الصندوق السيادي هو الخيار الأفضل بعد الاتفاق على الترسيم ام الإدارة الحكومية ؟

الصندوق السيادي هو الخيار الأفضل بعد الاتفاق على الترسيم ام الإدارة الحكومية ؟

بعد الإعلان عن اتفاق لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود، عمد البعض الى اطلاق عبارات عديدة  “لبنان بلد نفطي – لبنان يدخل عالم الدول النفطية- وداعا لازمة المحروقات…”

 عبارات عديدة رافقتها مطالبات بضرورة انشاء صندوق سيادي للنفط، فهل فعلا لبنان اصبح بلد نفطي؟ وما هي الصناديق السيادية؟ وهل وجودها ضروري في ظل التنقيب عن النفط؟ وهل هي قادرة على حفظ حقوق الأجيال ام  انها وسيلة للسطو على ثروة الغاز؟

مارديني والصندوق السيادي!

بداية افادنا رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني بأنه لا يمكن اطلاق تسمية “بلد نفطي” على لبنان، في ظل عدم اكتشافه الغاز المزعوم بعد، بكميات تسمح بالاستخراج وتغطي الكلفة. وحتى لو بدأ لبنان التنقيب فورا، وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فلن يستطيع لبنان تصدير الغاز قبل 8 سنوات، ولكن يمكننا حينها البحث اقله في جدوى انشاء صندوق سيادي.

*- ما هي الصناديق السيادية ، ولماذا تستعملها الدول؟

إن بعض الدول تمتلك صناديق سيادية وتستعملها لإنفاق عائداتها النفطية لاحقا أو لاستثمارها. وفيما تفضل بعض الدول المصدرة للنفط والغاز حماية نفسها من تقلبات الأسعار العالمية،  تبقي المال في الصندوق السيادي عندما تكون أسعار النفط والغاز مرتفعة وتنفق منه حينما تنخفض الأسعار العالمية، وهو ما يؤمن عنصر الاستمرارية للنفقات العامة، تفضل دول أخرى استثمار أموال الصندوق خارج حدودها ما يسمح بتنويع المخاطر وتلافي تضارب المصالح وإغراءات الفساد. وتشتري هذه الصناديق سندات آمنة وأسهم شركات عالمية، كما يفعل صندوق النرويج السيادي الذي يمتلك حصة 1.4% من جميع الشركات المدرجة في العالم .

*- هل ينطبق ذلك على حالة لبنان؟

في حالة لبنان، أشبه أموال الصندوق السيادي باحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية،  إذ عمد المركزي الى إقراض الحكومة بالليرة، عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29% في العام 2012 إلى 58% قبيل أزمة العام 2019. ثم عاد وحوّل لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة الى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ نحو 1500 ليرة لكل دولار. وبهذه الطريقة استحوذت الحكومة على 62.7 مليار دولار “فريش” من المركزي، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليارات دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف. ورغم الفجوة في صندوق المركزي، تستمر الحكومة اليوم في صرف دولارات مصرف لبنان على الدعم مثلا رغم تسبب ذلك بانقطاع الخبز والدواء المدعوم.

 شبهات الفساد  و”الفريش دولار”

*- البعض يلمح الى ان  الحكومة في لبنان قادرة في حال انشاء الصندوق على الاستحواذ على أمواله بطريقة مباشرة، فما موقفك  من هذا الامر؟

-في ظل الصندوق السيادي، إن للحكومة الاستحواذ على الدولارات “الفريش” بشكل مباشر من دون اللجوء إلى الطرق الملتوية. فإدارة الصندوق ستعيّنها الحكومة وعائداته ستموّل النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لإنفاق هذه الأموال. وقد جرت العادة أن تشوب جميع هذه النفقات شبهات فساد وصفقات بالتراضي، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياط مصرف لبنان. عندها ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمّل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة، فيضيع “الشنكاش” ومعه مقدرات البلاد”.

*-بما ان الصندوق ليس ضمانة  للحفاظ على عائئدات النفط ، فما البديل؟وهل  ان وزارة الطاقة او وزارة المال تتمتع بثقة للقيام  بهذا الدور؟

– البديل المقترح من الصندوق السيادي، أي إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المال أو مجلس الوزراء، فسيفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية ويزيد شبهات الفساد وهدر الأموال ، وفي حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلا، فالهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. إذ يمكن أن تفرض الحكومة اللبنانية شريكا لبنانيا على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءا يسيرا من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي. من هنا ينبغي العمل على حلول من “خارج الصندوق” تسمح بإعطاء ملكية المقدرات الطبيعية للشعب اللبناني مباشرة، لا للحكومة اللبنانية أو صناديق تنتدبها الحكومة .

*- البعض بات يعقد امالا مستقبلية مبنية على استخراج النفط لا سيما وإن أولى نتائج الترسيم: دخول 418 مليون دولار “فريش” إلى مصرف لبنان،  فما صحة ذلك؟

علمت مصادر المعهد اللبناني لدراسات السوق” limslb.com  “عن أن المصرف المركزي استحوذ على 418 مليون دولار خلال الثلاثين يوما المنصرمة، بالتزامن مع الأجواء الإيجابية المرافقة لملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية. وقد ضخّ مصرف لبنان 25 تريليون ليرة إضافية في التداول، وهو ما سمح له بامتصاص عرض الدولار الذي ترافق مع ملف الترسيم، مستطيعاً بذلك الحفاظ على استقرار نسبي لسعر الصرف بالتوازي مع زيادة احتياطي العملات الأجنبية إلى حدود 10 مليار دولار.كما وأضافت المصادر أن عامل الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية انعكس إيجاباً على الأسواق المالية، ما سمح للمركزي بزيادة الكتلة النقدية بحوالي 20% لتصل إلى رقم قياسي بلغ 69.8 تريليون ليرة، ولكن بحسب رأيي ذلك لا يعني أن لبنان أصبح دولة نفطية وبأن عائدات النفط  إن وجدت ستصل إلى الشعب اللبناني، بل ذلك مرتبط بعملية التنقيب وطريقة التلزيم وطريقة إدارة المداخيل المفترضة.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الأفكار