بعد الشغور الرئاسي والحكومي معاً.. كيف سيكون شكل المشهد اللبناني المقبل؟

بعد الشغور الرئاسي والحكومي معاً.. كيف سيكون شكل المشهد اللبناني المقبل؟

.دخل لبنان سادس شغور رئاسي في تاريخه، بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، دون توافق على مرشح يمكنه حصد الأغلبية النيابية المطلوبة، فكيف سيكون شكل المشهد اللبناني المقبل؟ وما العوامل التي يمكن أن تُخرج لبنان من شغوره الرئاسي، وهو يعيش ظروفاً مختلفة وأكثر تعقيداً هذه المرة على الصعيدين الداخلي والخارجي

في الوقت الذي يكثر فيه الكلام عن البلبلة والفوضى، لا يخشى اللبنانيون إلاّ حصول انهيارات جديدة في الليرة وارتفاعات دراماتيكية لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، وبعد أيام من نهاية العهد السابق، تبدو الاهتمامات مركّزة على مشهد التقلبات في سعر صرف الدولار، في ضوء المخاوف المتنامية من سيناريو مالي مفاجئ يخالف توقعات الخبراء كما المسؤولين.

 الفراغ الدستوري سيؤثر بشكل كبير في المشهد السياسي، إذ لم يستطع مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً لعون، الذي وقـّع مرسوم قبول استقالة الحكومة، وبالتالي دخل لبنان واقعاً سياسياً يشهد فراغاً دستورياً كاملاً، ما عدا المؤسسة التشريعية، التي ستظل قائمة لانتخاب رئيس للدولة، ولكن هذه الفترة ستكون خطرة وستشهد البلاد تدخلات خارجية في المشهد السياسي اللبناني، وقد تذهب الأمور للأسوأ إذا لم يتم انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

ويدخل لبنان أخطر مرحلة من العام 2016، لأن الظروف اختلفت، ويعيش أزمة اقتصادية ضخمة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية والتوترات العسكرية والسياسية العالمية.

لبنان في نفق مجهول

وأكد الإعلامي اللبناني توفيق شومان، ” بعد انتهاء الولاية الرئاسية للعماد ميشال عون، فإن لبنان دخل في نفق مجهول على المستوى السياسي، إذ لا يوجد رئيس للبلاد ولا حكومة متفق عليها لتصريف الأعمال، كما أن المواقف التي يطلقها أنصار رئيس الجمهورية تنبئ بمواجهات سياسية مقبلة مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقوى أخرى، ويمكن القول إن الأيام والأسابيع المقبلة قد تشهد اضطراباً سياسياً غير مسبوقاً ومضافاً إليها الانهيار المالي والاقتصادي الحالي”.

وأضاف شومان لوكالتنا إن “السياسات الطائفية المنقسمة في لبنان، تعني أن انتخاب رئيس جديد للدولة وتشكيل حكومة جديدة، ليسا بالأمر البسيط على الإطلاق، فمجلس النواب ينتخب الرئيس في اقتراع سري في البرلمان المؤلف من 128 عضواً، حيث يتم تقسيم المقاعد بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، لكن الحد اللازم لتأمين النصاب القانوني والفوز يعني أنه لا يوجد فصيل أو تحالف لديه بمفرده مقاعد كافية لفرض خياره، ما يؤدي إلى مقايضة الأصوات بمزايا سياسية أخرى”.

وأكد الإعلامي اللبناني أن “تشكيل الحكومة مُعقد بالمقدار نفسه، حيث تقسم الأحزاب حصصها من الوزارات بناء على النفوذ والطائفة وحجم الكتلة البرلمانية والمناصب المحتملة التي يمكن أن تشغلها في أماكن أخرى من الدولة، ووصل الرئيس السابق ميشال عون إلى سدة الرئاسة عام 2016 بفضل صفقة كبيرة، أيدها “حزب الله” ومنافس عون المسيحي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أعادت رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري كرئيس للوزراء، ويمكن أن يلعب النفوذ الأجنبي دوراً في إبرام صفقات لانتخاب الرئيس في بلد لطالما لعبت فيه الديناميكيات الدولية دوراً في الأزمات المحلية، وتولى سلف عون، ميشال سليمان، منصبه في 2008 بموجب صفقة توسطت فيها قطر بدعم غربي”.

أثر الشغور على الوضع الاقتصادي

أما، رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، الدكتور باتريك مارديني أكد أن “الوضع الاقتصادي الحالي هو وضع سيئ جداً، ولن يتغيّر باتجاه إيجابي، إلا في حال انطلاق مسار إصلاحي جديد، وبالتالي فالصورة وعلى المدى الزمني الطويل، تشير إلى أن الانحدار بسعر صرف الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار هو السيناريو الذي سيسود وسيستمر في المرحلة المقبلة وبمعزلٍ عن التطورات السياسية”.

