدة لبنان وشعبه بدون تمييز بين فريق واخر. وكان ابرز مجالات هذا الدعم حرصها على المشاركة في تحالف التنقيب عن النفط والثروة الغازية في بحر لبنان. وهذا الأمر يعزز ثقة المستثمرين بمستقبل لبنان.
ان قطر تعمل لمساعدة لبنان ودعمه بشتى الطرق وهذا من ارقى انواع التعاون والتعاضد خصوصا ان قطر مستعدة للاستثمار في جميع القطاعات الحيوية ومنها قطاع الطاقة الشمسية ونحن كخبراء اقتصاديين نجد أي مشروع استثماري تديره قطر في لبنان سيكون لفائدة الاقتصاد اللبناني وفائدة اللبنانيين عموما وحبذا لو تتوسع الاستثمارات القطرية لتشمل قطاعات المصارف والانترنت والطيران. لقد حققت قطر إنجازات عالمية في إدارة القطاعات الحيوية ولذلك وجود قطر في أي قطاع استثماري في لبنان يعتبر بمثابة ضمانة وحوافز لجذب المستثمرين.