الدولار الجمركي.. الخلل الأساسي في الموازنة والحلّ موجود

الدولار الجمركي.. الخلل الأساسي في الموازنة والحلّ موجود

بعد تردد معلومات عن عزوف الرئيس نجيب ميقاتي عن الإستمرار في طرح إقتراح الدولار الجمركي، لما قد يكون له من تداعيات كارثية على المواطن الذي يعاني بالأساس من أزمة غير مسبوقة وغير عادية، يمكن طرح سؤال وهو كيف يمكن للدولة المنهارة إقتصادياً والعاجزة مالياً أن تجد منافذ أخرى تستطيع من خلالها أن تدخل الأموال إلى خزينتها دون المساس بلقمة عيش المواطن ودون أن تضيف إلى ما يتكبده المزيد من الفواتير التي ليس له بها اي من دخل؟

 تهدف الجمارك بشكل عام إلى السيطرة على حركة البضائع الداخلة والخارجة من البلاد، إذ أنها تسهم في الحفاظ على استقرار القطاع الاقتصادي داخل الدولة، والقطاع الوظيفي كذلك. في لبنان يختلف الوضع، فالبلد الذي يعتمد بشكل غير سليم أو متزن على الإستيراد لتلبية احتياجاته مقابل إنتاج محلي ضئيل وخجول، تميل كفة التحصيل والتركيز الى البضائع المستوردة، ومن خلال طرح مشروع الدولار الجمركي في هكذا وضع، يتكبّد المواطن اللبناني تكاليف إضافية خانقة تقع على كتفيه وحده، ويضرب بذلك إستقرار القطاع الإقتصادي برمته، على عكس ما يهدف إليه جهاز الجمارك أساساً.

الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أكد لـ»الديار» ان الخلل الأساسي يكمن في إنعدام التوازن في ميزانية الدولة، وهو المسبب الرئيسي ايضا الذي حدى بالحكومات المتعاقبة لاستدانة أموال المودعين من مصرف لبنان، وهو نفسه أيضاً الأمر الذي أجبر المصرف على رسم ما يعرف بالهندسات المالية ، وبالتالي كيفية موازنة النفقات والايرادات امر يجب أن يكون في صلب تركيز الحكومة.

وعن الايرادات البديلة، إعتبر مارديني أن الحكومة بامكانها البدء بالتوفير، حيث أن هناك أموالا طائلة تصرف بلا معنى وفي المكان الخطأ، وبالتالي ترشيد النفقات واستعمالها في الأماكن الصحيحة هو جزء من الحل، فالحكومة اللبنانية اليوم على سبيل المثال تصرّف أموالا طائلة على قطاع الكهرباء ولا نمتلك كهرباء، علماً أنها تصرفها بالدولار الطازج، وبالتالي هي مكلفة وتصرف بمبالغ هائلة بالمليارات دون أي نتيجة، وبالتالي إنه من الأجدى ترشيد الإنفاق عوضاً عن التوجه نحو الضرائب من أجل تمويل الخزينة، واكد ان الحل سهل وهو يقضي بالسماح لشركات الكهرب

واعتبر مارديني أنه بالإضافة إلى نفقات الكهرباء، فإن النفقات العمومية في لبنان تشوبها شبهات الفساد، كون أي مشروع أو صفقة أو تلزيم يكلف الدولة أضعاف قيمته الحقيقية، في مقابل نوعية أقل من المفروض، وهنا يمكن الحديث عن هيئة الشراء العام التي كانت تعرف من قبل بهيئة إدارة المناقصات، حيث أنه من الضروري أن تكون هي الجهة المسؤولة عن التدقيق بالصفقات العمومية من أجل توفير أكبر في هذا المجال.

إضافة إلى ما سبق ذكره، أكد مارديني أن الحكومة اللبنانية تحتكر جزءا كبيرا من القطاعات المنتجة في لبنان ومنها الإتصالات، «الانترنت»، طيران الشرق الأوسط، كازينو لبنان، «الريجي» وغيرها الكثير من الاحتكارات التي يتوجب أن يتم تفكيكها، كونها لا تؤمن المداخيل الكافية للحكومة اللبنانية، وما تؤمنه أقل بكثير من المطلوب، لا بل ان هناك قطاعات تتسبب بخسائر كالكهرباء والإتصالات على سبيل المثال، والخلل الأكبر يكمن في الإدارة الخاطئة لهذه القطاعات.

وفي مقاربة للطرح أعلاه، أكد مارديني أن فتح سوق المنافسة لشركات «الانترنت» على سبيل المثال يسمح بتوفير الخدمة للمواطن بجودة أفضل وسعر أقل، كما أنه يسهم في تنمية قطاع التكنولوجيا في لبنان، وأن يحافظ البلد على مهندسيه ويعطهم فرص إفتتاح أعمالهم الخاصة عوضاً عن السفر إلى الخارج، والأمر أيضاً ينطبق على الكهرباء ، إذ أن تفكيك إحتكار قطاع الكهرباء يؤدي إلى تطور القطاع الصناعي في البلد ، كون الصناعة بشكل عام تستهلك الكثير من الكهرباء، وعندها يمكن أن يتم الإستفادة من الصناعات التي قد تنمو اثر ذلك عبر الضرائب والرسوم.

 

من ناحية أخرى، أكد مارديني أن المدخل أيضاً لتحسين الايرادات يكمن في إصلاح النظام الضريبي برمته، ففي الجمارك على سبيل المثال تكمن المشكلة في التهرب الضريبي بسبب الإعفاءات الجمركية على بضائع معينة تتنوع في نسبتها من صفر إلى ٣٥٪، وبالتالي عندما يقوم احدهم بإستيراد بضائع تخضع لما نسبته ٣٥٪ من الضرائب، يتم تمريرها على ما نسبته ٣٠٪ أو أقل ، وهذا هو ما يعرف بالتهرب الضريبي، وبالتالي إن أي حديث عن رفع الرسوم الجمركية سوف يزيد من التهرب الضريبي ، وبالتالي الحل يكمن في تخفيض الرسوم الجمركية وتوحيدها على كافة أنواع البضائع دون إستثناء ، وهو الأمر الذي يصعب التهرب الجمركي بشكل كبير، كما أن الرسم الجمركي المنخفض يزيد القاعدة الضريبية، بمعنى آخر يرتفع عدد الناس الذين يقومون بالإستيراد وتسديد الضريبة، عوضاً عن إيجاد أساليب للإلتفاف والتهرب، وبالتالي توسيع القاعدة الضريبية أو الصحن الضريبي بشكل عام أفضل من زيادة النسب الضريبية.  

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الديار