وأضاف مارديني لوكالتنا إنه “من الممكن تسجيل بعض التراجع في سعر الدولار في السوق الموازية كما حصل أخيراً، وذلك بسبب تدخّل مصرف لبنان المركزي في هذه السوق، كما توازياً من الممكن تسجيل ارتفاعات في السعر، وقد تكون أسرع من الوتيرة الطبيعية التي شهدها لبنان خلال الأشهر الماضية، وذلك أيضاً بسبب تدخّل المركزي في السوق”.

وأوضح مارديني، أنه “لدى مراقبة تطور سعر الدولار منذ العام 2019 إلى اليوم، فإن الارتفاع يتمّ بوتيرة تصاعدية، ولكن ذلك لا يعني أن الارتفاع في المستقبل سيحصل دفعةً واحدة، بل وفق نمطٍ بطيء وهذه الوتيرة مستمرة منذ العام 2019، وقد ترتفع أحياناً أو تتباطأ أحياناً أخرى بسبب ضخّ الدولار من قبل المصرف المركزي والذي قد يكون تأثيره مرحلياً وآنياً، ويطال فقط التقلبات الآنية لسعر الصرف في الأسواق، أي أن التأثير لا يدوم أكثر من أسابيع معدودة أو شهرٍ واحد، لتعود بعده الوتيرة الطبيعية للسعر وهي التصاعدية والتي تستمر خلال الشغور الرئاسي وبعد انتخاب رئيس جديد، طالما أن ما من إصلاحات قد تحققت”.

واعتبر مارديني، أن “ما هو أهمّ من الأحداث السياسية التي تحصل، هو القرارات بتنفيذ الإصلاحات، التي يجب أن تحصل ولكنها لا تحصل”.

دعوات عربية ودولية للبنان

وفي هذا السياق، التقى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في الجزائر التي تحتضن القمة العربية، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية جمال رشدي، أن اللقاء تناول مجمل الوضع اللبناني، بما في ذلك التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية قبيل الدخول في فترة الشغور الرئاسي، إذ اعتبر أبو الغيط أن استمرار الشغور الرئاسي لفترة قد يطول أمدها، سيكون له تبعات سلبية على لبنان في ظل التحديات الراهنة التي تواجهه.

وأشار المتحدث، إلى أن الأمين العام أكد دعم الجامعة العربية الكامل للدولة اللبنانية من أجل تجاوز هذه المرحلة الدقيقة، مشدداً على أهمية اضطلاع الحكومة الحالية بالإصلاحات الضرورية المطلوبة، وفي ذات الوقت اضطلاع السياسيين اللبنانيين بمسؤوليتهم، وضرورة إعلاء المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى وصولاً لتوافقات تفضي إلى إنهاء الانسداد السياسي والحيلولة دون الدخول في فراغ رئاسي لا تتحمله البلاد.

من جانبها، ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية، أن “فرنسا دعت النواب اللبنانيين إلى انتخاب رئيس جديد دون إبطاء”، وناشدت كافة الفاعلين اللبنانيين بتحمل مسؤولياتهم لمصلحة البلاد.

نجاحات وإخفاقات العهد

تتركز الشعارات التي ترفعها قوى المعارضة على تحميل عهد الرئيس ميشال عون المسؤولية الكاملة عن التسبب في إحداث أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية عصفت بلبنان خلال تاريخه الحديث، بينما تدحض قوى الموالاة فحوى تلك الشعارات، جملة وتفصيلاً، وتتبنى في الموازاة شعارات تروّج لنجاحات العهد، لعل آخرها إنجاح جهود الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين التي أدت، مؤخراً، إلى إنجاز الاتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

في المقابل، يرى المتابعون للشأن اللبناني، أن أهم أسباب تعثر عهد الرئيس عون، خلال السنوات الست الماضية، تتمثل في اندلاع “ثورة 17 تشرين” عام 2019 وعدم استجابة رموزها لنداءات الرئيس عون بشأن تشكيل وفد للتباحث معه حول لائحة المطالب، إضافة إلى تفشي جائحة كوفيد-19 في كافة أنحاء العالم، بما فيها لبنان، وما تبعها من انفجار نترات الأمونيوم المخبأة في مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، مما أدى إلى إحداث كوارث تدميرية وبيئية واقتصادية متنوعة.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع وكالة أنباء هاوار